بين كتاب الفقيه وفقه المجتمع أي علاقة ...!؟

زهير سالم*

كثيرا ما يبدو الناس مختلفين، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك. وأكثر ما يتجلى هذا في اختلاف الحديث عن الموصوف، فقيه يتحدث عن النص، ورجل اجتماع يتحدث عن واقع سائد في عالم الناس. " عمركَ اللهَ كيف يلتقيان"

في دعوات بناء المجتمع الحديث، يتحدث البعض مثلا عن " تعليم المرأة " وعن "عمل المرأة " كطريقة فيما يدعو إليه إلى اكتفاء المرأة ، ويزيد سطرا ويقول وفي استقلاليتها، وفي إخراجها من أسر الحاجة إلى كافل ومعيل يكفلها وتدفع ثمن هذه الكفالة من كرامتها ومن وجودها. وأغرب ما يتصوره فقيه الكاتب أن الكفيل دائما هو الراشد، وأن المكفول هو القاصر. وقد أحرجت أحدهم مرة في السؤال: هل للمرأة ولاية على زوجها أن توقظه على صلاة الصبح وهو لا يصليها في وقتها؟؟ وهل لها أن تتمنع عليه دلالا حتى يصلي وهو تارك للصلاة، فلخبطت عليه المسائل لأن في المستقر فذ ذهنه أن الرجل فقط هو الذي يأمر أهله بالصلاة ، ولا يتصور أن تبادل الأدوار قد يكون !!

يقول الأول تتعلم المرأة ، وتعمل وتكتفي وتستقل وتقوم بنفسها وهي مكلفة مؤتمنة على نفسها وعلى دينها ..ويرد الآخر بأنه كفى المرأة في أسرتها وبنيها شغلا ، وأن الدعوة إلى استغناء المرأة واستقلال المرأة دعوة مبطنة إلى ما لا يحمد، وفي هذا لمز خفي من حفاظ المرأة على نفسها من غير وصي، وكأن إماء الله غير مستأمنات على أنفسهن وافتح القوس واذكر بعده ما تشاء . ويضيف وأن الإسلام كفل المرأة ، وكفل لها من يقوم على نفقتها أبا وزوجا وأخا وابن أخ وابن عم إلى آخر ترتيبات العصبة التي يرتبون...

أعود إليكم وأنا واحد منكم، ودعونا نطبق قول السيد الفقيه على أرض الواقع، كما نسمعه ونعيشه ونتابعه في سواد عريض من أبناء مجتمعاتنا التي لا تعيش على المريخ ..

 تتزوج المرأة بمشورة أبيها أو أخيها وأحيانا بمشيئتها فتجد نفسها في ربقة رجل سيء الأخلاق فظ غليظ، ولا نريد أن نزيد ، وبينما هي تحاول ترويضه عاما بعد عام ، تكون قد التصق بها ثلاثة أو أربعة أبناء ..في عامها الخامس أو السادس يطفح بالمرأة الكيل، وتشعر أن عيشتها مع سيء الأخلاق هذا لم يعد يطاق ، وتفكر أنه لا بد لها من مخرج، قبل أن يبدو له فيغرقها بزجاجة كاز، ثم يولع بها النار ، فتقرر المغادرة ، وتسحب معها بنيها وبناتها وهؤلاء قطعة من وجودها وتلوذ ببيت أبيها أو أخيها ..!! ولعلكم عايشتم نماذج كثيرة لما يكون بعد هذا الانسحاب المآلات المفتوحة في صورها المتعددة، ولاسيما حين تكون معيشة الأب أو الأخ ضنكا لا تكاد تتحمل ..

دعونا نذهب معها إلى هناك. ووالد المرأة قد يكون ضيق الحال، أفنى عمره المنتج في تربية وتعليم وتزويج ثم اعتزل، قصير اليد، لا يملك سعة ولا حيلة. تصعب عليه ابنته وينوء بحملها. وأول ما تسمعه المرأة البنت في بيت أبيها تسمع أباها أو أخاها يهمس لأمها "زوجت ابنتي لأخلص من بلاها اجت وجرتللي وراها " ويشعر الجد الذي يلقبونه " فاسدا " أنه مطلوب منه أن ينفق على أطفال هذا الرجل قليل الوفاء الذي أفرشه كريمته فأشبعها كراهية ولؤما وضربا ..

وربما في صورة أخرى تصير المرأة إلى بيت الأخ الشقيق، والأخ الشقيق يحب أخته ويحرص على مواصلتها وبرها، ولكنه رجل ضيق الحال لا يصل إلى آخر شهره إلا بشق النفس، قد عجز عن الوفاء بحقوق زوجه وأطفاله، يعيش في غرفتين كعلب الكبريت، وفجأة تهبط عليه أسرة فوق أسرته، وفوق ضيق ذات يده ضيق مسكنه ومدخله ومخرجه ومكان نومه وراحته، ضيوفا ليس فقط عليه، بل على أطفاله وعلى زوجه " وبنت الإحما جسدا يحمى" ويشتغل القصف الكلامي بين الأخت الضيفة، وبين زوجة أخيها، التي تظل ترسل إليها قوارص الكلمات عند الصباح والمساء ..

وبناء على إعادة الموازنات ومع تغليب المرأة احتمال الأذى الجسدي على الأذى النفسي، تقرر أن تحمل أطفالها وتعود إلى "بيت الطاعة" هكذا يلفبونه في المحاكم الشرعية، حيث تضرب على شرط بعض الفقهاء " أن لا يكسر لها عظما ..." أما التصبيغ بالأحمر والأزرق والأخضر فأمر آخر .

وقرأت لأحدهم "مفسر كبير ، وفقيه يشار إليه بالبنان مرة يتساءل: إذا ضرب الرجل امرأته ضرب تأديب فماتت ، فهل عليه من دية ، ويجيب: في المسألة قولان ...!!!

سيدي الفقبه: الفقه جميل ، والشريعة الإسلامية سامية.، ومكابرة الواقع ومجاحدته ليس طريقة للعاقلين ..

وأن تتعلم المرأة ، وأن تكون قادرة على الاستقلال بنفسها ، هو أيضا طريق شرعي لا حب لا يغلقه إلا الغَلِقون....

ثمة آخر يناقش علم الفرائض، ويحسب أنصبة الرجال والنساء ، ويقرر على طريقة أهل الحساب ...

سيدي الفقيه هل نحكي لك عن تصرفات الناس في " كوكبنا " حيث لا سهم ولا تسهيم ولا يرث النساء الرجال ..لا يرثن أبدا لا جدات ولا أمهات ولا أخوات ولا بنات ولا زوجات ..

أقول معك الإسلام ليس مسئولا عن هذا، ولكن أنت وأنا ونحن وهم وهن مسؤولون ...

سد وا الذرائع وأغلقوا أبواب الفساد وكونوا مع الضعيفين المرأة واليتيم ..

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوصي الناس في الضعيفين المرأة واليتيم ...

وعند كل مساء في كل بيوت الزوجية حول العالم يخلو رجل وامرأة وأخلاق، فلا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم . ومهمة كل شرائع السماء وقوانين الأرض أن تعمل للجم لؤم لئيم ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية