عن مكانة المرأة العربية في الجاهلية

زهير سالم*

ليس من حق أننا نغمط مكانة المرأة العربية في الجاهلية، لنؤكد أن الإسلام أعطاها. الإسلام أعطى الرجل والمرأة ورفع قيمة الإنسان بلا شك..ووجود حالات من امتهان المرأة في الجاهلية لا يلغي ما يزيد عليها..

في مواقف كثيرة من التاريخ الاجتماعي لعرب الجاهلية، وأحب أن ندرس هذا، نجد مواقف لنساء جاهليات تدل على حال من الكرم والكرامة، وهذه أمثلة سريعة..

حكاية عمرو بن كلثوم مع عمرو بن هند حين حاولت أم الثاني أن تستخف بأم الأول. القصة مشهورة وعليها كانت معلقة...

أبا هند فلا تعجل علينا .. وانتظرنا نخبرك اليقينا

في مأثرة من مآثر العرب..

ثم

وهذه هند بنت عتبة، أم سيدنا معاوية رضي الله عنه وعنها، والمحرضة للمشركين يوم أحد، بفريق المشجعات:

إن تقبلوا نعانق.. ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق ..فراق غير وامق

والمحرضة على سيدنا حمزة... هذه هي تبايع رسول الله يوم فتح مكة، بيعة النساء، وحين يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله: ولا يزنين، تقبض يدها، وتتساءل: أو تزني الحرة ؟؟ أو تسرق الحرة؟؟ والرواية في السير بأساليب مختلفة..

ثم

وهذه أم أوفى!! زوجة الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى، وأم ولده كعب بن زهير صاحب قصيدة بانت سعاد، تقرر أن تفارق زوجها فراق طلاق مع علمها بمكانته، ويتمسك بها الشاعر، ويرجوها ولكنها تأبى، وتكون كلمتها فوق كلمته، بما نسميه في هذا العصر الخلع، ويقول غداة رحيلها لتلحق بأهلها وقومها:

لقد باليت مظعن أم أوفى .. ولكن أم أوفى لا تبالي..

ثم يجعل الوقوف على دمنتها، "بقايا بيتها،" مطلعا لمعلقته فيقول:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم .. بحومانة الدراج فالمتثلم

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها .. لما نسجتها من جنوب وشمأل

ثم يصف كيف ابتلع هودجها وادي الرس

بكرن بكورا واستحرن بسحرة.. فهن ووادي الرس كاليد للفم..

وقوله كاليد للفم من أجمل الصورـ الفلاشات، في تصوير حالة الغياب الخاطف، لصور الأحباب الذين نحبهم...

وهكذا تغيب ذكرياتنا كاليد للفم.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية