آفة المحسوبية والزبونية وظلمها لذوي الكفاءات والمؤهلات

محمد شركي

المحسوبية أو المحاباة أو الواسطة ، أو الزبونية و الزبائنية مصطلحان لمفهومين بينهما صلة وعلاقة ، ذلك أن المحسوبية  تكون  بحصول الفرد غير الكفء أو غير المستحق على منصب أو وظيفة أو امتياز بسبب علاقة قرابة أو صداقة أو جوار مع من يحابيه بذلك المنصب أو ألوظيفة أو الامتياز غير المستحق  ، في حين أن الزبونية  أو الزبائنية هي تبادل المصالح بين طرفين تكون العلاقة بينهما هرمية بحيث يقدم من  يكون على رأس الهرم مقابلا لمن يكون دونه مرتبة مقابل خدمة يقدمها له هذا الأخير ، وقد يكون المتعاملون زبائنيا  إما أفرادا أو هيئات أو أحزابا أو ما شابه  ذلك .

والمحسوبية والزبونية آفتان أو آفة ذات وجهين تتسبب في انتشار واستفحال الفساد في المجتمعات إلى درجة قد  تصل حد انهيارها كليا بشيوع الفوضى العارمة فيها ، وهذه الآفة  نقض لما تنص عليه الشرائع السماوية من عدل، و ما تقضي به القوانين الوضعية ، وما تفرضه القيم والأخلاق .

ولم تخل المجتمعات البشرية منذ القديم من هذه الآفة الخطيرة ،  ولا زالت تلازمها إلى يوم الناس هذا ،وقد سجل  منها التاريخ، ولا زال يسجل الكثير منها ، ومن تداعياتها السلبية  أنها ظلم صارخ لذوي الكفاءات والمؤهلات الذين تصير مناصبهم ومهامهم ووظائفهم المستحقة  إلى من لا يستحقونها  محاباة أو استئجارا مقابل خدمات أو بيعا وشاء ، ولا مؤهلات لهم ولا كفاءات ، ويكون ذلك على حساب الوطن، وعلى حساب الصالح العام .

ولا يوجد قطاع من القطاعات العامة أو الخاصة يسلم من هذه الآفة  المدمرة حتى أنه يمكن القول بأن من يتتبع أخبارها لا يعدم من يحدثه كشاهد عيان عنها أو يكون قد حدثه عنها غيره ممن لا يطعن في شهادته بحكم صلته بالقطاع الذي ابتلي بهذه الآفة ،و قد يكون هو نفسه  ضحيتها أو يكون ذا معرفة بمن حل محله في منصب أو وظيفة أو نال امتيازا هو أولى به منه قد استحقه لكفاءته ومؤهلاته العلمية وخبراته العملية .

والذين يخوضون في الأحاديث عن هذه الآفة غالبا ما يستشهدون بنماذج من المحسوبية الصارخة التي تمكن ذوي قربى المسؤولين عن قطاعات عامة أو خاصة من تبوء مناصب ووظائف  وامتيازات لا يستحقونها ،وقد غصبت ممن هم أهل لها و أحق وأجدر بها .

ومما يشبه محسوبية  القرابة  محسوبية التحزّب حيث  تبوّء الأحزاب السياسية  مناضليها مناصب ووظائف حين يؤول  الحكم والقرار إليها ، فيكون منهم الوزير ورئيس الوزراء ، والمدير العام ... إلى غير ذلك مما تستبيحه المحسوبية من مناصب ومهام تدر الامتيازات المادية والمعنوية ،وكل ذلك غلول ، ومن يغلل يأتي بما غلّ يوم القيامة .

وقد يتسلّق مناضل الحزب الرتب في الوظائف والمناصب  من أدناها إلى أعلاها قبل أن يقوم قائم من مقامه أو قبل أن يرتد إليه طرفه لأن للمحسوبية عفاريت من الجن ، وممن لهم علم بالكتاب ، وبهذا يصير "سيفي " أو مسار هذا المتسلق عبارة عن سجل ضخم في وقت قياسي حتى أن من يقدمه في المحافل يتعب من سرد ما تبوأه من مناصب ومهام لا عير له فيها، ولا هو من نفيرها بل نالها محسوبية وزبونية  علانية و"على عينك يا تاجر" كما يقول المثل العربي الشعبي ، وهو مثل ينطبق على كل من يسطو على ما ليس له بحق وهو في مأمن من المتابعة، والمحاسبة ،والعقاب ، ومعلوم أنه لا  يمكن أن يصل إلى هذا الحد من الجرأة  على ما ليس له بحق إلا وهو مستيقن بأنه فوق المتابعة، والمحاسبة تحميه المحسوبية والزبونية .

ومن المثير للسخربة أن المستفيد مما لا يستحقه محسوبية وزبونية لا يخجل من التباهي  بالمستفاد منه غصبا كي يعطي انطباعا بأنه قد ناله استحقاقا، وكفاءة، وتأهيلا، واقتدارا .

وإذا كان كل ما يحصل عليه من مناصب ووظائف  على اختلافها  محسوبية وزبونية معرّة ، فإن أكبر وأشنع معرّة الحصول على المناصب العلمية  بهذه الطريقة المخزية بحيث يتقدم العالم الراسخ القدم في العلم إلى منصب يستحقه جدارة ، فيعطى  لغير مستحقه محسوبية أو زبونية  .

ولن أنهي حديثي عن آفة المحسوبية أو الزبونية  دون الإشارة إلى أخس أنواعها وهي مقايضة الأعراض بالمناصب والوظائف غير المستحقة، وهو أمر في غاية الشناعة ، وذل ما بعده ذل ، وهوان ما بعده هوان .

ومن المحسوبية والزبونية  المنتنة أيضا تلك التي  تكون الرشى وراءها حيث تشترى المناصب والوظائف بالمال الذي تلحق اللعنة من يعطيه، ومن يأخذه ، ومن يكون واسطة بينهما .

وأخيرا نقول إن آفة المحسوبية والزبونية مدمرة للمجتمعات بما يترتب عنها من ظلم صارخ لذوي الكفاءات والمؤهلات ، فمتى سيأتي زمان  تكون فيه القطيعة التامة مع هذه الآفة المخزية ؟