الدنيا وما تساوي

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مجموعة من الفقراء (الفقراء الى الله ) وليسوا فقراء الى المال أو المتاع هكذا يسمون أنفسهم اعتادوا في كل يوم جمعة أن يجتمعوا عند شيخهم (شيخ الفقراء ) يتباحثون معه أمر آخرتهم وما يصلح دينهم ودنياهم .

المشهد الأول :

شيخ الفقراء : أهلا وسهلا بكم من جديد ، كيف أحوالكم ؟

الجميع : الحمد لله ، اشتقنا إليك يا شيخنا

أبو جمعه : عمّت المفاسد يا شيخنا وقلّ الناصحون ونحن بشر نخشى الزلل  فاوصنا ...

شيخ الفقراء : ما نحن فيه يا أبنائي أمر عادي  فإذا كثر أهل الدنيا  وطلابها قلّ وانزوى أحباب الآخرة  حتى لا يشعر بهم أحد . ولا حول ولا قوة إلا بالله .

الفقير أبو عمر : ألا من وصية ، ألا من شيء عندك يقيدنا ؟ فكما قال أخي أبو جمعة طمى الخطب واستشرى الفساد .

شيخ الفقراء : نعم .. أذكر لكم كلمات للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز عليه من الله الرحمة والرضوان .

أبواسماعيل : هات افدنا بها يا شيخنا بارك الله فيك .

شيخ الفقراء : قال عمر بن عبد العزيز يوصي بعض جلسائه :

الأمور ثلاثة .. ماذا قال ؟

الجميع : قال الأمور ثلاثة ...

شيخ الفقراء : الأمر الأول – أمر استبان رشده --  كيف يعني

أبو جمعه : يعني أمر النفع والخير واضح فيه .

شيخ الفقراء : أحسنت .. نعم صح  أمر استبان رشده فاتبعه  ماذا.. فاتبعه !

ابو عمر : يا سلام  ! هذا هو كلام الزين.... فاتبعه...

شيخ الفقراء : وأمر استبان ضرّه  - هذا الأمر الثاني – وأمر استبان ضرّه .. فاجتنبه !

ابو اسماعيل : الله أكبر.. الله اكبر أمر كله ضرر  اجتنبه تسلم .

ابوعبيد وقد حضر متأخرا : لا فضّ فوكا يا شيخنا نعم هذه هي الجواهر ! بقي الأمر الثالث منحنا الله نفعه وأعاذنا من ضرره .

شيخ الفقراء : أما الأمر الثالث ف أمر أشكل أمره عليك

أبو جمعه : كيف يعني ؟ وضّح لنا ياشيخ !

شيخ الفقراء : يعني هو أمر لا تدري أخير فيه أم شرّ ، انافع هو أم ضار ؟  كيف تتصرف معه ؟ أنا أقول لك : أمر أشكل عليك أمره فردّه إلى الله ..... ولا تتعب نفسك فيه  واضح ؟

الجميع : واضح يا شيخنا  واضح 

المشهد الثاني :

ابو عبيد : بارك الله فيك يا شيخنا بّينت وأوضحت ولكن لا تزال في النفس غمّة ! ماذا نفعل مع أولئك الفاسدين الذين يعيشون حولنا ونضطر لمعاملتهم ؟

شيخ الفقراء : يا بني عليك نفسك خذ منه حقك وأعطه حقه واترك امره لله .

ابواسماعيل : لاحول ولا قوة إلا بالله المعاصي والذنوب صارت تقترف هكذا جهارا نهارا دون خجل ولا حياء ولا نرى من ينكر ولا نرى من يردع والعياذ بالله .

شيخ الفقراء : يا أبنائي قال الرسول صلى الله عليه وسلم :

الجميع : صلى الله عليه وسلم – شيء لا يحتمل لا والله...

ابوعمر: على كل حال يا جماعة الخير نحن في دار ابتلاء؛ دار امتحان فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر  النعيم هو الفرار من الفساد والفاسدين ، والعصاة والمعاصي ....

ابو جمعة ضاحكا : إلى أين يا ابو عمر ؟ إلى أين ؟

ابوعمر : الى الله يا ابو جمعة  باتباع شرعه وأمره  واجتناب نهيه قال الله تعالى : ففروا إلى الله جميعا ....

شيخ الفقراء : ولكن أرجوكم ... أرجوكم لا تسيئوا الى أحد مهما كان فالله أعلم بعباده وأرحم ، اسمعوا إلى قوله جلّ وعلا :

وأمر آخر الدنيا حلم زائل  أما الآخرة  يقظة  والموت متوسط بينهما  ونحن أضغاث أحلام .

ابو عبيد :  والله صحيح   الناس نيام   فإذا ماتوا انتبهوا ..

ابو جمعة : والله يا جماعة  وجدت أنه من حاسب نفسه ربح  ومن غفل عنها خسر .

أبو عبدو : صدقت يا ابو جمعة  من نظر في العواقب نجا  ومن أطاع هواه  ضلّ  

أبو اسماعيل : أخطر شيء على النفس اتباع الهوى  فاتباع الهوى إله يعبد من دون الله  والعياذ بالله

شيخ الفقراء : ما شاء الله عليكم أصبحتم كلكم علماء رزقكم الله الفهم والإخلاص بالعمل. آمين . وأريد أن أبين لكم أنه لا يزال هناك أمل متعلق برحمة الله الرحيم  فلا تجزعوا تبقى رحمة الله هي الغامرة ...يروى أن الشافعي بعد أن توفي عليه رحمة الله رآه أحد أصحابه في المنام ؛ فسأله : ما فعل بك يا شافعي ؟ قال :

فابشروا واملوا...

أبوجمعة : عن اذنك يا سيدي الشيخ اسمح لي أن أسرد هذه المعلومة لتعمّ الفائدة :

دخل أعرابي إلى مجلس عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو يتلو هذه الآية على مريديه : ..وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقدكم منها ...فقال الأعرابي مباشرة قبل أن يجلس :

والله ما انقذنا منها ثم يعيدنا فيها !

فقال ابن عباس لأصحابه : اكتبوها فإنها فتيا جاءتكم بالمجان

الجميع : ما شاء الله

ابو إسماعيل : اسمع يا أبو جمعة هذه الوصية في نهاية هذه السهرة

أبوجمعة : هاتها

أبو اسماعيل : اترك الدنيا وهاجر

                إنما الدنيا طناجر

                كل ما فيها طبيخ

ضحك الجميع وهم يهمون بالانصراف  وضحك شيخ الفقراء حتى بدت نواجذه .