النظام السوري يُقرُّ بمقتل 1056 مواطناً من المختفين قسرياً لديه عبر دوائر السجل المدني

هبة محمد

دمشق – «القدس العربي»: قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الأخير إنَّ النظام السوري أقرَّ بمقتل 1056 مواطناً سورياً كانوا مختفين قسرياً لديه عبر دوائر السجل المدني، بينهم 54 من أبناء بلدة دير العصافير كشف عن مصيرهم في شباط وآذار 2022، وأكدت أنَّ هناك مخاوف جدية على مصير 86792 مواطناً سورياً لا يزالون قيد الاختفاء القسري لدى النظام السوري.

ويقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: «لطالما أنكر النظام السوري أنَّ الآلاف من السوريين مختفون قسرياً لديه، ثم تأتي حوادث السجل المدني لتكشف أن العشرات من هؤلاء قد ماتوا، ولم يقم النظام السوري بإبلاغ أهلهم، أو تسليم جثثهم، وقد يكون انقضى سنوات على وفاتهم، لا يكاد يوجد نظام شبيه بنظام الأسد في تعامله البربري مع الشعب سوى كوريا الشمالية، ولا بدَّ للمجتمع الدولي من أن يساعد 86792 مواطناً سورياً مختفٍ قسرياً، فكل تأخير يعني مزيداً من الوفيات من أبناء الشعب السوري».

ووفقا التقرير – الذي جاء في 14 صفحة – فإن النِّظام السوري تعمَّد الإبقاء على مصير عشرات آلاف المعتقلين لديه مجهولاً بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الألم والإذلال لعوائلهم، وقد مضى على اختفاء كثير منهم سنوات عدة، مشيراً إلى أن قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان تضم بيانات ما لا يقل عن 86792 مختفٍ قسرياً لدى النظام السوري منذ آذار 2011 حتى آب 2021 بينهم 1738 طفلاً و4966 سيدة، وأوردَ التقرير المؤشر التراكمي لهذه الحصيلة، وقال إن تحليل البيانات أظهر أنَّ أن الأعوام الأربعة الأولى للحراك الشعبي نحو الديمقراطية شهدت الموجات الأعلى من عمليات الاختفاء القسري؛ وقد شهد عام 2012 الحصيلة الأعلى يليه 2013 ثم 2011 ثم 2014.

مصير المئات؟

ومنذ مطلع عام 2018 بدأ النظام السوري بتسجيل العديد من المختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة له، في دوائر السجل المدني، على أنهم متوفون، وهو الذي أنكر لسنوات وجودهم عنده. وأكد التقرير أن النظام السوري قد سخَّر مستويات عدة من مؤسسات الدولة السورية لتنفيذ هذا الإجراء المخالف للقانون السوري والتلاعب ببيانات السجل المدني للمختفين قسرياً بدءاً من وزارتي الداخلية والعدل حتى مسؤولي دوائر السجل المدني في المحافظات السورية كافة، إذ لم يتقيد بأصول وإجراءات تسجيل المتوفين في مراكز الاحتجاز.

ووثَّق التقرير منذ مطلع عام 2018 حتى نيسان 2022 ما لا يقل عن 1056 حالة لمختفين قسرياً كشف النظام السوري عن مصيرهم بأنهم قد ماتوا جميعاً بينهم 9 أطفال وسيدتان منذ مطلع عام 2018 حتى نيسان 2022. وأوضح التقرير أنه وفقاً لهذه الآلية التي لم يقم النظام عبرها بإيضاح مصير المختفين قسرياً بشكل نهائي فإن جريمة الاختفاء القسري لا تزال مستمرة. وحمَّل التقرير النظام السوري مسؤولية الكشف عن مصير المختفين قسرياً لديه، وإبلاغ الشعب السوري كيف قُتِل هؤلاء ومن قتلهم وأين كانوا؛ لأنه لطالما أنكر وجودهم لديه، وبناءً على كل ذلك فإنَّ هذه القوائم -التي نشرت عبر دوائر السجل المدني- تُشكِّل دليل إدانة على تورُّطِ النظام السوري بعمليات قتل هؤلاء، ويعتقد أنهم قد قُتلوا بسبب التعذيب، ويستثنى من التعذيب حالات الوفاة بسبب أحكام الإعدام الصادرة عن محكمة الميدان العسكرية وهي نسبة قليلة لا تزيد عن 5 % حسب التقرير.

وسجل التقرير منذ مطلع شباط وحتى نيسان 2022 ما لا يقل عن 54 شخصاً من أبناء دير العصافير علم أهلهم بوفاتهم عبر استصدارهم بيانات وفاة من دوائر السجل المدني، وهم جميعاً كانوا قد اعتقلوا من قبل قوات النظام السوري، الذي كان أنكر أية معلومات عنهم، وبذلك أصبحوا في عداد المختفين قسرياً، وعرض التقرير صوراً عن بيانات وفاة زود بها السجل المدني أهالي المختفين قسرياً. وقد أظهرت بيانات وفاة حصل التقرير على نسخٍ منها تسجيل تاريخ الوفاة لــ 21 حالة من المختفين بالتاريخ ذاته؛ مما جعل التقرير يعتقد بصدور أحكام بالإعدام ضدَّهم من قبل محكمة الميدان العسكرية.

وقدَّم التقرير نتائج عمليات مقاطعة مركبة للـ 54 حالة مع بيانات 86792 مختفٍ قسرياً ومع 14449 شخصاً قتل بسبب التعذيب من قبل النظام السوري حسب قواعد بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وأظهرت عمليات المقاطعة أنَّ 36 شخصاً من أبناء دير العصافير ممن كشف النظام السوري عن مصيرهم مؤخراً مُسجلون سابقاً في قاعدة بيانات المختفين قسرياً لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان، و18 هي حالات جديدة لم تكن موثقة قبل ذلك. كما أن 5 أشخاص فقط كانوا مسجلين مُسبقاً لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان على أنَّهم قضوا بسبب التعذيب، وبالتالي فإنَّ 49 من حالات الوفيات الجديدة كانوا في عداد المختفين قسرياً.

وطبقاً للتقرير فإن نهاية آذار المنصرم 2022 شهدت عمليات استدعاء من قبل الأجهزة الأمنية في محافظة ريف دمشق لذوي المختفين، الذين تم في شباط وآذار استصدار بيانات وفاة لهم، وتم التحقيق معهم وتحذيرهم من الإعلان عن الوفاة، وتهديدهم بإعادة اعتقالهم في حال قاموا بذلك، وقد سجل التقرير بقاء عدد من ذوي المختفين، الذين تم استدعاؤهم أياماً قيدَ الاعتقال قبل الإفراج عنهم.

عمليات ترهيب

وفي سياق متصل قال التقرير إن هذه الممارسات الترهيبية تجسد واحدة من أبرز التحديات التي تواجه عمليات التوثيق، مشيرة إلى أن هذه التهديدات هي تكتيك متبع من قبل النظام السوري، يهدف إلى التضييق على ذوي الضحايا وملاحقتهم، لردعهم عن التبليغ عن الانتهاكات التي يتعرضون لها. وهذا حسب التقرير يثبت مجدداً حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات؛ لأنها تتم دون أي ارتكاز للقانون أو قضاء مستقل، وتقوم بها الأجهزة الأمنية بعيداً عن القضاء وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً.

وأكد التقرير أن النظام السوري ارتكب في هذه الحوادث دون أدنى شك عدداً كبيراً من الانتهاكات، على رأسها الإخفاء المتعمد لــ 85 % من المعتقلين لديه، وتعذيبهم بأبشع الأساليب السادية والقاسية ثم تركهم يتألمون حتى الموت، كذلك إذلال المجتمع وأهالي المعتقلين وإرهابهم عبر حرمانهم من أبسط معايير الحقوق والكرامة الإنسانية عن طريق عدم إبلاغهم بوفاة ابنهم، أو الامتناع عن تسليمهم جثته، وأخيراً تسجيله متوفى دون علمهم، وأضاف أن النظام السوري استخدم مقدرات وثروات ومؤسسات الدولة السورية كأسلحة حرب ضدَّ كل من يتجرأ على معارضته.

وطبقاً للتقرير فإن النظام السوري لم يفِ بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، على وجه التَّحديد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه. واستهدف باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لحكم العائلة.

وقال إن الكشف الذي حصلَ عن مصير مختفين قسرياً، قد تمَّ على نحو مخطَّط بشكل دقيق، وإنَّ تناغم عمل مؤسسات الدولة بما يخدم المشاركة في الفعل الإجرامي أمر واضح الدلالة من خلال اعتقال أشخاص داعمين للحراك الشعبي، ثم إخفائهم قسرياً، ثم إصدار شهادات وفاة لا تحمل معلومات عن سبب الوفاة ولا مكانها، كما يؤكِّد أنَّ هناك شرائح واسعة من الموظفين والقادة والعمال على علمٍ بما يقوم به النظام وعلى علمٍ بسبب الوفاة الحقيقي وبأفعال التَّعذيب الوحشي، والبعض على علمٍ بمكان الجثث والمقابر الجماعية؛ نظراً للكم الهائل من المختفين قسرياً ولأعداد من تم توثيق وفاتهم بسبب التَّعذيب وهم قرابة 14 ألف مواطن سوري.

مطالبات بمحاسبة النظام

وطالب التقرير مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بعقد اجتماع طارئ لمناقشة هذا الشأن الخطير الذي يُهدد مصير قرابة 86 ألف شخص، واللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية المعتقلين من الموت داخل مراكز الاحتجاز. وإيجاد آلية لإلزام النظام السوري بوقف عمليات التعذيب والإخفاء القسري، واتخاذ كل الإجراءات الممكنة لمنعه من التلاعب بالأحياء والأموات، لما في ذلك من تهديد كبير لأمن واستقرار الدولة السورية. كما أوصى أن يتَّخذ مجلس الأمن خطوات لإيقاف عمليات التعذيب والموت بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين في أسرع وقت. وطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة أخذ زمام المبادرة في الحالة السورية واللجوء لتطبيق مبدأ اتحاد من أجل السلام، وذلك نظراً للشلل التام في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي الصيني.