العسكر.. أم الإخوان.. أم الفوضى

علاء الدين العرابي

علاء الدين العرابي

عضو رابطة الإسلام العالمية

[email protected]

 عندما اقتربت الثورة المصرية من خلع أحد أسوأ حكامها عبر التاريخ وقف هذا الحاكم ليوجه خطابا إلى الشعب الثائر يقول فيه :إما أنا وإما الفوضى ، فصمم المصريون أن يخلعوه ، ولم يفكروا حينها في الفوضى ، وانتقلت السلطة إلى المجلس العسكري الذي ساهم في تحقيق تلك الفوضى من طريقين :

الأول : الإبقاء على رموز النظام السابق يعيثون في مصر فسادا ، والذين خططوا ونفذوا لقيادة الثورة المضادة بنجاح ، وكان بوسع المجلس العسكري أن يتصدى لهم

الثاني : سوء إدارة ظل خلالها يفكر في صفقة يحافظ فيها على وضعه الذي أكتسبه من الثورة بعد أن منحه الشعب ثقته ، ذلك الوضع الذي لم يكن ممنوحا له من قبل ، ولم يمنحه له الرئيس المخلوع وهو يفوضه في إدارة الدولة

 ودخل المجلس العسكري في تفاهمات مع أكبر تيار سياسي وهو الإخوان من أجل الحصول على ما يريد ، ومضى معه هذا التيار في تلك التفاهمات – التي يسميها البعض بالصفقات - واعتبرها من وجهة نظره أقصر الطرق للعبور إلى الدولة الديمقراطية بأقل الخسائر ، ولكن سرعان ما تغير المشهد فسقطت هذه التفاهمات بداية من التصادم بين البرلمان والحكومة 00 ثم طلب حل الحكومة 00 ثم رفض ذلك والتلويح بحل البرلمان 00 ثم ترشيح الشاطر 00 ثم ترشيح عمر سليمان 00 ثم قرار لجنة الانتخابات الرئاسية الذي أطاح بثلاثة أسماء قوية في السباق الرئاسي ، وانتهى المشهد بالعودة للميدان

 وقد وصلت الثورة الآن إلى مرحلة الحسم بعد أكثر من عام من مرحلة انتقالية مثقلة بالهموم والمشاكل ، والوضع الآن يضع الجميع أمام خيارات بعينها يمكن أن نسميها مجازا رهانات في حلبة سباق والمتسابقون هم :

-          المجلس العسكري الذي يسعى لإيجاد وضع معين له في السلطة أو ضمانات لخروج آمن 00

-         التيار الإسلامي ويتصدره الإخوان وهم القوة المدنية المنظمة التي تسعى إلى الإمساك بالسلطة من أجل مشروع النهضة الخاص بهم وهذا الطرف لديه ظهير شعبي قوي

-         القوى المدنية ويلحق بهم من يسمون بالنخب ذات الصخب الإعلامي وبمكن أن نضم إلى هؤلاء الإعلام في أغلب مؤسساته ، وهذا الطرف لا زال بعيدا عن الشارع ، وبالتالي يحتاج لكثير من الوقت حتى يتمكن من المنافسة على السلطة

 والاختيارات المطروحة علي الشعب المصري والمعني الأول بهذا السباق تنحصر في ثلاثة اختيارات :

الاختيار الأول : أن يظل المجلس العسكري في السلطة سواء بمد الفترة الانتقالية ، أو بمحاولة فرض مرشح رئاسي من خلال لجنة الانتخابات المحصنة ليكون واجهة له ، وهذا الوضع يعني إعادة إنتاج النظام السابق ، واستمرار حالة الفوضى ، ويعني فشل الثورة

وأعتقد أن هذا الوضع مرفوض من قبل الشعب أولا ومن كل الأطراف السياسية وسوف يتبع ذلك مدا ثوريا قد يطيح بالمجلس العسكري ذاته

الاختيار الثاني : أن يأتي رئيسا من خارج حزب الأغلبية إذا سلم العسكري السلطة ، وفي هذه الحالة يحدث أحد أمرين

-          إما أن يحدث توافق بين هذا الرئيس وبين حزب الأغلبية ، وبالتالي تحدث حالة من الاستقرار يتبعها السير في سبيل تحقيق أهداف الثورة (وهذه أفضل الصور ) 00

-         وإما أن يصطدم هذا الرئيس مع حزب الأغلبية وبالتالي تحدث حالة من عدم التوافق التي سوف تنتج حالة من حالات الفوضى شبيهة بالحالة الحالية بين البرلمان والحكومة ، أو بين المجلس العسكري وقوى الثورة ، ولكن وقع هذه الفوضى أقل ضررا

الاختيار الثالث : أن يأتي الرئيس من حزب الأغلبية وهذا الوضع يعني أن تتصدر جماعة الإخوان المشهد متمثلة في حزب الحرية والعدالة ، فيكون الرئيس منهم ويشكلون الحكومة بالتوافق مع جميع الأحزاب وفكرتهم في ذلك تقوم على أنه لا يمكن أن يبدأ مشروع نهضة حقيقي والسلطات متعارضة ، كما أن توافق الرؤى بين القوى الإسلامية والقوى الليبرالية أثبت الواقع صعوبة تحققه

 هذا الاختيار سوف ينتج توافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خصوصا وأنهما سوف يحملان نفس التوجه ، ولكنه يحمل معه أخطار يراها البعض وتتمثل في : الخوف من إعادة إنتاج نظام استبدادي ، وأعتقد أن هذا لم يعد ممكنا بعد الثورة ، والخطر الآخر هو احتمال تصادم هذا التيار الإسلامي بالقوى الداخلية والدولية ، وهذا احتمال قائم مع كل تيار يحمل الاستقلال حتى ولو كان توجهه غير إسلامي ، لأن القضية قضية تبعية مصر أو استقلالها ، ويبقى خطرا آخر وهو عدم جاهزية التيار الإسلامي على خوض التجربة إذا افترضنا أنه سوف يقصي التيارات الأخرى ولن يشركها معه

 هذه هي الاختيارات الثلاثة أمام الشعب المصري ، ولا أعتقد أن هناك اختيارا رابعا ، وعلى الشعب المصري أن يختار بين : حكم العسكر 00 أو حكم التيار الإسلامي بقيادة الإخوان 00 أو حكم مختلط بين تيارات سياسية قد تتفق أو تختلف 00 والشعب هو الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص والاختيار ، وعليه أن يختار بين الفوضى أو الاستقرار .