التعزية بالمتوفين بين أبعادها : الاجتماعية والشرعية والسياسية

زهير سالم*

وهكذا تصبح التعزية بالأموات في الزمن البئيس قضية. قضية يبدئ ويعيد الناس فيها على اختلاف مشاربهم.

والأصل في التعزية بالميت أنها سلوك اجتماعي رهيف، أن يظهر الإنسان مشاركته لإنسان مصاب ممن حوله في حزنه وأساه، وأسفه لما حل به من مصيبة وفقد عزيز، أو إصابة في نفس أو في مال..

في الشريعة الإسلامية اعتبرت التعزية بابا من أبواب البر العام، أو حقا من الحقوق العامة، يتبادلها الناس، في دوائر محددة من أولي الأرحام، أو من أهل الديرة أو الجيرة..

يقول المؤصلون: التعزية في الميت للحي، وليست للميت. يعنون انها جسر من جسور الصلة مع الأحياء.

والتعزية بالميت كما تشييع الجنازة والصلاة عليها، سنة كفائية بمعنى أنها لا تجب على أحد بعينه. ويمكن لمن كانت له وجهة نظر فيها أن يمتنع عنها بلا تثريب شرعي. والتثريب الاجتماعي لا أحد يملكه، لا منعا ولا إيجابا..

ولقد دخل موضوع التعزية الاجتماعية باب اللجاجة، حتى وصل إلى مستوى اللدد..

وتشأ ذلك من كون المسلمين سنوا في تعازيهم البينية الدعاء للمتوفَى بالرحمة والمغفرة.

ولما ورد في القرآن الكريم النهي الصريح عن الاستغفار لغير المسلمين ولو كانوا آباء أو إخوانا.. فإن تساهل بعض الناس في تجاوز هذا النهي القرآني أثار حفيظة قوم آخرين، وما تزال المسألة عالقة بين متشدد ومتساهل وما يزال الناس مختلفين..

لا التعزية الاجتماعية، ولا التعزية الشرعية موضوعي في هذا المقام..

وإنما موضوعي التعزية السياسية..

والتعزية السياسية في حقيقتها إعلان موقف سياسي، يجب على كل من يقدم عليها أن يحسب تبعاتها وتداعياتها ولا سيما إذا كان صاحبها ذا مكانة في هيئة أو جماعة يؤخذ بجريرة قوله قوم آخرين.

ولقد سامنا رهقا منذ نصف قرن أقوام يرسلون الكلام رخوا، ويظنون انهم أخّاذون بالعزائم، وقد كشفت لنا الأيام، أنهم أقلُّ الناس إتاء إذا ركب الناس أو إذا شدوا…

في كتابه إحياء علوم الدين باب الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقرر الإمام حجة الإسلام: أنه لا يحق لرجل أن يأخذ بعزيمة، إذا كانت ردة فعل الظالم الذي يحتسب عليه، ستطال غيره من الأبرياء الذين يؤثرون الرخصة، ويستريحون إليها.

إن شر الناس من يقول الكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا، فتسفك بسببها دماء أو تنتهك أعراض، أو يشرّد آمنون…

كفوا عنا جشاءكم أيها المتجشؤون..

فقد عرفناكم فوقا.. وعرفانكم تحتا.. ولا نريد أن نزيد...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية