الطبيب الداعية الدكتور رشيد العيسى

عمر العبسو

( ١٩٤٦ - ٢٠٢٠م)

   تعتبر سوريا امتداد طبيعيا لدعوة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر، حيث كانت من أوائل الشعوب التي تعرفت على الدعوة خارج مصر، حيث تلقفها ثلة من علماء الشام وعلى رأسهم الشيخ محمد  الحامد، والدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عمر بهاء الدين الأميري حيث انتشرت الدعوة، وأقبل عليه الكثيرين، وكانوا رجالا لهذه الدعوة، وظلوا كذلك حتى توفاهم الله ومنهم الدكتور رشيد العيسي.

المولد، والنشأة:

  ففي مدينة حماه ولد د. رشيد العيسي أبو خالد عام 1946م، ونشأ في أسرة مسلمة ملتزمة بتعاليم الدين.

الدراسة، والتكوين:

  والتحق بمراحل التعليم فيها، وظهر نبوغه حتى تخرج في كلية الطب وتخصص في مجال طب النساء والتوليد.

  وحينما كان طالبا كلية الطب جامعة دمشق – رفض بعض إخوان سوريا المشاركة في قواعد الشيوخ لاعتبارات أمنية لكن البعض شارك - كان يقوم بتجهيز الشباب للتدريب في قواعد الشيوخ انطلاقا من الشقة التي كان يقطنها في حي البرامكة ويزودهم بالبطاقات الثبوتية اللازمة كفدائين في حركة فتح، كما كان يستقبل المجموعات التي يرسلها له مروان حديد والشيخ محمد الحامد في دمشق ويرسلها للأردن.

جهوده في الدعوة:

  وقد التحق بصفوف الدعوة في وقت مبكر، وكان حربا ضروسا على حكام سوريا المستبدين وعلى رأسهم حافظ الأسد ونظامه والذي حاول اعتقاله والزج به في آتون السجون إلا أنه استطاع أن يهرب عام 1979م.

  ومع ذلك ظل مقداماً جريئاً، يصدع بكلمة الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وتشهد له ساحات الجهاد من سورية إلى فلسطين إلى العراق، وكان من أوائل من عمل مع إخوانه لنصرة الشعب السوري الباسل في ثورته الأخيرة عام 2011م على نظام الفساد والاستبداد.

  شغل - رحمه الله - أدواراً متقدمة في الجماعة، وكان عضواً في مجلس شوراها لدورات عدة، وكان مثال الأخ الناجح في إدارته لما يوكل إليه من أعمال، مثابراً دؤوباً كريماً شجاعاً رابط الجأش في الملمات.

  وفي وثيقة صادرة ومعنونة باسم رئاسة الاستخبارات العامة وتحمل وصف سري ترصد الاستخبارات السعودية قائمة بأسماء بعض القيادات والشخصيات السورية المعارضة في الأردن من سياسيين وإعلاميين وشيوخ عشائر ورجال دين، وتضم القائمة 14 اسمًا مع توصيف لكل اسم من حيث تاريخ الميلاد والمحافظة السورية التي يتبع لها والتيار السياسي الذي ينتمي له ومكان إقامته

  وقد ضمت القائمة أسماء محمد عناد، بشار الحراكي، عبد السلام الشقيري، حسام الغضبان، أحمد ناصر، أحمد سودان، أحمد الصياصنة، ريما فليحان، إحسان المصري، حسان الصفدي، رشيد العيسى، عبد الرحمن شردوب، عبد الرحمن عبارة، ومعاذ السراج.

وكان رحمه الله شاعرا مقلا ومن شعره قوله في الحنين إلى الديار:

أعاود الشوق والذكرى تعاودني 

يمزق القلب تشواق وتذكار 

ما كنت أحسب أني تارك بلدي 

لكنه قدر والله قهار 

عاهدت نفسي بأني لا أغادرها 

ولو نبأ درهم مني ودينار 

في حماة ورغم الشوق يقتلنا 

تبنى العقيدة قبل الحكم نختار 

ما كنت للشعر معتادا لأنظمه 

لكنه غضب في النفس موار 

لن يطفئ النار أقوال نرددها 

مل الضعيف خطابات وأشعار 

وفاته:

  ظل الدكتور رشيد العيسي مجاهدا حتى لقى الله سبحانه في مدينة عمان عصر يوم الخميس 12 ربيع الأول 1442هـ - 29 تشرين الأول- أكتوبر 2020م.

أصداء الرحيل:

   جماعة الإخوان المسلمين في سورية تنعى الأخ “رشيد العيسى – أبو خالد”

30 أكتوبر، 2020 إخوان سورية

بسم الله الرحمن الرحيم

((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))..

إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجل مسمى..

تنعى جماعة الإخوان المسلمين في سورية إليكم وإلى كل العاملين في الحقل الإسلامي، الأخ الفاضل الدكتور رشيد العيسى، من مواليد مدينة حماه عام ١٩٤٦، الذي انتقل إلى رحمة ربه في مدينة عمان عصر هذا اليوم الخميس ١٢ ربيع الأول ١٤٤٢ هـ / ٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٠م.

رحم الله أخانا أبا خالد، الرجل الصادق المجاهد المهاجر، الذي أمضى حياته في مقارعة الظالمين، وفي الدعوة إلى الله، وإعلاء راية دينه وعقيدته.

لقد كان -رحمه الله- مقداماً جريئاً، يصدع بكلمة الحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وتشهد له ساحات الجهاد من سورية إلى فلسطين إلى العراق، وكان من أوائل من عمل مع إخوانه لنصرة شعبنا السوري الباسل في ثورته الأخيرة على نظام الفساد والاستبداد.

كان رحمه الله طبيباً بارعاً في أمراض النساء والتوليد، نجا من أيدي رجال الأمن عندما حاولوا اعتقاله في عيادته عام ١٩٧٩.

شغل -رحمه الله- أدواراً متقدمة في الجماعة، وكان عضواً في مجلس شوراها لدورات عدة، وكان مثال الأخ الناجح في إدارته لما يوكل إليه من أعمال، مثابراً دؤوباً كريماً شجاعاً رابط الجأش في الملمات.

رحم الله أخانا أبا خالد وجعل الجنة مثواه، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

نتقدم بخالص العزاء لأهله وزوجته الفاضلة وأبنائه الكرام وأقاربه وجميع إخوانه ومحبيه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمده برحمته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

جماعة الإخوان المسلمين في سورية

٢٩ تشرين الأول ٢٠٢٠ م/ ١٢ ربيع الأول ١٤٤٢ هـ

كما نعاه الأستاذ زهير سالم:

  صار إلى ربه الأخ أبو خالد - رشيد العيسى - الرجل الرجل، الرجل الجريء الجميل ، حمال الحمايل ، الصداع بالحق لا يخاف فيه في الله لومة لائم ..

  ويرحل فرسان، فتبقى صهوات الخيل من بعدهم معطلة، وثغرات المسلمين التي كانوا يحرسونها مخوفة ...ورحمك الله يا أبا خالد وتقبلك في الصالحين ... رحمك الله أيها الفارس ما تعبت إذ تعب أناس ، ولا وهنت إذ وهن أناس ، ولا طمعت إذ طمع أناس ..وبقيت دائما حيث الفزع "تكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع " وذلك كان عهد الأنصار مع رسول الله .

  أربعون سنة مرت منذ التقينا أول مرة ، وقد وصل حديثا من حماة يحدثنا كيف قاوم حتى أفلت من بين أيدي الظالمين من عناصر المخابرات .. ثم تقلبت بنا الأيام من ثغرة إلى ثغرة، ومن مقام إلى مقام ، نتفق ونختلف وفي كل مرة يبقى الحب والود أديم الأخوة وإدامها ..

  رحم الله أخي الحبيب أبا خالد فقد كنا نتفق في طريق طويل فيه كثير من العثرات والتقلبات على ثلاثة أمور :

 الأول أننا نختلف في العديد من الآراء والمواقف والتقديرات .. وأننا يعجبنا أن يكون ما في قلب الإنسان على لسانه ، من غير رواغ ولا خبابة، . يكون أحدنا في طرف المجلس، فيمد لي يده أو أمد له يدي كفا مبسوطة كحد السيف، قل الحق ولا تبالي ..

  وكنا، يعجبه كما يعجبني ارتفاع نبرة صوته في الغضبة للحق اقتداء بسنة الحبيب " كان إذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء .. وكأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم .."

  ينادي علينا أبو خالد يوم رحيله: ألا أيها النوام ويحكمُ هبوا .. برحيلك أيها الراحل الحبيب اليوم رحل عن عالمنا خير وبر وعزم كثير وفقدت جماعة الإخوان المسلمين ركنا شديدا من أركانها كانت تأوي إليه في الوقت العصيب.

الطبيب الداعية الدكتور رشيد العيسى (أبو خالد):

إنا لله، وإنا إليه راجعون.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم..

عظم الله أجرنا وأجركم.. وتغمّد فقيدنا الأخ الحبيب رشيد العيسى (أبو خالد) بواسع رحمته.. وأسكنه فسيح جناته.. وجمعنا به في مستقرّ رحمته.. تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلا ظله.. مع الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين.. وحسُن أولئك رفيقا.. اللهمّ لا تحرمنا أجره.. ولا تفتنا بعده.. واغفر لنا وله يا أرحم الراحمين.. اللهم اخلفه في أهله وأولاده.. وألهمنا وأسرته الكريمة وإخوانه وأحبابه الصبر والرضى وحسن العزاء..

كم حبيبٍ قد غيّبَته المنايا     وفقيدٍ ما كنتُ عنه بسالٍ

كيف أسلو ودمعتي ليس تهدا من فراق الأحباب من كل جيل

ربّ إني أحببتُ فيكَ أناساً هم أماني وعُدّتي ودليلي

سبقوني إليكَ، واحرّ قلبي كيفَ أمضي من دونهم في سبيلي

كلّ يومٍ يمضي وأفقد منهم فارساً كانَ مُؤنسي وخليلي

هؤلاء الأحبابُ راحوا وغابوا فمتى يا تُرى يكونُ رحيلي؟..

ومتى - يا تُرى - يكون لقانا تحت عرشِ الرحمن ظلٍّ ظليلِ

علي صدر الدين البيانوني. 

الدكتور رشيد العيسى في ذمة الله وجواره

05تشرين2020

أدباء الشام

أعود سريعاً إلى أربعين سنة خلت لألتقي بأخينا الحبيب الطبيب (رشيد العيسى) في بغداد ،تلقاني بابتسامته المعهودة ..وتتوطد الإخوّة والصداقة في بغداد وعمّان وتركيا ومصر ، ولندن،في المؤتمرات والندوات والعمل الدعوي

وتمر الأيام والذكريات وتتوارد في خاطري شريطاً سينمائياً حافلاً بنشاط أخينا الحبيب إبي خالد ، وحين افترقنا مكاناً وأبداناً نتواصل على النت ، وأطمئن إلى نشاطه الدعوي المستمر في عطائه

كان صريحاً في قوله صادقاً في فعله هذا ما أشهد له ..واسعد لهذه الصفة في أخينا أبي خالد وكثير من أمثاله ذوي الفكر السديد والقلب الرشيد ..صار ذكرى وكلنا على هذا الدرب ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وسنلحق بك بإذن الله على الدرب المضيء ، درب الدعوة إلى الله ..سبقتني يا أخي وأنت سباق دائماً

رحمك الله وغفر لك وعفا عنك وزاد في حسناتك وحشرك في ظلِّ عرشه مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً

اخوك المحب عثمان قدري مكانسي

فارس الميدان:

  وكتب الشاعر الداعية د. خالد هنداوي في رثاء الطبيب الداعية د. رشيد العيسى..يقول فيها:

أنى رحلت وأين يا صنديد  جلت مصيبتنا فأنت عميد 

غادرتنا ورحى النوائب جمة وأولو العزائم في الرجال زهيد 

قال القضاء قد أن وقت لقائه أين المفر وعمرنا معدود 

قلنا رضينا بالقرار وحكمه  ونطيع مولانا فنحن عبيد

من جاز أزمنة الندى فله البلى مهما بنى أحلاما فذا محدود 

بعض الرجال وإن مضوا فكأنهم أحياء فينا ذكرهم مولود 

وفراقهم في القوم باب للأسى فالفقد حزن نبضه مشهود 

ناعورة العاصي همت ونحيبها غطى حماة وجاد فيها الصيد 

وبكته حرى في فلسطين الحمى زمر الجهاد فقلبها مؤود 

إن اليهود أشد أعداء لنا  فمتى تكون لناقضين عهود

ولقد رماك بسهمه وبلائه  طاعون كورونا فأنت شهيد 

من يعط أجرا للشهادة في الوغى  يرزقه وهو على الفراش قعيد 

لم يثن عزمك من طبيب ماهر  أن يرتقي بك للفداء صعود 

كم مضت أيامنا سودا إذا قد أصبحت بيضا فأنت العيد 

يا بن العقيدة مؤمنا أن الذي    كتب الإله مقدر محدود 

فقضيت في الأردن صبر مجاهد قد غاب وهو عن البلاد بعيد 

أبشر فأنت مهاجر في صدقه بلغ المرام وربك المقصود 

وعطاؤك المدرار فضل زاخر     لله بحرك وافر ومديد 

كم ذا عنيت بدعوة ودراسة   أثنى بذلك حامد وحديد 

فالمؤمن الطماح ليس بواهن       بل إنه للواقعات وقود 

من كان رمز العلم فهما واعيا فهو الذي يعلو الورى ويفيد

جادلت أهل الزيغ حتى أذعنوا  والحق يبدي في النهى ويعيد

وحزمت أمرك ناصرا حق الهدى  مهما طغى الإرهاب والتهديد 

فترد كيد الكائدين بوثبة    مهما بغى باغ وثار حقود

يافارس الميدان من يحمي الحمى كم كنت عن ثغر الجهاد تذود 

من زاده القهار بسطة قوة     فله الجبال الراسيات تميد 

لله درك كم أتى من ساسة          جادلتهم ولربك التأييد 

وجه الإله أردت فامتنع الدهان على الفؤاد وجرد التوحيد 

أيقنت أن الحق غاية نهجنا وسيهزمون وحشدهم مردود 

فمتى يعود زئير ليثك  غاضبا يهوي به المغرور والرعديد 

قد كنت رسما للشجاعة والفدا فلأنت حقا للخلاص فريد

جاهدت جند الظالمين مجالدا ومضيت كرارا وأنت عنيد 

لم نلق مثلك في الحمية جاهدا للدين فيها غيرة وزنود 

ونجحت في حقل الجماعة قائدا وبذلت مطواعا وأنت مقود 

والرأي في الشورى بعزمة ناهض ووفاق إخوان فذاك سديد 

ومع اختلاف الرأي يلغى قلبه صافي المعين وحبله ممدود 

طوبى لمثلك أن يظل مجليا   وله بنا مستقبل منشود

مصادر الترجمة:

١-  الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين.

٢- مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية.

٣- صفحة د. خولة رشيد العيسى على الفيسبوك. 

٤- موقع رابطة أدباء الشام 

٥-  مواقع الكترونية أخرى.