البيان السياسي ما هو .. ولماذا ؟؟

زهير سالم*

البيان السياسي تعبير مثبت ومعلن عن جملة الاعتقادات والآراء والأفكار والمواقف التي تؤمن بها وتدعو إليها جهة "سياسية" حكومة أو حزب أو جماعة أو تجمع أو حتى فرد...

البيانات السياسية الأساسية تعبر عن رؤية وموقف والتزام ووعد وموقف من القضايا الكبرى. وتبقى مرجعا ملزما - ولو أدبيا - للذين أعلنوها حتى يستدركوا عليها، أو يعلنوا تجاوزهم إياها...وكان المانفيستو الشيوعي مجرد بيان. أصدره الحزب الشيوعي قبل قيام الدولة بنحو سبعة عقود.

اهناك البيانات الأساسية أو المؤسسة، ثم البيانات السياسية من المستجدات والمتغيرات، تنطلق دائما من قوس رؤية البيانات الأساسية. وهي تعبر عن موقف واضح من مستجد أو متحول مهم في الحياة العامة للإطار الذي تتحرك الجهة المصدرة للبيان فيه.

وتقصد منه الجهة التي تصدره أن تقول للناس:

إنها ما تزال موجودة في محيطها، تتأثر وتؤثر، تسمع وترى، وتحدد موقفا، وترسم طريقا، وتتعهد بالالتزام به، وتوفير استحقاقاته.

وتقصد أي جهة "تجمع أو فرد" بإصدارها للبيان السياسي من الحدث الطارئ، أو المتغير الاستراتيجي، أن تقدم لجمهورها أو أصدقائها أو المتطلعين إلى دورها, رؤية مبشرة إرشادية تعينهم على فهم الموقف العام، وموقفها الخاص، ومسوغاته وذرائعه والموازنة بين مصالحه ومفاسده، ثم تدعوهم إلى طريقة لحسن التعامل معه.

كما تتوجه أي جهة تصدر بيانا بهذا البيان إلى جمهور من المحايدين لإقناعهم بوجهة نظرها، وجذبهم إلى صفها، فتكثر بذلك سوادها، وتشد عضدها بمن يتفهم وجهة نظرها فيذب عنها.

كما يهدف البيان السياسي الذي يعلق على أي متغير أو حدث هام، إيصال رسالة للمخالفين، بتوضيح موقف هؤلاء، وتفنيد كل الذرائع والحجج والادعاءات والاتهامات التي تُرمى بها الجهة مصدرة البيان، أو يُرمى بها في الحوض السياسي العام للمجتمع التي تنتمي إليه هذه المجموعة.

فلو ترك القول للناس على غاربه/ لادعى أقوام دماء آخرين وأموالهم وخاضوا في أعراضهم" كما يقول سيدنا عمر في رسالة القضاء. اولجدار الواطئ كل الناس تتدرب على القفز من فوقه.

في كل دولة أو مجتمع "وجود سياسي" مؤطر بعناوين يختلف عليها المنظرون، يشمل هذا الوجود أو الإطار بالدرجة الأولى السلطة المسيطرة على قرار المجتمع ، عن أي طريق كانت هذه السيطرة، كما يشمل كل القوى والتشكيلات والأحزاب العاملين في ميدان السياسة. وكلما كان هذا إطار هذا الوجود أوسع وأكثر مرونة وتنظيما وواقعية، كان العمل السياسي في ذلك المجتمع أكثر فائدة وجدوى. في مجتمع يكون عنوانه من حقك أن ترى وأن تقول ومن واجبك أن تسمع ، وأن تقبل كل ما يتمخض عنه قرار وطني مستوف شرعيته الدستورية. والقبول السياسي، لا يلغي حقك في المعارضة حتى تنقض بالطريقة نفسها ما تم إقراره. في مثل هذه المجتمعات لا يحتاج الناس إلى ثورات ولا إلى عصي ولا إلى براميل.

ونعود إلى البيانات السياسية التي يعتبر إصدراها تأكيدا لوجود. قال ديكارت أنا أفكر فأنا موجود. وفي الميدان السياسي أنا أعبر فأنا موجود. ولا يضر أن يكون تعبيري مجرد دلو بين الدلاء. كما يعتبر إصدارها تعبيرا عن رؤية وموقف، ومحاولة مشروعة لاستقطاب صديق، أو إقناع مخالف، أو تفنيد قول خصم أو عدو ..,

ويبنى البيان السياسي على قضية محورية يدور عليها، ولكن السياقات دائما تقتضي أن تعالج في إطاره جملة القضايا الهامشية المطروحة فكرية نظرية كانت أو استراتيجية أو تكتيكية عملية..

حين يكون هناك طاولة وطنية مستديرة لا يكون الصمت فضيلة ولا أدبا بل تضييع وتفريط وتمييع...

ولغة البيان السياسي، لغة "بيان" وليست لغة أسواق.

يقرؤون علينا في نشرات الأخبار ، في تقويم زيارة زائر سياسي ودبلوماسي "وكانت الزيارة ودية" أو وكانت الزيارة "جدية وصريحة" أو "صريحة وجادة" أو كانت الزيارة "مثمرة وبناءة" ولكل قول دلالة ومعنى

(وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية