التقدمية و...و زوار الفجر

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

فارس .. رامز ...ورضوان

ثلاثة طلاب في المرحلة الثانوية ضمهم مجلس على ضفة النهر ذات مساء وذلك بعد خروجهم من محاضرة في المركز الثقافي وكانت بعنوان :

( القومية العربية وحركات التحرر من الاستعمار ) 

فارس : لقد كانت المحاضرة دسمة هذه المرة ، تحوي الكثير من الافكار والمبادئ ، أليس كذلك يا شباب !

رامز : أية أفكار وأية مبادئ يريد منّا المحاضر أن نعود لعصر الجاهلية ، قبائل متفرقة ، متناحرة ، قبيلة عبس وقبيلة ذبيان و.... ثم يا قوم اتحدوا !

ألا يوجد شيء يجمعنا ويوحدنا سوى القومية والأقوام !؟

رضوان : القضية أنه تجاوز قرونا طويلة من مجد أمتنا ، تجاوز و الرسول وصحبه الكرام ، وزمن لخلافة الراشدة ، وزمن الأمويين والعباسيين ، والعصور الإسلامية الزاهرة وما قدمته للإنسانية من معارف وعلوم ، وثقافة وفنون ، وحصرها كلها في القومية وتعريف القوم 

فارس : ولكن يا شباب محاضر اليوم كان متميزا عن سابقيه، كان شديد التعصب للعرب والعروبة .

رضوان : ولكنه لم يذكر في محاضرته كلمة واحدة عن فضل الإسلام والدين الإسلامي على العرب والعروبة !!

رامز : والحق يقال ، لولا الإسلام لم يبق شيء اسمه عرب أو عروبة ولا لغة جامعة كاللغة العربية.

فارس : ولكن الحركات القومية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تمخضت عن أحزاب وتيارات قومية خلصت الأمة من الاستعمار ووضعتها على طريق النهضة والنمو ..

رامز : مثل ماذا يا سيدي ؟ وكيف تمّ هذا الأمر ؟ وما زلنا نعاني من أنظمة ألعن من الاستعمار بألف مرة ؟

فارس : أريد أن أسأل سؤال ..

رضوان : تفضّل أسأل ولا يهمك شيء .

فارس : الآن النظام  الاشتراكي الذي يتزعّمه حزبنا القائد أفضل أم النظام  الرأسمالي الغربي الصهيوني الذي يكرس العمالة للصهيونية أفضل ؟

رامز : تريد أن تقول أن النظام الاشتراكي وحزبك القائد نظام ثوري وحزب تحرري مقاوم للاستعمار

والنظام الغربي هو عمالة وخيانة ؟ هل هذا هو قصدك ؟

فارس : نعم  بالضبط هذه هي قناعتي !

رضوان : وكيف بنيت هذه القناعة ؟

رامز : بناها حسب دعايات النظام واعلامه الصفيق وادعاء المحاضرين الحزبيين والمنطلقات النظرية للحزب الذي يسميه الحزب القائد و.و...

فارس :وهل تريدون أن نتبنى النظام الرأسمالي الظالم وندور في فلك  دوله التي هي دول الاستعمار ؟

رضوان : لا .. نحن لا نبحث عن هذا النظام ولا

ذاك ..

رامز : ولا يهمنا لا هذا ولا ذاك  إننا نسأل عن هويتنا .. عن عروبتنا .. عن إسلامنا.. أين ماضي الأمة ؟ أين تاريخها ؟  أين حضارتها وقيمها ومبادئها ؟

رضوان : هل هذا كله هباء وغباء وهراء  حتى نتمسك بالاشتراكية أو الرأسمالية وكأنها إله يعبد من دون الله !؟ ونبقى هكذا في ضياع وحيرة وفرقة وتخلف وتناحر ! ؟

فارس : على كل الأحوال أنتم مقتنعون بالأفكار الرجعية  المتخلفة ومن المحال إقناعكم بأفكارنا التقدمية ومنطلقات حزبنا الثورية الرائدة .

رامز : إذا كنا معتزين بأمتنا وديننا وتاريخنا فنحن رجعيون ! وإذا نسينا من نحن وتمسكنا بذيل غيرنا فنحن تقدميون !

رضوان : هذا هو الهراء بعينه ، فمن تنكر لأهله ودينه وقيم وأخلاق أمته هو الضائع .. هو الرجعي هو المتخلف ، وقل بعد ذلك ما شئت فلن تكون بذلك نبيلا أبدا .

فارس : لا ضير .. لا مانع ..انتهى النقاش... اودعتكم ..باي ..بااااي.

المشهد الثاني :

رضوان في بيته لاحظ عليه أبوه القلق والحزن والهمّ ..

الوالد : ما بك يا رضوان ؟ لست على عادتك ؟ هل تشكو من شيء ؟

رضوان : لا شيء يا أبي لا شيء  لا تقلق

 الوالد : كيف لا أقلق ! هل أنا لا أعرف ابني ! واضح أنك متضايق .. ما بك .. قل لي ؟

رضوان : زميلنا فارس ....

الوالد : ما له فارس .. هل حدث له شيء ؟

رضوان : لا .. لا يا ابي.  لكنه متأثر جدا  ومقتنع حتى النخاع بالشيوعية والاشتراكية والافكار الحزبية  ويقول : اننا نحن المسلمون المتدينون رجعيين !

الوالد : هل فارس حزبي .. منظم بالحزب ؟

رضوان : نعم يا أبي

الوالد : وكيف تعرّفت عليه ؟ بل كيف اتخذته صديقا لك ؟

رضوان : هذا الذي حدث يا أبي  وهو اليوم كان غاضبا منّا كثيرا

الولد : منكم ؟ من أنتم ؟

رضوان : أنا ورامز

الوالد : لا حول ولا قوة إلا بالله ! يا بني كم نصحتك وكم وصيتك أن لا تقترب من هؤلاء أمثال فارس ! هؤلاء يا بني مثل العقارب لا تدري متى يلدغك أحدهم

رضوان :  ولكن نحن أصدقاء يا ابي

الوالد : هؤلاء لا يعرفون معنى الصداقة ولا يقيمون وزنا لها  هؤلاء يأتيهم تعليمات  ولا بدّ أن ينفذوها...

رضوان : الباب يطرق يا أبي  لأرى من بالباب عن اذنك لحظة .

رضوان يفتح : من ؟ رامز ؟ جئت في وقتك ادخل. ادخل

رامز  يدخل  يسلم على ( ابو رضوان)

الوالد : لقد حدثني رضوان عن الذي جرى بينكما وبين فارس   منذ متى وأنتم تصاحبون هذه الأشكال  ألم أقل لكما  ( قل لي من تصاحب أقل لك من أنت ) هل يليق بأحدكما أن يكون مثل هذا الشيوعي الملحد ؟

 رامز : والله يا عمي لم يبد عليه أنه بهذه الحقارة الوالد :  وماذا  ستفعلان الآن ؟ أخشى أن يكون قد رفع بكما تقريرا للحزب

رامز : ما العمل برأيك يا عمي ؟

الوالد : لا أدري يا رامز .. لا أدري... صرت أخاف عليكما من زوار الليل

رضوان ورامز معا : زوار الليل ! ومن هؤلاء زوار الليل ؟

الوالد : زوار الليل هم كلاب الحزب في بلدنا يقتحمون البيوت في الليل  ويروعون الآمنين يعتقلون  الشباب ....اعيذكم بالله منهم .... كل الذي أريده منكما أن لا تنشغلا عن دراستكما بأي شيء

رامز ورضوان : نعم ... نعم .. فهمنا ... فهمنا

 

 

المشهد الثالث :

 

رضوان ورامز كانا معا في ليلة الجمعة يسمران في بيت  رضوان انضمّ اليهما الأب ليطمئن عليهما

رامز : أريد أن اسألك يا عمي عن حادثة وقعت مع سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الأب : تفضل يا بني أسأل ولا تخجل

رامز : بالأمس قرأت أنا ورضوان عن هذه الحادثة التي  ساحكيها  لك  وقد خطرت لنا صورة زوار الليل

رضوان : احك يا رامز ودع أبي يحكم

رامز : حاضر .. أنت تعرف يا عمي أن سيدنا عمر

 

 

 

 

 ت

كان من عادته أن يخرج ليلا بعد أن ينام الناس يتفقد أحوال الرعية  وفي إحدى جولاته سمع صوت عربدة وغناء ماجن وثرثرة وشمّ رائحة خمر فتتبع الصوت حتى عرف مصدره

الأب : نعم تابع يا بني

 رامز : أراد سيدنا عمر أن يفاجأ الشباب بالجرم المشهود ويقيم عليهم الحدّ

تسوّر عمر الجدار ولم يشعروا الا وهو فوق رؤوسهم فخافوا حتى كادت الدماء تجفّ في عروقهم

رضوان : لا حول ولا قوة إلا بالله يشربون الخمر وهم يعلمون أنها حرام !

الأب : مهلا يا رضوان الحادثة فيها درس بليغ للحكام والمسلمين والناس أجمعين  تابع يا بني

رامز:  وبخهم عمر وهددهم بإقامة الحدّ عليهم 

تجرأ أحدهم وقال : مهلا يا أمير المؤمنين إن كنا وقعنا في مخالفة واحدة فقد وقعت في ثلاث مخالفات

قال عمر متعجبا : وكيف ذاك أيها الفتى !؟

قال الفتى : يا أمير المؤمنين قال الله تعالى ولا تجسسوا وانت تجسست علينا ! والله أمر المؤمنين أن يدخلوا البيوت من ابوابها وأنت تسورت علينا الجدار ! اما الثالثة فإن الله نهى عن ترويع المسلم وأنت دخلت علينا دون استئذان وروعتنا

هزّعمر رأسه وقال : صدقت وقد عفوت عنكم ولا أعود لهذا أبدا . قال الفتى ونحن يا أمير المؤمنين

نعاهد الله أن لا نعود إلى هذا الصنيع أبدا !

الأب : أرأيتم كيف يكون الحاكم المسلم رفيقا بالرعية شفيقا بهم ! ؟ ولكن أين سؤالك يا رامز؟

رامز : سؤالي هل يعدّ فعل الخليفة من أفعال زوار الليل !؟

الأب : يضحك...ويضحك ثمّ يقول :ما رأيك يا رضوان  وما رأيك أنت يا رامز !

               انتهى