تغيّر في الخطاب الأردني حول النظام السوري؟

رأي القدس

خلال لقاء مع برنامج «باتل غراوندز» العسكري التابع لمعهد هوفر في جامعة ستانفورد الأمريكية قال ملك الأردن إن ملء إيران ووكلائها الفراغ الذي تخلفه روسيا في سوريا قد يؤدي إلى مشاكل على طول الحدود الأردنية، وأن بلاده تشهد هجمات حدودية بشكل منتظم وأنها «تعرف من يقف وراء ذلك».

تزامنا مع ذلك اتهم مدير أمن الحدود في الجيش الأردني، العميد أحمد خليفات، النظامين السوري والإيراني، بدعم عمليات عصابات تهريب المخدرات، قائلا إن الأجهزة الأمنية وقوات من جيش النظام السوري تقوم بدعم تلك «العصابات المنظمة» وبأن ميليشيات محسوبة على إيران وكذلك «حزب الله» تشارك في أعمال التهريب تلك.

ما لبث الجيش الأردني أن أعلن، أمس الأحد، أنه قتل أربعة مهربين وأصاب آخرين لدى محاولتهم اجتياز الحدود إلى المملكة وبحوزتهم كميات كبيرة من المخدرات، وأن عملية التهريب تلك كانت «بإسناد من مجموعات مسلحة» مشيرا إلى مصادرة كميات ضخمة من مخدرات الكبتاغون وترامادول والحشيش.

تشكل العملية الأخيرة استكمالا لكثير من العمليات التي سبقتها والتي كان أكبرها تصدّي الجيش الأردني، في 27 كانون ثاني/يناير الماضي لعدة محاولات تهريب وقتل 27 مهربا، والتي سبقها هجوم من المهربين، الذين ساندتهم «مجموعات مسلحة» على الجيش الأردني في 17 كانون ثاني/يناير أدى لمقتل ضابط وإصابة ثلاثة جنود من حرس الحدود.

وضعت تصريحات الملك عبد الله ما يحصل بين عمّان ودمشق في إطار سياسيّ جديد يمكن اعتباره انقلابا جرى بين زيارتين إلى العاصمة الأمريكية، فقد عاد العاهل الأردني بعد الزيارة التي جرت في تموز/يوليو 2021 حاملا «خارطة طريق للحل السوري» وبدأ عملية تطبيع مع نظام الأسد ورؤية لـ«دور محوري تلعبه روسيا» فيما تغيّر الموقف بعد زيارته الأخيرة التي جرت في 13 أيار/ مايو 2022، وبدأ الحديث عن الدور الإيراني، فيما تكفّل الضابط الأردني الكبير الآنف الذكر بكشف العلاقة (التي يعرفها الجميع طبعا) بين المهربين والنظام السوري.

أظهر تنامي عمليات التهريب والاعتداء على الجيش الأردني بعد مبادرة التطبيع المذكورة أن النظام في دمشق، الذي أصبح يدير أحد أكبر مراكز تصنيع وتهريب المخدرات في العالم، مهتمّ باستخدام الجغرافيا الأردنية لتمرير المخدرات أكثر من اهتمامه بدخول مئات أو آلاف الأردنيين الراغبين في التسوق أو التجارة، وأن قادة النظام والميليشيات الواسعة النفوذ يرون في مبادرات التطبيع مع النظام بوادر ضعف في القيادة الأردنية أو استسلاما من المنظومة الدولية لواقع الحال المفروض في سوريا.

دفعت عمليات الهجوم وتهريب المخدرات إلى تصليب الموقف الأردني، الذي بدأ يخوض حربا مع المهربين عبر الشريط الحدودي الطويل بين البلدين، وقد قام الملك الأردني بزيارة المواقع العسكرية الحدودية مرتين في شهر واحد للمشاركة في مناورات «ضربة الصقور» والتهديد «بالضرب بيد من حديد».

أدت حرب الحدود، عمليا، إلى سقوط مبادرات التطبيع مع النظام، غير أن الانسحابات الروسية من سوريا بسبب الحرب في أوكرانيا أضافت قلقا أردنيا جديدا من تمدد إيران وميليشياتها إلى الجنوب السوري، وهو ما ينذر بتغيّر طبيعة الاشتباكات من كونها منعا لعمليات التهريب إلى التحوّط من اشتباكات ذات طبيعة سياسية ـ أمنية معقدة.

في كل الأحوال، يظهر تطوّر الأحداث الراهن عدم قدرة السلطات الأردنية والعربية والعالمية على فهم طبيعة النظام السوري، وخصوصا بعد تحوّله إلى نظام تابع لروسيا وإيران، وتحوّل قواته إلى ميليشيات يقوم نفوذها على أشكال من عصابات الجريمة المنظمة وتصنيع وتجارة المخدرات، إضافة إلى أعمالها الأخرى التي تمرست فيها عبر تحويل خطف البشر وقتلهم ومصادرة أملاكهم والتعامل معهم كرهائن إلى «الاقتصاد السياسي» الذي يدير الدولة.