علي بن أبي طالب

حيدر الحدراوي
haider_ir@yahoo.com

ح1 .. تقديم

أكثر شخصية اسلامية أثارت الجدل حولها بين محب ومحب مغال ومغال الى درجة العبادة ومبغض وحاقد وحاسد كانت شخصية الإمام علي بن أبي طالب ، إجتمعت له ما لم يجتمع لغيره ، تفرد وحيداً بمهمة ربانية ، تحملها رغم ثقلها ، وكان أهلها وأهلا لها ، حملها بقوة وعزم لا يلين ، بلا محاباة ولا مواربة ولا حتى وهن ، رغم الثمن الذي سيدفعه من أجل ذلك . 

 جمعت له خصال لا ولن تجتمع في غيره ، العلم ، الشجاعة ، البأس ، العدالة ، الفطنة ، الذكاء ، الفصاحة ، البلاغة ، الإقدام الى غير ذلك ، كان حقاً أنموذجاً  للإنسان الكامل ، فيه تكاملت الإنسانية بأبهى صورها .

ما كان علي بن أبي طالب للمسلمين وحدهم ، بل للإنسانية كافة ، عاشها ومارسها بحذافيرها طوال عمره ، مصداقاً لمقالته الشهيرة في تعامله مع عامة الناس ( إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق) ، فهو أول من وضع هذه القاعدة ، وأفضل من طبقها.

شجاعته برزت في أول معركة في الاسلام ، حيث كان احد المبارزين الثلاثة ، فهزم المبارز له شر هزيمه بسيفه الفريد والذي تميز به (ذو لفقار) ، أما في معركة أحد ، فبرز علي بن ابي طالب بأسلوب قتالي منقطع النظير ، وأمتاز بمزية خاصة ، وذلك حين أنكسر جيش المسلمين ولاذوا بالفرار ، تاركين الرسول (ص واله) لوحده في الميدان ، فجرى له ما جرى ، دعا الله تعالى طالبا المدد ( المــدد يا الله منك المــدد ) ، فلم يمض وقت طويل حتى برز علي بن ابي طالب ، قيل فتبسم الرسول (ص واله) وقال لعلي "طلبت المدد من الله .. فكان بك يا علي" ، وفي رواية أخرى أنه (ص واله) قال له ( أنت المدد يا علي ، يا علي مدد ) , دون ان ننسى البطلين ابو دجانة وام عمارة نسيبة بنت كعب ودورهما الفاعل في الذب عن الرسول (ص واله) ، لكنهما أثخنا بالجراح ، أما علي ورغم الجراح التي جاوزت الستين بقي يقاتل حتى النهاية ، من هذه الحادثة ومن هذا المنطلق بالذات ظهر المصطلح الشائع والمعروف "يا علي مدد" وإن أقتصر الان على الصوفية ، أما الشيعة فأكتفوا بالقول ( يا علي ).

أما علمه وفصاحته ، فتواترت في بطون الكتب ، وتناقلها القاصي والداني ، بل تلقفها العدو قبل الصديق ، وكتب نهج البلاغة (ابن ابي الحديد ، الشريف الرضي ، محمد عبده) لهي خير مثال وشاهد .

تمهيد

لماذا علي بن ابي طالب "عليه السلام"؟

دون الصحابة , دانت له القلوب , وتفتحت له الالباب , وحطم اسوار العقول , وبنيت حوله المباني , وتعددت حوله الطرق , وتغيرت نحوه الاحوال , واختلفت فيه الاقوال , وشرّعت فيه المذاهب , حتى تعددت وتفرقت , ونمت واختلفت , فكانت على سبيل المثال : الاثني عشرية , الزيدية , الثلاث عشرية , السميطية , الفطحية , الناووسية , النفيسية , الواقفية , البترية , الحروفية , الخطابية , الذمية , الغلاة , القرامطة , الجنينيون , السبعية , الجارودية , السبئية , الهاشمية , المختارية , الاسماعيلية , الكيسانية , الاحسائية (الاوحديون) , الغرابية , العلوية (النصيرية) , العلوية (العلاهية) , اليزدانية , اليارسانية , الصوفية (بجميع طرقها) , الدروز (الموحدون) , وفرعا من الزرادشتية وأخيراً وليس أخراً البهرة (الهند).

الجدير بالملاحظة ايضاً , ان علي بن ابي طالب "عليه السلام" هو الوحيد من دون الصحابة يلعن جهاراً ومن على المنابر على طول خط الامارة الاموية ولمدة ربت على الثمانون عاماً , حتى حكم عمر بن عبدالعزيز فرفع اللعن عنه "عليه السلام".

ليس الطوائف الدينية فقط , بل حتى التيارات السياسية والفكرية توقفت لدى اعتابه "عليه السلام" بالحيرة والذهول , وربما اختاره الشيوعيون بوصفهم اياه "عليه السلام" بـ (الشيوعي الاول) ، والاشتراكيون بأنه "ع" (اشتراكي) .

لم علي بن ابي طالب "عليه السلام" ولم يكن شخصاً اخر من الصحابة؟! , يقال له "عليه السلام" و "كرم الله وجهه" و "رضي الله عنه" , بينما يقال لجميع الصحابة "رضي الله عنه " فقط .

ولماذا علي "عليه السلام" وليس غيره بلغ درجة التأليه ؟ , فغالت بعض الفرق ونصبته إلهاً (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , وحاشاه "عليه السلام") .

ولماذا علي "عليه السلام" وليس غيره احداً من الصحابة نصبت له العداوة والاحقاد والبغض والكراهية ؟! , في الكفة الاخرى المقابلة لكفة المحبين والمغالين .

 علي بن ابي طالب "عليه السلام" يعلن عن نفسه بنفسه , ولا يعرف عنه سواه ، ولا يعرفه سوى الله تعالى والرسول الاعظم محمد "ص واله" وذلك جاء في ما روي عنه "ص واله" : (يا علي لا يعرف الله الا أنا وأنت ، ولا يعرفني الا الله وأنت ، ولا يعرفك الا الله وأنا).

***************************

علي بن ابي طالب "ع" ح2 .. الولادة .. المعلم

لكل مولود لابد له من مكان وزمان يرى فيهما النور ، ولابد له من والدين ، من كل ذاك يعرف شأن المولود ، فإن كان الوالد أبي طالب سيد من سادات العرب والأم فاطمة بنت أسد ومكان الولادة الكعبة المشرفة ، بذي وذا يحقق علي "ع" أولوية وأسبقية لم يسبقه اليها أحد ، فهو أول مولود في الكعبة المشرفة بلا منافس في الثالث عشر من شهر رجب الأصب .

العدد ( 13 ) عدد طبيعي جداً للمسلمين الذين يمقتون الطيرة والتطير ، بينما في العالم الغربي يتطيرون ويتشاءمون منه ، الى درجة ان بعض العمارات يحذفون الطابق رقم (13) ، وكذلك المنازل يتجنبون كتابة الرقم (13) عليها اعتقاداً منهم ان في هذا الرقم الشؤم الكثير.

لم يأت هذا التشاؤم من فراغ ، فهناك مدلول تاريخي يعتقد أنه السبب الرئيسي ، وذلك عندما أمر الملك فيليب الرابع ملك فرنسا باعتقال فرسان الهيكل بعد مشاكل بينهما ، فكان الأمر الملكي قد صدر بتاريخ 13 اكتوبر/تشرين الأول/ عام 1307 ، هنا نلاحظ تكرار الرقم (13) مرتين في اليوم وفي السنة ، منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة يتشاءم أكثر الغربيين من هذا العدد البريء!. 

هكذا كان يوم ميلاد علي ابن أبي طالب "ع" يوماً سعيداً لدى محبيه ، ويوم شؤم لدى مبغضيه ، تماماً كما كان مولد الرسول الأعظم محمد (ص واله) يوماً سعيداً لمحبيه وأنصاره ويوم نحسٍ على أعدائه ومبغضيه .

المعلم

منذ ولادته "ع" تلقفته أيادي النبوة ، نما وترعرع بين أحضانها ، بل كان "ع" رفيق الظل للنبي محمد "ص واله" لم يفارقه إلا سويعات معدودة حتى عرف "ع" بأنه " ربيب النبوة" ، هكذا كانا "ع" ملازمين لبعضهما البعض لم يفترقا حتى حال بينهما مفرق الجماعات وهادم اللذات ، وهذه السمة لم يسبقه اليها أحد قط ، تفرد بها علي ابن ابي طالب "ع" .

وجد النبي محمد "ص واله" في علي "ع" ذلك التلميذ الذي يعي ما يلقى عليه والمطيع لمعلمه ، طالما وإن معلمه لا يأمره إلا في خير ، وجد فيه خزانة الإسرار فأمل به أن يكون ذو شأن يوما ما ، لذا لم يبخل عليه بمعلومة ولم يستر عنه حاجة ، زق له العلم زقا ، وكان "ع" أهلاً ونَعِم ، حتى جاء عنه "ع" أنه قال : " علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف باب من العلم وتشعب لي من كل باب ألف باب ".

علي "ع" لم يخالف معلمه (ص واله) قط ، وخير مثال على ذلك حين أعطاه النبي "ص واله" الراية يوم خيبر ، حملها وأنصرف لكن فجأة توقف ، فقال له النبي "ص واله" (امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك) ، لم يلتفت لكنه رجع الى الخلف دون أن يلتفت وفي روايات أخرى انه "ع" صاح (على ماذا اقاتلهم على الفتح أم الجزية؟) ، فجاءته التعليمات على الفتح ، نرى هنا إن علياً "ع" لم يخالف النبي "ص واله" قط في أمر كبيراً كان أم صغيرا ، هنا نكتشف إن علياً "ع" الوحيد من الصحابة ممن لم يخالفوا النبي "ص واله" قط لا في حياته ولا بعد وفاته .

.... يتبع ان شاء الله