ألم تصادف ملكة بريطانيا العظمى هدهدا كهدد ملكة سبأ وقد عمّرت طويلا

محمد شركي

ألم تصادف ملكة بريطانيا العظمى هدهدا كهدد ملكة سبأ وقد عمّرت طويلا ، وطالت مدة حكمها في مملكة لم تكن الشمس تغيب عنها ؟؟؟

من المعلوم أن البشر على اختلاف معتقداتهم ،وثقافاتهم ،وأعرافهم ،وعاداتهم ،يذكرون أمواتهم حين يغادرون هذه الحياة الدنيا إلى الآخرة ذكر ثناء أو ذكر ذم حسب نوع العلاقات التي تربطهم بمن يذكرونهم ، وحسب ما كان لهم في حياتهم من مكرمات أو مثالب . وديننا الإسلامي الحنيف يدعو إلى ذكر موتانا بخير ،كما يدعو أيضا إلى ذكر غير موتانا بخير إن كان لهم فضل على الإسلام والمسلمين كما هو الشأن بالنسبة للنجاشي ملك الحبشة ، ولا شك أن كل من كان شأنه مع الإسلام شأن النجاشي إلى قيام الساعة، يلزم المسلمين ذكره بخير بعد موته اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولست أدري لماذا خطر ببالي وأنا أخوض حديثا مع أحد الفضلاء بخصوص رحيل ملكة التاج البريطاني إليزابيت الثانية عن هذه الدنيا أن أستحضر ملكة سبأ التي ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل خصوصا وأنهما معا قد أوتيتا من كل شيء ،ولهما عرش عظيم ،وقومهما أولو بأس شديد . ولقد خطر ببالي السؤال الآتي الذي عنونت به هذا المقال : ألم تصادف ملكة بريطانيا العظمى هدهدا كهدد ملكة سبأ وقد عمّرت طويلا ،وطالت مدة حكمها في مملكة لم تكن الشمس تغيب عنها ؟؟؟

وبطبيعة الحال لم أقصد تحديدا هدهد نبي الله سليمان عليه السلام ، وإنما قصدت هدهدا من الهداهد الآدمية خصوصا وأن المملكة التي لم تكن الشمس تغيب عنها هداهدها من بني آدم كثر لا يحصيهم عد وقد كانوا ممن احتلت أرضهم وديارهم ، ولكنهم كانوا دون هدهد سليمان حكمة، وفضولا، وجرأة ، وقد عرض نفسه لغضب ملكه النبي الكريم حين طار لمسافة طويلة بعيدا عن مملكته ، ونقل إليه نبأ ملكة سبأ ، وكان ما كان بينها وبينه مما قصه علينا الذكر الحكيم للعبرة فهل من معتبر ؟

وما دعاني إلى تحرير هذا المقال هو أنني وأنا أتجول عبر المواقع على الشبكة العنكبوتية استرعى انتباهي ما نشرته بعض الصحف العبرية التي استغربت عدم زيارة الملكة الراحلة لأرض فلسطين المحتلة مع أنها زارت أكثر من مائة وعشرين دولة خلال مدة حكمها لبريطانيا التي دامت سبعة عقود ، ومع أنها هي رئيسة الكنيسة الأنجليكانية ،ولها رعايا مسيحيين في أرض فلسطين حيث المقدسات المسيحية التي تغري بزيارتها . ولقد ذكرت تلك الصحف أن عدم زيارة الملكة الراحلة ربما يكون وراءه محاباة الكيانات العربية حرصا على مصالح بريطانيا الاقتصادية تحديدا ، وذكرت أنها استقبلت العديد من القادة الصهاينة ، ووشحت صدورهم بأوسمة ، وأنعمت عليهم بألقاب مما ينعم به التاج البريطاني على من ينزلون عليه ضيوف شرف .

والسؤال الذي أردت طرحه تحديدا من خلال عنوان هذا المقال هو: ألم تسمع ملكة بريطانيا أوتعلم بنبي الإسلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدعوته ، وبرسالته الخاتمة للعالمين كما سمعت ملكة سبأ وعلمت بني الله سليمان عليه السلام وبدعوته ؟ لا شك أن الجواب عن هذا السؤال هو أنها لا يمكن ألا تعلم بذلك، وهي التي احتلت الكثير من بلاد الإسلام ، وقد سبق فيها الاستشراق الاحتلال وهو أعلم بشأن الإسلام ، الشيء الذي يعني أن الملكة كانت تعرف كل شيء عن دين الإسلام ،ولكنها لم تحذ حذو ملكة سبأ في الاعتراف بما كان منها من ظلم لنفسها هي وقومها حين كانت تسجد للشمس من دون الله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ،ويعلم ما يخفون وما يعلنون .

إن ملكة بريطانيا الراحلة أساءت إلى المسلمين في كل الأقطار التي احتلتها ، ونهبت خيراتها لتصنع رفاهية شعبها على حسابهم ، وأزهقتم ما لا يعلمه إلا الله تعالى من أرواحهم حين كانت تحكمهم بالنار والحديد .

وإذا كانت الصحف الصهيونية قد ساءها أن ملكة بريطانيا لم تزر أرض فلسطين، فإنها قد أهدتها للصهاينة على طبق من ذهب حين رحلت عنها بعد احتلالها ، وكفى بهذا إساءة لا ترقى إليها إساءة إلى الشعب الفلسطيني مسلموه ومسيحيوه ، فضلا عن تقويض الامبراطورية العثمانية الإسلامية ، وتغيير جغرافية الأقطار العربية التي كانت تابعة لها .

ولاشك أن ما عانت منه الشعوب العربية والإسلامية ، ولا زالت تعاني منه مرده التوسع البريطاني في أقطارها ، وسياسته الاستعمارية فيها ، وكل التداعيات المترتبة عن ذلك، ومنها الوضعية الحالية للعرب، وهي وضعية يرثى لها .

قد يقول قائل إن ملكة بريطانيا الراحلة قد سلكت مسلك ملك الحبشة النجاشي مع كل مسلم أو عربي اضطهد في بلاده ، وهاجر إليها ، وهو أمر يحسب لها وإن كان المضطهدون ـ بكسر الهاء ـ إنما تلقوا دروس اضطهاد المضطهدين ـ بفتح الهاء ـ من التاج البريطاني ، كما أنه يحسب عليها احتلالها لبلاد العروبة والإسلام ، ولكن أين حجم ما أساءت إذا ما قورن بحجم ما أحسنت ؟

وفي الأخير نقول إنها أفضت إلى ملك الملوك سبحانه وتعالى الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ،ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، وعنده توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .