بعيدا عن الباصات الخضر .. دعوة إلى التفكير ... نعم، وماذا بعد ؟؟

زهير سالم*

معنى التدبر المطروح في السياقات القرآنية المتعددة هو النظر في أدبار الأمور. أي نتائجها ومخرجاتها وخواتيمها. "وإنما الأمور بخواتيمها" من قواعد الفقهاء.

وتابعت بالأمس الجمعة 6/ 1/ 2022 المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار -وزير الدفاع وليس وزير الخارجية،- وهو يؤكد : "بلادنا لن تقبل المزيد من اللاجئين، وعلى إخواننا السوريين أن لا يقبلوا الاستفزاز" وعنت الرسالة لي الكثير. وهي في مجملها رسالة : إنذار قد تنسخ كل التطمينات التي سمعها السوريون من مسؤول تركي من قبل...!! هي إنذار لجهة وتطمين لأخرى، ونفض لليد، وإعذار للمستقبل...

وكنت أمس الجمعة 13/ جمادى الآخرة/ 1444، والجمعة التي سبقتها مع كل نقاط التظاهر الحية على الأرض السورية، تدمع عيناي تارة، وأرفع يميني مرددا القسم مع كل الذين يفسمون تارة أخرى. لن نتنازل، لن نساوم ، الثورة ثورتنا، والقضية قضيتنا، والشهداء إخواننا، والأمس أمسنا، والغد غدنا، وسورية وطننا ويجب أن تبقى وطنا حرا كريما لأجيالنا ...

ولكن، ودائما بعد ولكن، يجد الجِد، ويتمحص قيلُ الحق، وتذهب السكرة وتأتي الفكرة، وحديثي ليس حديث مخذل ومثبط بل هو حديث منبه ومحفز وباعث ومؤمل : وماذا بعد...؟؟ ماذا بعدُ أيها الأخوة الثوار وقد ملأنا بالأمس الساحات: لا للأسد ولا للاستبداد ولا للفساد ...

ماذا بعدُ ...؟؟ بعد أن تكر علينا طائرات الروس، وبراميل الأسد، وميليشيات الولي الفقيه، وبعد أن تنال منا بالفراغي والارتجاجي والبراميل والسارين والكلور.. ماذا بعدَ كل ذلك، والصدمة أنه لن تكون في هذه المرة: باصات خضر!! وحديثي حديث منبه، وليس حديث من يتمنى على الله الأماني!!

أقول لن تكون هذه المرة باصات خضر، وانا أعلم أن كل الذين ركبوا في الباصات الخضر في المرات السابقة من حمص ومن حلب ومن القلمون ومن الغوطة كانوا رجالا!! كانوا أبطالا، لم يكن ينقصهم الإيمان ولا اليقين ولا الصدق ولا التصديق بجميل وعد الله، ولم تكن تنقصهم البطولة، ولا العزيمة ولا الرشد ولا التصميم، كما كل الذين ملؤوا الساحات بالأمس!!...

ولكن .. ولكن المشهد عشناه جميعا معا مرات مكرورة، وبكينا منه معا، تجرعنا كؤوسه المسمومة معا، فلماذا أبدئ وأعيد في وصف المر مما كان، وأنا في مقام الاستنهاض والحفز، ولستُ في مقام التثريب أو التيئيس؟؟

جميل كل ما جرى في الساحات بالأمس، جميلة كل الشعارات التي رفغت فيها؛ إذا كانت مقدمات لأمور حقيقية تجري بعد ، تنفي حاجتنا إلى كل ما كان اسمه الباصات الخضر، مقدماته ونتائجه، مدخلاته ومخرجاته ..

في الخطبة المنسوبة إلى طارق بن زياد فاتح الأندلس، رحمه الله من بطل، يوم قيل إنه أحرق السفن يقول: العدو من أمامكم والبحر من ورائكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر...

هذه المرة نحن السوريين لم نحرق المراكب، غيرنا الذي أحرقها، وغيرنا الذي حطمها، وغيرنا الذي ينصحنا كما تعود الأب المتخلي عن ابنته أن ينصحها أن تصبر على الزوج الذي يجلدها عند الصباح وينتهكها في الليل. يقول لنا بلغة الناصحين: قدركم فاحذرو أن تُستفزوا...

أيها الأخوة الأحرار الأبرار العقلاء المفكرون...

متغيرات كثيرة عصفت بمنطقتنا، أعاصير كثيرة التفت حول ثورتنا، ولكن بكل الصدق والواقعية والموضوعية والدقة أقول لكم: ليست كلها ضدنا. بل في المشهد من المتغيرات الإيجابية الكثير، وفي سلتنا الوطنية من الخيارات الاستراتيجية التي تقطع الطريق على مشروع الفساد والاستبداد، وتضعنا على سكة الانتصار أكثر... وهذا الذي ينبغي أن ننبه عليه، أو نتنبه إليه، وأن نبادر زمنا لم يبق منه إلا القليل...

أسأل الله أن يفتح العقول والقلوب إلى الحق والرشاد، البدار ..البدار .. العجل... العجل..

والطريق التي قدموها لنا منذ اثني عشر عاما ما كانت طريق انتصار ، اللهم اغفر لعبادك الذين ما زالوا منذ اثني عشر عاما يحذرون ويحذّرون...

هذا القطار على هذه السكة تنتهي دائما في محطة واحدة فاحذروا...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية