كانوا همجــاً (2)

عبد الودود يوسف

روايات إسلامية

كانوا همجاً (2)

قصة طويلة

عبد الودود يوسف

الرمّانة العجيبة؟!

الدكتور عمرون يرفع السماعة فترى مكتباً فيه شاب نحيف له نظارات يقول له: أخي حامد، أرجو أن تتصل بجميع أعضاء اللجنة العليا لمجلس إزالة المظالم ليكونوا معنا يسمعون كل كلمة، ويدونون ملاحظاتهم.. فقد أضطر إلى الاستفهام منهم عن بعض القضايا.. أو إجراء بعض الاتصالات المتعلقة بمشكلة الأخ سهيل.. أنا ذاهب الآن فوراً إلى إدارة الإعلام..

الدكتور عمرون يركب سيارته الجديدة ويهبط على سقف هيئة التلفاز.. ثم يسرع.. حتى يدخل قاعة الإذاعة.. فيجد هناك الشاب سهيلاً، يتبادلان السلام ثم يجلسان معاً ويظهران في الشاشة معاً متقابلين.

يتكلم الدكتور عمرون قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله.. أيها الأخوة (إن الشرك لظلم عظيم) إن ربنا ما أرسل إلينا شرعه إلا ليبعد عنا المظالم والتعاسات.. وكما حرّم الله الشرك.. كذلك حرّم كل ظلم.. وما أتعسنا إذا وقعت في ظل دولتنا الراشدة التي تسير على منهاج النبوة أية حادثة ظلم مهما صغرت.. أرجو أ يشرح لنا الأخ سهيل ما وقع له.. بدقة وصدق.. حتى نرى ما يجب أن نفعل.. تفضل يا أخي سهيل.. تفضل.

أطرق سهيل رأسه ثم رفعه وقال: إن من أفظع صفات عهود الديكتاتورية الهمجية الضالة هي وضع الناس في غير أماكنهم.. وتسليم المناصب إلى المحاسيب حتى يخدموا من عينوهم.. فما حاجتنا نحن إلى مثل هذا الأسلوب المدمر الذي يقتل كل خير في الأمة.. راح كل من ينظر إلى التلفاز يهمس: أعوذ بالله.. أعوذ بالله.. تابع سهيل: لقد تخرجت مهندساً زراعياً منذ سنتين، وعملت في مخابر إكثار الرمان سنتين متدرباً بناء على رغبتي الخاصة.. وقد استطعت أن أحصل على خبرة ممتازة في ميدان إكثار الرمان حجماً.. وكمية.. وسأعرض عليكم إن سمحتم نتائج أعمالي.. بعد هذه الجلسة.. لكنني فوجئت أن مدير إدارة الزراعة قد أمر أن أعين مديراً لبساتين الرمان وانتزعني من مخابري.. وعيّن بدلاً مني في مخابر الرمان مهندساً آخر.. ورغم أن لدي مخبراً في عملي الجديد يماثل المخبر الذي كنت أعمل فيه إلا أن أعمالي في الإشراف على بساتين الرمان لا تمكنني من متابعة أبحاثي.. أليس في هذه عمل ديكتاتوري؟! وفوق ذلك علمت أن من عينه مدير الزراعة في المخبر مكاني هو قريبه.. أسألكم الإنصاف.. قبل أن يحل بنا غضب الله سبحانه.. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ولى رجلاً على جماعة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".. فهل تريدون أن تشيع الخيانة في دولة الخلافة الراشدة التي جعلها الله سبحانه دولته ودولة دينه.. ونموذجاً لتطبيق إسلامه؟.. همس الناس جميعاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

راحت الهواتف ترن في غرفة الإذاعة وكل أصحابها كانوا يقولون: نطلب التحقيق.. نطلب التحقيق..

توجه الدكتور عمرون إلى آلة هاتف وضغط على مجموعة أزرار ثم رفع السماعة، فرأى الجميع رجلاً قوي البنية، كان يفكر بألم.. قال له الدكتور عمرون رئيس مجلس إزالة المظالم: السلام عليكم يا أخي.. قاطعه الآخر وهو يقول: أنا هو الدكتور سعدون مدير الزراعة. سمعت شكوى الأخ المهندس سهيل.. وسأجيبكم من هنا.. وإن شئتم كنت عندكم بعد خمس دقائق. أجابه الدكتور عمرون: لو تفضلت وأتيت.. فأجابه حسناً.. بعد خمس دقائق إن شاء الله سأكون عندكم..

توجه الدكتور عمرون إلى المهندس سهيل وقال له: إن استطعت أن تتكلم لنا عن مشروع إنماء الرمان.. تفضل.. ابتسم المهندس سهيل وقال: قرأت منذ طفولتي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرمان الذي يقول فيه: "لا تقوم الساعة حتى يأكل من الرمانة الرهط أو القبيلة، ويستظلون بقلفها". فقلت إن أقل القبائل يبلغ عدد أفرادها مائة إنسان.. فوقفت مع عشرين من إخواني.. ضمن دائرة.. فبلغ قطرها ثلاثة أمتار، فقلت إن الرمان الذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن يبلغ قطر كل واحدة منها ثلاثة أمتار.. فأحببت أن أجري بعض التجارب على نمو الرمان.. وقوانينه.. لعلي أكتشف سر النمو فأقوم بإنتاج الرمان الذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنعم الأمة كلها بهذه الفاكهة الرائعة، وبذلك الحجم الضخم..

دخل الدكتور سعدون قاعة الإذاعة، فرحب به الدكتور عمرون والمهندس سهيل.. كان يحمل معه حقيبة.. وراح الناس يحملقون به وبحقيبته.. همس الدكتور سعدون: يبدو أنني قد أصبحت متهماً.. فأسرع الدكتور عمرون وقال: لا.. لا.. يا أخي.. أنت تمارس عملك بموجب الأمانة الموكلة إليك.. ولم تعهد الدولة منك إلا كل إخلاص.. فمشاريع الزراعة التي أشرفت عليها هي التي خلصت أمة الأرض كلها من الجوع الذي كانت تعانيه الحضارات الهمجية الماضية المجرمة.. لكننا نريد أن نعلم منك حقيقة ما يشكو منه الأخ سهيل.. فأنت تعلم أن خلافتنا الراشدة، لا يمكن أن تقبل ظلماً على أرضها مهما كان صغيراً.. فهل تتفضل يا أخي بالحديث؟!.. ابتسم الدكتور سعدون وقال: إنني أرتجف يا أخي خوفاً من الظلم.. لأن الظلم ظلمات كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أريد أن أسأل المهندس سهيل عدة أسئلة.. ابتسم سهيل وقال: تفضل يا أخي أنا تحت أمرك.. قال: هل هناك طارئ طرأ على بساتين الرمان غير عادي؟ فأجاب المهندس سهيل: نعم.. نعم.. لقد أصيبت بعض أشجار الرمان بوباء عجيب، وكدنا نفقد الموسم كله لولا أن بعض الخطوات الحازمة التي اتخذتها مديرية الزراعة قد حالت دون استفحال الوباء.. وتمكنا من قطف الثمار كلها تقريباً.. ابتسم الدكتور عمرون، وابتسم الناس كلهم..

سأله الدكتور سعدون سؤالاً آخر: ماذا قلت لك عندما نقلتك إلى إدارة بساتين الرمان؟ أجاب سهيل قلت لي: لقد اكتشفت أن الجامعة قد كتبت لك أمام مادة المؤهلات الإدارية في قائمة علاماتك.. أنك ناجح إدارياً.. وتتمتع بإمكانية ضخمة لإدارة مجموعات هائلة من العمال بنجاح.. ويمكن الاعتماد عليك في الأزمات.. لذلك فإنني في أزمة، فأرجو أن تعيننا في إنقاذ موسم الرمان..

ابتسم الدكتور عمرون.. وابتسم الناس كلهم مرة أخرى..

التفت الدكتور سعدون إلى الناس وقال: فوجئت بوجود مرض عجيب في بساتين الرمان.. حين اتصل بي رئيس المراقبين وقال لي إنهم قد عثروا على شجرة رمان قد تحجرت ثمارها.. ووقف نموها.. فأسرعت فوجدت الشجرة عجيبة حقاً.. فاستنفرت كامل عمالنا.. ليقوموا بجولات يومية على كل شجرة رمان.. فنقلوا لي في اليوم التالي وجود إصابات في أشجار قريبة.. وبعد التحري تبين لنا أن عاملاً قد قطف رمانة مريضة.. ثم غسل يديه في مياه النهر، فانتقل الوباء إلى جميع الأشجار الموجودة على ضفاف النهر.. فعرفت أن هذا المرض يمكن أن ينتقل بالعدوى.. فأمرت بعض المهندسين أن يأتوا بعمال البلاد كلهم إلى دورات في مختلف المدن ليتحدثوا لهم عن الوباء الجديد.. خشيت أن ينتقل الوباء إلى الشجر كله.. ففكرت أن مرضاً مثل هذا يحتاج إلى إدارة حازمة جداً... وكان مدير البساتين قد توفي رحمه الله.. فرحت أستعرض جميع المهندسين الموجودين لدينا فوجدت أن معظمهم لا يتمتعون بكفاءات إدارية.. ثم ذكرت الأخ سهيلاً الذي لفتت علاماته انتباهي حين استلم عمله.. وبإمكانياته الإدارية العظيمة.. فقلت أعينه حتى ننقذ موسم الرمان.. وهذا كما ترون هو عمل صحيح فقد وضع في المكان المناسب تماماً.. كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم.. أما قضية إقصائه عن مديرية أبحاث الرمان فإنني لم أقصه.. لكنني انتدبته مؤقتاً إلى عمله وقد سجلت ذلك في قرار نقله إلى مديرية بساتين الرمان..

وهذا هو القرار: أخرج من محفظته قراراً.. فقرأ الدكتور عمرون فيه: ينقل الأخ المهندس سهيل من مديرية بساتين الرمان مؤقتاً ريثما ينتهي خطر الوباء الجديد..

تابع الدكتور سعدون: تبقى نقطة أخيرة.. إن الذي استلم العمل في مخابر الرمان هو قريبي فعلاً.. لكن أتدرون لماذا سلمته ذلك العمل؟.. إنه المهندس جهاد، واختصاصه في أثر بعض المواد على تكاثر الثمار ونموها.. قلت في نفسي.. ثم توقف وقال: أرجو من الدكتور سعدون أن يتصل بالمهندس جهاد لأسأله بعض الأسئلة، إن رأى ذلك مناسباً، ضغط الدكتور سعدون على مجموعة أزرار.. فظهر على الشاشة المهندس جهاد، قال: أنا هو جهاد.. أقول: لقد رأيت ما يجري الآن في التلفاز.. وأبين لكم أن الدكتور سعدون قد قال لي قبل نقلي إلى مخابر الرمان إنه يعتقد أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرمان يتعلق بأساليب إكثاره وإنماء حجمه.. وهذا يتعلق باختصاصي في أثر بعض المواد على نمو النباتات.. وقال لي: إن كنت ترى من المناسب أن تجري بعض التجارب في فترة غياب المهندس سهيل في مخبر الرمان فافعل.. وأنا أعمل هناك تطوعاً.. إذ أن لي مزرعة تكفيني رزقي والحمد لله.. لكن النتائج التي وصلنا إليها عجيبة فعلاً.. ونحن نكتم هذه النتائج مبتعدين عن الدعايات التي تتميز بها المجتمعات الجاهلية الهمجية.. حتى نصل إلى نتائج مؤكدة يمكن تعميمها.. سأل الدكتور عمرون: وما هي النتائج التي حصلتم عليها؟!.. أجاب الدكتور سعدون: لقد وصلنا إلى سر عملية مضاعفة النمو في شجرة الرمان.. جذعاً.. وأغصاناً.. وأوراقاً.. وثماراً..

ثم فتح الحقيبة التي أحضرها معه وأخرج كيساً من البلاستيك.. فرأى الناس فيه كتلة شفافة حمراء كالدم.. حجمها كحجم البيضة.. قال أتدرون ما هذه؟!.. صدر عن الدكتور عمرون صفير استغراب وهمس حبة رمان!! إن هذا عجيب حقاً!! ابتسم الدكتور سعدون وهمس: فعلاً إنها حبة رمان.. أتدرون كم حجم الرمانة التي استطاع المهندس جهاد أن ينتجها من شجر عتيق.. لقد استطاع إنتاج رمانتين في شجرة واحدة عتيقة بلغ قطر الرمانة منها متراً ونصف المتر.. وهذه حبة من حبات إحدى الرمانتين.. وقد احتفظنا بالرمانة الأخرى سليمة دون أن نكسرها ليطلع عليها الباحثون.. وإن شئتم أريتكم إياها.. همس عمرون: إن شئت ذلك.. ضغط الدكتور سعدون على عدة أزرار في الهاتف ثم رفع السماعة فظهر المهندس جهاد الذي قال: لِتَسِرْ عدسة التصوير معي.. راحت عدسة التصوير تتابع المهندس جهاداً وما زال يقترب من شجرة الرمان حتى رأى الجميع رمانة ضخمة على أرض البستان لا تزال معلقة بأغصانها.. لكن ثقلها أجبر الشجرة كلها على الانحناء وقام المهندس جهاد بربط أغصان الشجرة بأسلوب معين حتى يضمن ألا تنكسر.

دهش الناس كلهم.. بينما ابتسم المهندس جهاد وهمس: وعندنا تجارب جديدة الآن لإنتاج أشجار رمان ضخمة جداً تستطيع على نفس المبدأ أن تنمو كلها بالمؤثرات الكيمياوية كل ذلك لإنتاج ثمار الرمان التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

التفت الدكتور سعدون وقال: جزاك الله خيراً يا جهاد.. فعادت الشاشة إلى اجتماع الثلاثة..

تكلم الدكتور عمرون "رئيس مجلس إزالة المظالم" وقال: هل لدى المهندس سهيل ما يقوله؟.. أجاب المهندس سهيل: أعلن أنني قد تسرعت في اتهام أخي ورئيسي الدكتور سعدون.. وأحيي أخي المهندس جهاداً الذي نجح فيما فشلت فيه.. وأستغفر الله مما أسأت به للدكتور سعدون والمهندس جهد.. وأرجو أن يسامحاني..

التفت الدكتور عمرون إلى الدكتور سعدون والمهندس جهاد.. وأرجو أن يسامحاني..

التفت الدكتور عمرون إلى الدكتور سعدون وقال له: إن سامحت الأخ سهيلاً فهذا لك، وإن شئت أن يتخذ مجلس إدارة المظالم إجراءاته فعلنا.. لأنه قد ظلمك.. ويحق لك أن تطالب بحقك..

ابتسم الدكتور سعدون وهمس: أما أنا فلا يجوز لي أن لا أسامح أخي المهندس سهيلاً، لكنني أرجو أن يدخل فوراً دورة في أحد معاهد التربية ليحصل على خبرة في أدب العلاقات ما بين القادة والمعاونين.. حتى لا يقع في خطأ مماثل في المستقبل..

ابتسم الأخ سهيل وهمس: أنا شاكر لكم هذا الاقتراح.. وأرجو أن ينفذ الدكتور عمرون اقتراح أخي ورئيسي الدكتور سعدون.

رن جرس الهاتف فرفعه المذيع دامر وقال: مواطن يسأل: متى ستتم عمليات إنتاج الرمان بحجومه الكبيرة.. فأجاب الدكتور سعدون: أعتقد أن ذلك يحتاج إلى خمس سنين.. أو سبعٍ.. وقد تستمر إلى عشر سنين لأننا لن ندفع الرمان الجديد للبيع ولن نعممه إلا بعد أن ندرس آثاره من جميع النواحي على المزروعات والأشجار الأخرى.. وكميات المياه المتوفرة.. ونتائجه السلبية في الإنسان والحيوان.. وتكاليفه. وهذا يحتاج إلى فترة ما بين الخمس والعشر، سنوات..

هاتف يرن.. والمذيع دامر يرفع السماعة.. ويظهر مدير رعاية صحة الأطفال والأمهات فيقول: لقد بلغ الوقت التاسعة.. وأصبح من الضار الاستمرار في السهرة ليفيق الناس على صلاة الصبح.. وحفظاً على صحة الأطفال والأمهات.. نرجو أن تعرض الأمور الأخرى غداً.. فغداً يوم الجمعة.. يمكن أن تعرضوا فيه جميع ما عندكم..

مدير الإذاعة يظهر مقترباً.. يقول: نستودعكم الله أيها السادة ونخبركم أن برنامج الغد سيكون عرضاً لتسعة أفلام عن بعض جوانب الحضارات الهمجية الماضية وكلها هامة.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لم يبق إنسان في أنحاء الخلافة الراشدة إلا وأصيب بالدهشة مما كانت عليه حال البشرية في تلك الديكتاتوريات الهمجية المجرمة.. وكم حمدوا الله أن خلقهم في ظل الخلافة الراشدة التي تملأ الدنيا عدلاً وخيراً.. وراحوا ينتظرون بشوق شديد الأفلام الجديدة التي سنعرض عليهم بعضاً من جوانب تلك الحضارات الهمجية المحزنة.

          

لص...!!

لم تستطع أم كريم أن تنام تلك الليلة، وراحت تصلي لله شكراً مع زوجها وأولادها أن جعلهم مؤمنين مسلمين يعيشون في ظل الخلافة الراشدة.. ناموا أخيراً فرأت حلماً عجيباً.. رأت أنها تقف مع زوجها أمام القاضي.. وأن بيتهم يدخله أناس كثيرون ويخرجون منه.. ورأت أولادها يبكون.. ثم رأت نفسها في بيتها.. أحست بحركة خلفها فالتفتت فرأت رجلاً وجهه ينضح بالحقد.. يحمل في يده خنجراً.. والوقت ليلاً.. يقترب منها.. فأسرعت تريد أن تأتي بمسدسها.. لكنها رأت إلى جانبها مسدس الإنذار فوجهته إلى الرجل فأضاءت الدنيا.. واستيقظت هي.. قالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

ثم سمعت المؤذن ينادي لصلاة الصبح، فأيقظت زوجها وأولادها، فراحوا إلى المسجد  وبقيت هي مع طفلها وطفلتها توضأت ولبست ثياب صلاتها.. قالت في نفسها: لقد ذكرني هذا الحلم بمسدس الإنذار.. أسرعت إلى خزانتها.. فوجدت المسدس الحربي، مع مسدس الإنذار في مكان واحد. قالت في نفسها: لم أستعمل هذا المسدس منذ عشر سنين.. منذ استلمته..

سمعت الباب يغلق.. عجبت لذلك.. أمسكت مسدس الإنذار بيدها اليمنى والمسدس الحربي بيدها اليسرى، بكى طفلاها.. فلم تلتفت إليهما.. سمعت الباب يفتح من جديد.. فاقتربت من الممر الذي يوصل إلى الباب الخارجي.. فسمعت حركة خلفها.. التفتت فرأت رجلاً ملثماً يقترب منها وبيده خنجر. وجهت إليه مسدسها وقالت له: إياك أن تقترب سأقتلك.. لكنه لم يسمع لها.. فوجهت إليه مسدس الإنذار وضغطت على الزناد بعنف.. فجأة رأتْ نوراً يملأ الدنيا.. ويستمر للحظات، ثم يغيب ورأت وجه الرجل قد غطى بطلاء عجيب خرج من مسدس الإنذار.. صرخ.. ثم حاول أن يفر.. لكنه صار يصدم بالجدران لا يرى طريقه.. ثم خمدت حركته ووقع.. رأت باب البيت يكسر ويدخل عشرة من الشرطة معاً.. صاح أحدهم: لا تخافي.. لقد وصلتنا إشارة المسدس.. فأتيناك فوراً.. عجبت وقالت: لا أدري من أين أتى هذا الرجل!! قال شرطي: إنه لص.. لا شك.. منذ عشر سنين لم تحدث في دولة الخلافة الراشدة حادثة سرقة واحدة.. عاد أبو كريم من المسجد.. وعجب لما يجري في بيته.. فلما عرف ما جرى قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..

حضر القاضي ومعه هيئة تتبع الآثار فوراً قال: أبو كريم، يمكنك أن تنتقل فوراً إلى بيت بحجم بيتك.. فيه كل ما تحتاج أنت وعائلتك حتى تنتهي تحرياتنا.. فقد نحتاج إلى البقاء هنا يوماً كاملاً.. ويمكنك الإقامة في ذلك البيت إلى الوقت الذي تريد.. نرجوك وافق لنستطيع الاستفادة من هذه الحادثة الفريدة.. قد تحول هذا البيت إلى مدرسة ولفترة طويلة حتى يأتي خبراء الشرطة والأمن، والإنذار، والآثار من جميع أنحاء دولتنا الراشدة.. لأن حوادث السرقة قد انعدمت.. وهذه حادثة فريدة نريد أن نستفيد منها إلي آخر ما نستطيع..

همس أبو كريم: الرأي لكم يا سيدي.. وأنا سعيد بما تقول..

فوراً كتب القاضي "عماد الخير" أمراً بتسليمه بيتاً أفضل من بيته، مفروشاً بأثاث جديد يساوي فرشه. ودفع له ثمن جميع ما في البيت من مواد أخرى، فغادر بيته إلى البيت الجديد الذي وجده أفضل من بيته، وقريباً من بيته، بكى طفل من أطفاله يريد لعبه، فاشترى له لعباً مماثلة..

صور الخبراء بيت أبي كريم القديم قطعة قطعة.. ثم صوروا اللص ملقى على الأرض.. وأخذوا مسدس الإنذار من أم كريم..

ثم ابتدأ الخبراء يصورون الإيوان بآلات خاصة.. تكشف صور اللص.. عندما دخل البيت، ثم خرجوا من البيت، واستمروا يصورون حتى وصلوا إلى بيت طرقوا بابه.. فأمسك الشرطة فوراً صاحبه.. ثم لا زالوا يصورون حتى وصلوا إلى قبو دخلوه فوجدوا كيساً فيه أمتعة مختلفة.. صوره الشرطة.. وحمله بعضهم.. وعادوا مع الرجل إلى بيت أبي كريم..

وقف القاضي أمام اللص المغمى عليه.. وأشار إلى طبيب معه أن يتقدم.. فحقن الطبيب اللص.. فعاد اللص إلى وعيه. كان المصورون يصورون كل حركة من حركاته دون أن يدري.. فلما فتح عينيه ورأى القاضي والشرطة.. دهش.. وقال: من أتى بي إلى هنا؟! أنا مظلوم؟! فابتسم الجميع.. وقاده الشرطة إلى سيارتهم..

وبعد قليل كان اللصان والأمتعة وجميع الأدوات اللازمة.. ومسدس الإنذار.. في غرفة القاضي.

قال القاضي للصين: لماذا كنتما تحاولان السرقة.. أنكر اللصان.. فابتسم القاضي.. وعرض عليهما فيلماً يصورهما منذ خروجهما من بيتهما.. حتى لحظة القبض عليهما.. فانهارا.. واعترفا.. وهل القاضي بحاجة إلى اعترافهما؟!..

كان الناس في صباح الجمعة في دولة الخلافة الراشدة ينتظرون أن تعرض عليهم أفلام الحضارات الهمجية الماضية.. لكنهم فوجئوا بالقاضي يذيع عليهم بيانا: قال: لشدة أسفنا.. وقعت في بيت أبي كريم حادثة سرقة فريدة.. وستذيع وسائل الإعلام أخبار هذه الحادثة حتى إصدار الحكم.. ونظن أن ذلك لن يستمر أكثر من ساعة...

ضجت البلاد كلها بهذا الخبر الخطير... سرقة في ظل الخلافة الراشدة..؟!...

قال القاضي: سنعرض أولاً فيلماً عن اللصين منذ بدآ التفكير في السرقة.. حتى وقعا في أيدي "خدام الشعب" رجال الأمن. أما من أين حصلنا على هذا الفيلم الناطق فإن الإخوة المواطنين يعلمون أن الصور والحركات والأصوات تبقى معلقة في الفضاء... وقد قام الخبراء بتسجيل جميع حركات وصور وأصوات اللصين بالآلة الخاصة التي تكشف الصور الماضية، وسيبدأ الآن عرض الفيلم.. فنرجو أن يستمتع به المواطنون..

ظهر "عدروس" وهو كهل بغيض طويل الوجه يسير في شارع حتى وقف أمام بيت رن جرسه، فخرج إليه صاحب البيت "شروان" استقبله، ودخلا البيت معا.. قال "عدروس" بعد أن جلسا.. أشعر بضيق شديد.. أجابه "شروان" وأنا أيضا.. قال "عدروس": أشعر أن الدنيا كلها ضدي... وأتمنى أن أراها مدمرة.. أجابه "شروان": العجيب أن لي شعورك نفسه.. فماذا ترى أن نفعل؟!. أجابه: إننا لا نستطيع أن نحول الدنيا كلها التي دخلت في ظل الخلافة الراشدة إلى حالة خراب فورا.. لكن أرى أن نبدأ في عملية الهدم قدر طاقتنا.. كما فعل أجدادنا بالخلافة الراشدة الأولى.. راحوا يهدمونها بالإبرة.. حتى قضوا عليها. قال "شروان": لكن أدوات العلم الحديث قد لا تمكننا من فعل ذلك.. فالناس في ظل هذه الخلافة الراشدة الجديدة التي عمت الأرض كلهم واعون.. والدولة قوية جداً.. والناس يعيشون في ظل عدل لا نظير له... فكيف ترى..؟!.. أجاب "عدروس": هذا هو الذي يجعلني تعيسا.. لكن يجب أن نتحرك بذكاء حتى نهدم هذه الأمة القوية، فإذا قمنا بعمل مهما كان صغيرا.. فإننا سوف نعطي من هم من أمثالنا قدوة ليتصرفوا كما نتصرف... فيذهب عنهم اليأس.. ويعملون معنا لنصل ولو بعد مائة ألف عام على هدم هذه الخلافة التي  عمت الأرض.. فما رأيك؟!.. أجابه "شروان": أنا موافق بشرط أن ندرس ماذا نعمل..

حتى نحقق ما نريده.. قال "عدروس": إن الناس يعيشون في ظل أمن عظيم.. لذلك فإن الكثير منهم لم يعودوا يهتمون بحراسة ممتلكاتهم.. وإغلاق دورهم.. والحرص على أرزاقهم.. لا يتصورون أن أحدا ممكن أن يسرقهم.. فما رأيك أن نستفيد من هذا الواقع لنقوم بعمليات سرقة.. فإذا عمت السرقات نكون قد هدمنا أركان مجتمع الخلافة الراشدة كله؟!.. أجاب "شروان": هذا جميل.. لكن ألا تعتقد معي أن الدولة لديها من الوسائل ما يكفي لكشف أعمالنا؟!.. أجاب "عدروس": هذا صحيح.. لكن أرى أن لا نحاول أن نصطدم مع من نسرقهم.. حتى لا نعرف.. ونختار من الأوقات ما يناسب، نختار وقتا للسرقة عند خروج الناس إلى صلاة الفجر.. فالرجال يذهبون إلى المساجد.. والنساء يكن نائمات.. ولن نسرق أشياء هامة.. فليس المهم  أن نغنى، لكن المهم أن يصاب هذا المجتمع بالضعف.. فما رأيك؟!. ابتسم "عدروس" وأجاب: أنا موافق.. فتعال نفكر.. من نسرق؟!.. أنسرق حانوتاً.. أم بيتاً؟!..

أجاب "شروان": لا.. لا.. نسرق بيتاً بعيداً عن الأنظار.. قاطعه "عدروس": وليس فيه إلا رجل وامرأة..؟. "شروان": لو كان فيه أولاد صغار لكان خيراً لنا.. همس "عدروس": وفي أي وقت ننفذ السرقة؟!! أجاب "شروان": أرى أن يكون ذلك بعد صلاة الصبح بقليل.. لأن الشباب والشيوخ يذهبون إلى المسجد للصلاة ويتركون الأبواب غير مغلقة غالبا.. والنساء في البيوت يكن نائمات.. فإذا شعرن بنا ظنن أن أولادهن وأزواجهن قد عادوا فنستطيع أن نخدعهن.. والنساء كما تعلم من المستبعد أن يستعملن مسدسات الإنذار.. التي وزعتها الدولة على كل بيت..

ابتسما بمكر شديد.. واتفقا أن يبحثا في الحي التالي لحيهم عن بيت فيه المواصفات السابقة كلها فوجدا أن بيت أبي كريم هو أفضل البيوت لتنفيذ خطتهما..

لأنه بعيد عن الأنظار، ولأن الولد كريم غالبا ما يترك الباب غير مغلق عند صلاة الصبح.. وعرفا الوقت الذي يخرج فيه أبو كريم وابنه للصلاة.. ولاحظا أن البيت يبقى هادئا بعد ذهابهما.. وجرب "عدروس" فدخل دهليز البيت وخرج منه دون أن يراه أحد.. فاتفقا أن يلتقيا في اليوم التالي.. "عدروس" يخرج الأمتعة القريبة الموضوعة في الدهليز.. ويسرع بها إلى "شروان" ليخفيها في بيته.. ويلحقه بعد قليل "عدروس" مع بعض الأمتعة المسروقة الأخرى ويتلفانها فورا بعد وصولهما إلى منزل "شروان".

أحضر "عدروس" خنجراً.. استعداداً لما قد يحدث من مفاجآت.. واتفق مع "شروان" أن يقاتلا كل من يكشف أمرهما حتى يموتا..

عند آذان الصبح يطوفان حول بيت أبي كريم، فلما خرج مع ابنه الذي ترك الباب غير مغلق، تسلل "شروان" وجمع بعض الأمتعة بهدوء.. بينما كان "عدروس" يراقب الطريق.. خرج "شروان" وأسرع بالأمتعة المسروقة بينما دخل "عدروس" ليحمل أمتعة أخرى.. لكنه اصطدم بالباب فانصفق الباب وأحدث صوتاً.. وأصبح هو داخل الدار.. شعر بمن يمشي مقترباً.. فاختبأ خلف ستارة قريبة.. فمرت به أم كريم دون أن تراه.. رأى أنها تحمل مسدسين.. فخفق قلبه من الرعب، سل خنجره.. واقترب منها بهدوء يريد قتلها.. لكنها شعرت به.. فالتفتت إليه.. وصرخت به ليستسلم.. لكنه هجم عليها.. فأطلقت عليه مسدس الإنذار.. فخرج من المسدس رشاش على شكل دائرة قطرها متران.. وعم النور الدهليز.. ثم ذهب النور.. وبعدها وقع "عدروس" على الأرض فاقدا وعيه بتأثير المواد التي قذفها مسدس الإنذار وحدث بعد ذلك ما عرفناه.

وقف "عدروس وشروان" أمام القاضي، فسألهما: هل تعترفان بكل ما رأيتماه وسمعتماه.. فأطرقا وأجابا: هل نستطيع الإنكار..؟!..

سألهما القاضي: لماذا تحقدان على أمة الخلافة الراشدة وتريدان هدمها؟!.. فلم يجيبا..

رن جرس الهاتف في مكتب القاضي، فرفع السماعة فظهرت على شاشة الهاتف صورة رئيس مجلس إزالة المظالم، قال: سيد القاضي.. هل دفعهما إلى السرقة ومحاولة هدم الخلافة الراشدة ظلم وقع عليهما من أحد؟!.. أو شعرا بالذل في ظل هذه الخلافة الراشدة..؟! فلما سألهما القاضي لم يجيبا... فعاد رئيس مجلس إزالة المظالم وقال: أرى يا سيدي القاضي أن أجري تحقيقاً دقيقاً في أوضاعهما المادية والنفسية لمعرفة ما إذا كان قد نزل بهما ظلم من أي نوع دفعهما إلى الحقد على مجتمع الخلافة الراشدة ومحاولة تهديمه.. وإن لم يتكلما هما فأرجو أن تشكل لجنة فيها ممثل عن مجلس إزالة المظالم للتحقيق في هذا الأمر.. ربما يكونان خائفين، يجب أن لا ينزل بهما أي ظلم، ولا يصدر عليهما أي حكم إلا بعد إصدار اللجنة السابقة تقريرها الذي ستكتبه بعد التحقيق الدقيق..

أصدر القاضي قرارا بتشكيل لجنة من معاونيه، ورجل من مجلس إزالة المظالم، ورئيس المحلة التي يسكنها اللصان.. وطلب إليهما أن تقدم تقريرها بعد يومين على الأكثر...

غادر القاضي القاعة بعد أن أخذ "خدام الأمة" السارقين إلى السجن.

ظهر المذيع وقال: سنعرض عليكم الآن فيلما يصور بعض ما كانت تعانيه حضارات الهمج التي سبقت الخلافة الراشدة.. سوف نرى فيلما يصور حالة الأمن في ظل الحضارات الهمجية..

يبدأ الفيلم بطلقات رشاش، وانفجار قنبلة.. وركض خيول، ثم انفجار قنبلة ذرية...

          

الأمن..

يقول المذيع، الآن نبدأ بحضارات ما قبل التاريخ.. انتبهوا: يرى الناس إنساناً عارياً تقريباً.. يقترب وبيده خنجر من صوان من بيت جاره المبني من الطين والخشب.. فيتسلق الجدار.. ثم ينزل إلى باحة الدار، فيأخذ جرة من فخار مملوءة بالزيت، ويسرع خارجا بها من حيث أتى...

ونرى رجلا آخر يتسلق جداراً آخر.. وينزل إلى باحة دار فيجد جرة من فخار مملوءة بالحنطة، فيحملها، ويعود من حيث أتى، يدخل حامل جرة الزيت إلى بيته، فيجد جرة القمح مفقودة، ويدخل حامل جرة القمح إلى بيته فيجد جرة الزيت مفقودة.. ويقول كل واحد منهما.. واحدة بواحدة.. يخرج من سرق جرة الزيت إلى السوق ليبيع نصف زيته، ويشتري قمحا، ويخرج صاحب القمح إلى السوق ليبيع نصف قمحه، ويشتري زيتا.. فيتصادفان في السوق.. ويقول كل واحد منهما لصاحبه: هذه جرتي.. هذه جرتي.. وأنت لص.. وأخيرا يتفقان أن يعطي كل واحد منهما نصف ما في جرته لصاحبه.. ويعود كل منهما بنصف جرة قمح، ونصف جرة زيت..

يقول المذيع: والآن سنرى عصور الهمجية القبلية:

نرى عشرين فارسا ملثما.. يطيرون في الصحراء.. ومن بعيد نرى خياما.. لا يزالون يقتربون منها حتى يقتحموها فيقتلون الرجال، ويأسرون النساء والأطفال.. ويأخذون الأرزاق، ثم يشعلون النيران في الخيام.. وينطلقون غانمين وهم ينشدون أناشيد الفرحة ويلعبون بالسيوف. فجأة يظهر لهم من خلف تل اقتربوا منه مائة ملثم.. يقاتلونهم.. حتى يهزموهم.. فيفرون تاركين ما غنموه.. ينظر رئيسهم في الغنائم فيرى امرأة جميلة قد أخذها أحد أعوانه.. فيقول له: اتركها.. هذه لي.. لكن الرجل لا يتركها بل يسل سيفه وتبدأ مبارزة عنيفة بين الاثنين، ويتعصب لهذا فئة من زملائه، ولهذا فئة.. ولا يزالون يقتتلون ويقع القتلى من الطرفين حتى لا يبقى منهم إلا خمسة يقول أربعة منهم: نحن لا نريد القتال.. أما الخامس فيقول لهم: إن لم تطيعوني قتلتكم.. أنا زعيمكم.. فيصبح زعيمهم.. فيتقاسمون الأسلاب والغنائم، وفي الطريق يتفق الأربعة على قتله فيقتلونه، ويقوم أحدهم بتسميم الطعام للثلاثة الآخرين فيموتون وتبقى الغنائم كلها له وحده.. فيرفع سيفه ويقول: ها... ها.. ها.. أنا القوي.. أنا العظيم.. فتأتيه نبلة في وجهه فتقتله، ويظهر من خلف الجبل شاب يسرع فيقود الغنائم كلها.. حتى يصل إلى قبيلته.. ويقول: غنمت هذه الغنائم كلها بشجاعتي.. فيأتي زعيم القبيلة ويقول له: نصفها لي.. فيعطيه نصفها.. ويأتيه إخوته.. فيأخذ كل واحد منهم شيئا من الغنيمة، وينام الجميع مسرورين.. وعند الفجر يهاجم القبيلة غزاة.. يقتلون الرجال.. ويأخذون كل شيء غنيمة..

يقول المذيع: وهكذا.. سَرَقَةً يهاجمون لصوصاً.. والكل في النهاية لصوص..

ولننظر الآن إلى همجية الدول القديمة..

انتبهوا:...

          

الهمج يسرقون

يرى الناس شاباً يزحف على بطنه حتى يصل إلى قن دجاج.. فيسرق عشر بيضات ويعود زاحفاً.. وفي طريقه يجد كومة من القمح وقربها جرة.. فيملأ الجرة بالقمح ويسرع مبتعدا.. يقول: غنينا.. في الطريق يصادفه جندي.. فيقول له: هات بعض ما معك لمولانا الملك.. فيعطيه بيضتين وربع جرة القمح.. يصل إلى المدينة ويدخل السوق، يقف أمام تاجر يقول له: هل تشتري بيضاً وقمحاً.. فيقول له نعم.. ينظر إلى البيضات ويقول: إنها بيضات صغيرة.. كل اثنتين بواحدة.. فيوافق الشاب.. فيعطيه ثمن أربع بيضات.. ثم يقول له: إن قمحك رديء.. فيعطيه نصف ثمنه، وينقص في الميزان.. فلا يحصل السارق في النتيجة إلا على ربع ثمن القمح الذي سرقه..

فجأة يرى الناس ملكا ووزيرا.. يقول الملك: أريد مالاً.. إن جنودي سيثورون علي إن لم أعطهم رواتبهم.. فيركض الوزير ويصرخ: يا عمال الملك.. هيا إلى العمل.. نريد مالا لمولانا الملك.. يسرع الأتباع إلى الأسواق.. يصل واحد منهم إلى التاجر الذي اشترى البيضات والقمح بعد أن سرق معظم ما أخذه الفلاح.. فيأخذون البيضات كلها، والقمح كله..

نرى أتباع الملك يركضون على خيولهم في الأرياف.. يقفون أمام محاصيل الحبوب.. يأخذون نصفها.. ويكومونها كومة واحدة.. وفي الليل يأتي اللصوص فينهبون نصف هذه الأكوام.. يحمل أتباع الملك الباقي في عرباتهم.. وفي الطريق يسرقون هم نصف ما حملوه.. وعندما يصلون إلى مستودعات الوزير.. يأخذ الوزير نصف ما أتوا به.. ويعطي الباقي للملك.. فيوزع الملك نصفه على جنوده.. ويأخذ هو نصفه..

          

يقول المذيع: والآن سنرى الهمجية الاستعمارية.. كانت السرقات على مستوى اللصوص والعصابات والقبائل.. فأصبحت على مستوى الدول.. يعود الفيلم..

كسرى يصرخ: هرقل أخذ بعض مقاطعات مملكتي.. يجب أن أقتله.. يقود جيشه.. ويسرع فينهب كل قرية يمر بها وكل مدينة.

وهرقل يصرخ: كسرى أتى يهاجمني.. سأقتله وأذبح جنده.. هيا أيها الجيش.. يقود جيشه ويسرع به فينهب كل قرية يمر بها وكل مدينة..

وأخيرا يلتقيان في الصحراء.. فيتقاتلان.. ثم يرسلان الرسل كل منهما إلى الآخر.. ويتصالحان.. على أن يقتسما القرى والمدن بينهما بالتساوي.. ثم يتعانقان.. ويعود كل منهما إلى عاصمته، وفي طريقهما ينهبان القرى والمدن والمزارع.. ويقودان القطعان والرعاة..

يقول المذيع: وتحضرت الشعوب.. واخترعت الأسلحة النارية.. وصار في الدنيا دول كبرى.. ودول صغرى.. فتقاسمت الدول الكبرى الدول الصغرى.. وراحت تجتاحها بجيوشها... وهي تقول جئنا لنعمر دياركم.. أنتم متخلفون.. نحن مستعمرون جئنا لنعمر بلادكم.. يدخلون البلاد. فيقتلون الزعماء... ويسرقون الأموال والثروات.. ويوزعون الخمور على الشباب.. ويسمعونهم الأغاني القاتلة، ويرونهم الأفلام المهلكة.. ويطلبون إليهم  أن يقفز رجالهم على نسائهم دون أي ضابط.. ليضعفوا ولا يثوروا ضدهم..

قال المذيع: انظروا إلى الأمم:

رأوا المستعمرين يقظين.. والشعوب كلها تشرب الخمر لتنام.. وتركض خلف الشهوات لتموت.. وأولئك المستعمرون يقلبون الأرض ويخرجون الثروات.. ويزيدون من مصانعهم ومزارعهم.. وجامعاتهم ومخابرهم..

قال المذيع: وقد تطورت حروب الاستعمار الهمجية إلى حروب عمت العالم... انظروا: فرأوا الإمبراطور غليوم يرفع يده ويقول: ألمانيا تريد مستعمرات.. على حساب مستعمرات فرنسا وإنكلترا.. ورأوا إنكلترا وفرنسا تصرخان: لا نعطي غليوم شيئاً.. وكذلك روسيا وبلجيكا وهولندا.. فخرجت الدبابات، وانطلقت المدافع والطائرات.. وهلك الملايين.. في كل مكان.. واندحرت ألمانيا.. وتابع الفرنسيون والإنكليز والهولنديون والبلجيكيون والروس نهبهم للعالم..

برز هتلر وقال: سندفن العالم كله إن لم تشاركونا بالمستعمرات.. نحن أفضل منكم.. واشتعلت حرب رهيبة.. وألقيت القنابل الذرية على اليابان..

واقتسم الأوروبيون العالم من جديد ينهبون ثرواته.. ويدمرون شعوبه بالحشيش والخمر والنساء والجهل ونشر الأمراض..

وارتفعت عمائم في كل الأرض المستعمرة، وبدأت ثورات.. في كل مكان.. باسم الإسلام...

وراح الملايين في أنحاء الخلافة الراشدة يبتسمون...

قال المذيع: وهكذا أخذ الإسلام يعيد أمجاده.. إن تاريخ الأرض كلها هو تاريخ نهب الأموال وسفك الدماء من أجل الأموال والشهوات..

لكن الشعوب استيقظت، والبلاد تنورت.. فهل انتهت أعمال اللصوصية والنهب؟!!؟

          

الحدود والدول

يرن جرس الهاتف في قاعة الإذاعة، فيرفع المذيع السماعة فيظهر على الشاشة رئيس مجلس إزالة المظالم يقول: أخبرني القاضي أن اللجنة قد انتهت من التحقيق في أحوال اللصين، وسوف يأتي القاضي إلى مبنى التلفاز بعد ربع ساعة لإذاعة النتائج، وإصدار الحكم عليهما، نرجو لفت انتباه المواطنين في أنحاء الخلافة الراشدة كلها..

يقول المذيع: سنتابع عرض أفلام تاريخ النهب واللصوصية في ظل الحضارات الهمجية الماضية، أما الآن فسأعرض عليكم فيلما يستغرق ربع ساعة لنرى فيه عينة مضحكة من الحضارات الهمجية اسمها "الحدود والدول"..

يظهر شاب يحمل بيده صحيفة وهو يصرخ: ماما.. ماما.. لقد نجحت في البكالوريا.. أمه تستقبله بين ذراعيها.. ثم تقول له: أريدك طبيبا يا راجح.. يجيبها: لكن بلادنا ليس فيها كلية للطب.. تقول له: اذهب إلى أي بلد تريد.. وسأبيع من أجلك كل شيء أملكه حتى تعود إلي طبيباً. هيا ابدأ فورا بمعاملة الحصول على جواز السفر..

يرن جرس الهاتف ويظهر رجل يسأل: ما معنى جواز سفر؟!. يجيب المذيع.. ستعرف بعد قليل.. ويتابع العرض..

يذهب الطالب راجح إلى دائرة مملوءة بالناس.. يقول له: أريد طلب جواز سفر.. فيعرض عنه الموظف ويقول له: قف بالدور.. فيقف ثلاث ساعات.. حتى يصل إلى الموظف.. يقول له هات هويتك.. فيسرع الطالب إلى تفتيش جيوبه فلا يجد الهوية.. فيقول له: آسف .. لم أجد الهوية.. فيصرخ به: اذهب وعد إلي بها.. فيقول له: لكن لماذا الهوية وأنا أريد الآن طلب جواز سفر...؟!... فيقول له: هكذا التعليمات.. فيتردد الطالب.. فيصرخ به: هيا غب عن وجهي: فيذهب المسكين إلى بيته حزينا.. فيأخذ هويته ويعود مسرعا.. ويقف في الصف مرة أخرى.. حتى يأتي دوره، وعندها يقول الموظف: انتهت أوراق الطلبات.. عودوا غدا.. وفي هذه الأثناء يأتي رجل ويهمس للموظف فيناوله خمس طلبات جواز سفر.. فيعجب الطالب راجح ويقول للموظف: أرجوك أعطني طلبا.. فيصرخ به: أما قلت لك لا يوجد طلبات.. فيعود الطالب إلى بيته حزينا.. وفي اليوم التالي يذهب منذ الصباح الباكر إلى مكانه أمام الموظف. فيقال له: الموظف في إجازة.. لكنه يرى أناسا يحملون طلبات جواز سفر.. فيسألهم فيقولون له: ادفع ديناراً لذلك الموظف يعطك طلبا.. فذهب ودفع دينارا وأخذ طلبا..

وبقي أسبوعا كاملا يدور من غرفة إلى غرفة يملأ جداول الطلب الفارغة حتى وافقوا أخيراً على إعطائه جواز سفر فأخذه وعاد إلى بيته وكأنّ عمره قد زاد عشر سنين..

قال المذيع: أتعرفون لماذا ذلك (الجواز) إنه الوثيقة التي يسمح لصاحبها أن يجتاز الحدود...

رن جرس الهاتف وظهر مواطن سأل: حدود ماذا...؟!..

فأجابه: حدود الدول بعضها مع بعض.. تعالوا انظروا ماذا سيجري مع صاحبنا الطالب المسكين..

رأوا الطالب يودع أمه.. ويحمل حقيبتين كبيرتين ويصعد إلى سيارة عجيبة الشكل..

ابتسم الناس كلهم وقالوا: سيارة أثرية رائعة..

دفع الطالب للسائق أجراً.. فأوصله إلى "الكراج".. وفي الكراج ركب سيارة أخرى مع أربعة مسافرين.. وراحت السيارة تسير في طرق إسفلتية وعرة جدا.. وضيقة جداً.. رأى المتفرجون لافتة مكتوب عليها: الحدود، نزل الطالب وسلم لدوائر الحدود جواز سفره.. وبعد انتظار ساعة أعادوا إليه جواز السفر.. فعاد إلى السيارة مع زملائه وسارت السيارة إلى مكان قريب فيه مخفر مكتوب عليه: شرطة نزل الركاب.. وقام الشرطة بتفتيش المسافرين والسيارة...

صاح المتفرجون: ما هذه الهمجية.؟!...

وعاد الطالب والمسافرون إلى السيارة. وراحت السيارة تتحرك من جديد حتى وصلت بعد قليل إلى مبنى مكتوب عليه: "جمارك". نزل المسافرون.. وأخرجوا حقائبهم وراح موظفو الجمارك يفتشونها... وجدوا مع الطالب بعض الأطعمة والألبسة الجديدة.. قالوا له: هذه ممنوعة.. إما أن نصادرها.. أو تدفع عنها رسوما.. فقال لهم والغضب يكاد يسحقه: حسنا.. أدفع عنها رسوما.. فدفع أكثر من ثمنها رسوما.. فلما عاد إلى السيارة قال له السائق: لو دفعت ربع ما دفعته من رسوم رشوة لتركك وشأنك.. لكن الطالب لم يفهم.. قال له: هل انتهينا؟! فأجابه: أمامنا حتى نصل إلى البلد الذي ستدرس فيه سبع دول سنقف فيها كلها.. فهدئ من روعك.. وحافظ على أعصابك..

رن جرس الهاتف في غرفة المذيع فلما رفع السماعة ظهر مواطن قال: أرجوكم ما هذه الهمجية.. اشرحوا لنا ما هي الحدود.. ولماذا جواز السفر؟!

قال المذيع: كانت الدنيا مقسمة إلى مئات الدول، لكل دولة حدود مع جاراتها...

همس المتفرجون كلهم: عجيب.. تابع المذيع: وكل دولة تحارب الدولة الأخرى.. وتنفق ألوف الملايين على جيوشها وأسلحتها وأهلها يموتون من الجوع..

همس المتفرجون: ما هذه الهمجية والعقول السخيفة.. وحمدوا الله جميعا أن الدنيا دولة واحدة وأنهم لم يسمعوا بالحروب منذ عشرات السنين..

قال المذيع: كل دولة تقول: إنها أفضل من جارتها.. وتقول لها جارتها: لا.. نحن أفضل منكم.. وتبدأ الحروب والمجازر التي يذهب فيها آلاف الضحايا.. هذا بعض ما كان في الهمجية..

          

نتيجة التحقيق

فجأة رن جرس الهاتف وظهر القاضي ومدير إزالة المظالم على الشاشة.. ورجع المذيع: ليخلي المكان لهما..

كان القاضي غاضباً.. بينما كان رئيس مجلس إزالة المظالم مبتسماً.. قال: هل يسمح لي أخي القاضي بالحديث أولاً.. فقال له: تفضل.. زادت ابتسامة رئيس مجلس إزالة المظالم وقال: الحمد لله.. أبشِّرُ الأخوة المواطنين كلهم أن عدروس وشروان قد اعترفا أن أحداً لم يوقع عليهما ظلماً.. أو يمارس معهما إذلالاً.. كما قالت لجنة التحقيق..

رن جرس الهاتف وظهر مواطن يقول: نريد عرضاً كاملاً لأعمال لجنة التحقيق.. ابتسم القاضي وقال: هذا ما سترونه بعد قليل.. اقترب القاضي وقال: إنني أخشى أن يكون لجنة التحقيق قد ارتكبت خطأ حين وضعها للتقرير النهائي.. على كل حال.. سنجعل الأخوة المؤمنين وكل المواطنين هم الحكم..

والآن سنعرض فيلماً كاملاً لما جرى مع لجنة التحقيق:

رأى الناس لجنة التحقيق تتقدم على طريق كله حدائق بسيارة من السيارات الجديدة..

ثم نزل أعضاؤها الثلاثة أمام مبنى مكتوب عليه: "السجن العام" دخلوا فاستقبلهم رئيس السجن، قالوا له: جئنا لنحقق مع عدروس وشروان بشأن حالتهما النفسية والاجتماعية.. فهل هما جاهزان؟ أجابها رئيس السجن: واحد منهما في الحمام.. وآخر في الملعب.. سأستدعيهما فوراً.

وبعد دقيقتين حضر عدروس وهو يلبس ثياب الرياضة، قال له رئيس اللجنة "شاهمان": تفضل يا عدروس.. إننا جئنا لنحقق في الأمر التالي: هل وقع عليك ظلم طوال حياتك؟!.. راح عدروس يفكر ثم قال: لا أذكر ظلماً قد وقع عليّ.. والحقيقة أنني نادم جداً على ما ارتكبته، وإنني أعلن أمامكم أنني سأدخل في الإسلام؟!.. فرح أعضاء اللجنة.. وقال رئيسها شاهمان: حسناً.. هل هناك من حرضك على السرقة؟!.. أجاب عدروس: لا.. لا.. إنما تشاورت مع شروان.. والتقينا بأحقادنا.. وأؤكد أنني كنت مخطئاً مجرماً.. وأرجو أن تقتصوا مني حتى يغفر الله لي.. كنت أظن حين قال القاضي اذهبوا به إلى السجن أنهم سيأخذونني إلى غرفة مظلمة يلقونني بها.. وأنا المجرم الذي أستحق ذلك.. لكنني وجدت السجن جنات حقيقية، فيها كل ما أطلب ومجاناً.. وفيها المرشد.. وفيها الذين يشرفون على صحتي.. وفيها الرياضة والسباحة والمرح.. توقف عن كلامه حين حضر شروان، فأجلسه رئيس لجنة التحقيق على كرسي، وقال له: وأنت يا شروان؟ فابتسم شروان وقال: لو كان الناس يعلمون أن السجن هو هذا.. لارتكبوا المحرمات جميعاً ليدخلوه، فاصفرّ وجه رئيس اللجنة وقال: ويلك أما تخاف عقاب الله.. هل هذه الدنيا إلا سخافة أمام نعيم الآخرة.. إننا حين نجعل السجون هكذا فلكي لا نسلط على المجرمين أي ضغط.. وليتوبوا ويرجعوا إلى الحياة وهم أكثر خيراً.. وقد زالت عقدهم.. فقال شروان: عفواً يا سيدي.. ما أردت الإساءة لدولة الخلافة الراشدة، لكنني أحببت أن أمزح.. قاطعه رئيس اللجنة وسأله: قل الآن.. هل أصابك أحد بظلم حتى ارتكبت ما ارتكبت؟.. فنفى شروان ذلك بشكل قاطع..

سأله ممثل مجالس إزالة المظالم "فاخر" ما هو عملك؟ فأجابه: معاون طبيب.. فقال له: هل يصلك راتبك في وقته؟.. فأجاب: نعم.. ،مع كل الناس.. سأله: هل أنت متزوج؟ فأجاب: لا.. وذلك لأنني لا أريد الزواج.. عندها.. وقف جميع أعضاء لجنة التحقيق وقالوا: وأنا يا عدروس، هل أنت متزوج؟ لا.. لست متزوجاً.. وتهامس أعضاء اللجنة كلهم: قد يكون السبب هو هذا.. سأل "فاخر": وهل بيتك مريح؟ فأجاب: مريح جداً.. وأنت يا عدروس؟! فأجاب: وأنا كذلك.. قال رئيس اللجنة: هيا لنرى بيتهما، وبعد دقائق كانوا في بيت عدروس.. فوجدوا كل شيء على أحسنه.. بيت من ثلاث غرف.. له حديقة.. تفقدوا أنابيب الماء والغاز والحليب والزيت فوجدوها عاملة كلها.. رأوا البيت مجهزاً بكل أسباب الراحة.. إلا أنهم لاحظوا أن البيت كله فوضى.. وكذلك بيت شروان، سجل رئيس اللجنة ملاحظته حول فوضى بيتي شروان وعدروس.. وقال: هذا من نتائج عدم وجود الزوجة..

سأل الدكتور فاخر: هل طلبتما من الدولة أن تزوجكما فامتنعت؟! قال عدروس الحق هو العكس، فإن لديّ عشرين خطاباً من رئيس دائرتي، ورئيس دائرة شؤون العزاب، ورئيس اللجنة الاجتماعية للحي، ورئيس دائرة مقاومة المنكرات، ورئيس مجلس زيادة النسل، ورئيس دائرة الصحة النفسية، ورئيس مجلس رعاية الأسرة،. وكلها تطلب مني أن أعينها لاختيار زوجة مناسبة لي.. وقد أجبت على هذه الرسائل كلها معتذراً.. لأنني لا أرغب بالزواج.. وأضاف شروان: وقد وردت إليّ أنا أيضاً رسائل من تلك الجهات، ومن وزارة المال، وبيت مال الزكاة، تسألني إن كنت بحاجة إلى المال كي أتزوج.. وإن كان هناك عقبة مالية تحول بيني وبين الزواج، فأجبت بالنفي.

انتهت اللجنة من التحقيق، وسجلت كل شيء على أشرطة مصورة وناطقة، وودعت شروان وعدروس، وقد ألحا حين ودعتهما اللجنة أن ينزل القضاء بهما العقاب اللازم حتى يكفر الله عنهما وأعلنا عن رغبتهما في الدخول في الإسلام.

انتهى الفيلم.. واقترب القاضي وقال: لقد كشفت لنا هذه الحادثة أموراً هامة جداً.. منها خطورة الزواج بالنسبة للشباب.. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج".. وهذا أمر.. والخلافة الراشدة كان اجتهادها ألا تجبر المواطنين على الزواج.. وأنا أقترح على مجلس الشورى العام وإمارة المؤمنين أن يدرسوا أمر فرض الزواج على من يستطيع الزواج.. لأن لهذا علاقة بالمجتمع كله.. فقد يؤدي عدم وجود طفل وزوجة لدى الرجل إلى الانحراف..

دهش الناس كلهم حين اتصل أمير المؤمنين وقال: سأرفع مشروعاً خلال ست ساعات أرجو من مجلس الشورى أن يعطي رأيه في فرض الزواج وإن كنت أؤمن بصحة الاقتراح..

امتلأت نفوس الناس بالاعتزاز حين سمعوا ما سمعوا.. وهمسوا جميعاً: الحمد لله..

وأخيراً وقف القاضي وقال: أنا أرى أن أؤجل صدور الحكم حتى تدرس لجنة نفسية أثر العزوبة على السارقين.. فوراً رن جرس الهاتف فرفع القاضي السماعة فظهر عدروس وشروان وقالا: نرجو يا سيدي القاضي إصدار حكمك لأننا نخاف أن نموت قبل أن ينفذ فينا حكم السرقة فنؤاخذ على السرقة في الآخرة بدل الدنيا.. ونؤكد لك أننا قد ندمنا.. ونريد القصاص..

عندها وقف القاضي وقال: إن ما سرقه الجانيان التائبان لا يساوي ثمنه الحد الأدنى الذي يطبق عليه حد السرقة.. لذلك فإنني أحكم عليهما بالتعذير بأن يذاع اسمهما كسارقين تائبين في جميع أنحاء الأرض، ويعلق اسمهما في الشوارع كلها، ويحذر الآباء أبنائهم من شرهما.. ويسجنان لمدة شهرين، ويعرضان خلال الشهرين يومياً في التلفاز ليراهما الناس ويعرفوا أنهما سارقان.. لكنهما قد تابا.. والحمد لله رب العالمين..

ابتسم المذيع وقال: أرجو أن تقبلوا مني ألا أتابع عرض أساليب السرقة في ظل الدولة المستغلة.. وأن تسمحوا لي أن أريكم فيلماً عن أساليب التحقيق في الدول الهمجية.. وأعدكم أن أتابع عرض الفيلم الأول فوراً فما رأيكم؟!..

رنت أجراس هواتف قاعة الإذاعة وأعلن المواطنون الموافقة.. وبدأ عرض الفيلم..

وقال المذيع: أرجو أن تبعدوا أولادكم الصغار عن التلفاز حتى لا يصابوا بأمراض نفسية من رؤية الفيلم.. وأن لا تنسوا أن اليوم هو يوم الجمعة فمن أراد أن يستعد للصلاة فليسرع..

          

تحقيق همجيّ

قال المذيع: لقد رأيتم نموذجاً عما تقوم به لجان التحقيق في ظل الخلافة الراشدة.. فهل تستطيعون أن تتصوروا كيف كانت أعمال التحقيق تجري في ظل الهمجية الجاهلية؟!

رن جرس الهاتف ومواطن يقول: أظن أن المحققين كانوا أكثر؟!..

وقال ثان: وأخمن أنا أن المساجين كانوا أكثر..

إن التحقيق كان يجري سراً..

قال المذيع: حسناً.. حسناً، سترون التحقيق كيف يجري؟!.. تعالوا نتفرج..

رأى الناس شرطة يقودون ثلاثة من الرجال بشكل عجيب في قسوته.. فهم يلكمونهم ويركلونهم، ويسبون أجدادهم وآباءهم وأمهاتهم.. في الشارع وأمام الناس.. والثلاثة لا يعترضون.. كان الناس يتحاشون النظر إلى الشرطة ومن معهم لكن واحداً من الناس وقف يتفرج.. فهجم عليه الشرطة وقادوه معهم ودخل الجميع بناءً عتيقاً.. وأودع الأربعة في غرفة قذرة.. لا تتسع إلا لاثنين فقط.. فلما دخلوا هجم عليهم شرطة آخرون وراحوا يشتمونهم بألفاظ عجيبة في القذارة.. ويضربونهم ويلكمونهم.. واستمروا هكذا ثلاثة أيام دون أن يسأل عنهم أحد.. وأخيراً دخلت عليهم مجموعة من الشرطة وراحوا يضربونهم بشكل وحشي بعيدان الخيزران.. حتى لم يبق جزء من أجسام الثلاثة إلا واصطبغ بالزرقة..

كانوا يضربونهم ويصرخون بهم: ستعترفون بجريمتكم أيها المجرمون.. أليس كذلك؟!..

لكن أولئك الثلاثة كانوا يسألون: بماذا نعترف؟! فيزيدون ضربهم.. ويقولون لهم: تعترفون أنكم قد قتلتم رئيس الشرطة.. وحاولتم سرقة البنك.. وقررتم اغتيال الرئيس.. فيبكي هؤلاء الثلاثة بحرقة ويقولون: لم نفعل شيئاً من ذلك كله..

دخل عليهم رئيس الشرطة وقال لهم: إما أن تعترفوا أو نذبحكم، لكنهم كانوا مظلومين لم يفعلوا شيئاً.. عندها وكز رئيس الشرطة أحد أعوانه فجلد كل واحد منهم خمسمائة جلدة..

كان الرابع ينظر مشدوهاً والرعب يكاد يقتله، يتلقى الشتائم والضرب والجلد وهو صامت، وأخيراً وقع على الأرض دون حراك، وكزه شرطي فما تحرك.. راح يجلده ويقول له: تتظاهر بالموت يا خنزير.. لكن ذلك الرجل لم يتحرك.. أسرع الشرطي وقال لرئيسه: تعال انظر إلى هذا الكلب.. لقد مات، أسرع رئيس الشرطة ينظر، رآه ميتاً.. فأسرع وأمر بحمله إلى السيارة وهو يقول: إلى المشفى.. قولوا وجدناه في الشارع لا ندري من هو. فلما أدخلوه إلى المشفى.. استقبله الأطباء.. وقالوا إنه مات نتيجة التعذيب.. فآثار التعذيب بادية على جسده.. لكن الشرطة قالوا لهم: تموتون مثله إن لم تقولوا إنه مات ميتة طبيعية.. ودفن في الليل دون أن يصلّوا عليه.. وقالوا لأهله: والدكم هذا قبره، وجدناه في الشارع ميتاً، وهذا تقرير الأطباء.. لقد مات ميتة طبيعية.. حاولنا نحن رجال الشرطة إنعاشه وخدمته.. فلم نستطع.. سبقنا الموت إليه.. ألم تعطوننا "البقشيش" على خدماتنا.. فلما لم يعطوهم بقشيشاً لأنهم يعرفون ما جرى لوالدهم.. نهبوا ما تركه المسكين في بيته من رزق لأيتامه..

أما الثلاثة فتركوا في غرفة التحقيق شهرين.. فلما ضاق بهم المكان أرسلوا إلى مكان أوسع.. فلما دخلوه استقبلهم ثلاث مئة من أمثالهم.. ولما عرفوا أن هؤلاء المساكين لهم في السجن بضع سنين دون تحقيق.. جنّ أحدهم.. ومات الثاني فجأة.. وقتل الثالث نفسه: إنهم أبرياء.. أبرياء.. لكنهم ماتوا على ذمة التحقيق.،.

رنت جميع أجراس الهواتف في غرفة الإذاعة طالبة إيقاف العرض.. فأعصاب الناس لم تحتمل.. فأوقف المذيع العرض وقال: إنكم لم تستطيعوا احتمال رؤية المظالم.. فكيف حال الذين وقعوا فيها؟!..

بكت أنحاء الأرض كلها من ظلم الطغاة الملاعين في الحضارات السابقة الظالمة الهمجية.

قال المذيع: احمدوا الله أن هيأ لكم هذه الخلافة الراشدة التي تسير على منهاج النبوة.. واذكروا أولئك الذين قارعوا الظالمين الهمجيين حتى غلبوهم.. وأورثوكم هذا الخير كله..

نظر إلى ساعته وقال: كنت سأعرض عليكم بقية أخبار اللصوصية في ظل الدولة المستقلة لكنني أجد الوقت قد ضاق.. ولابد من الذهاب إلى صلاة الجمعة.. فإلى صلاة الجمعة.. في جامع أمير المؤمنين.. لنسمع إلى ما يقوله حفظه الله وأدام صلاحه وعدله..

النجدة.. النجدة..

صعد أمير المؤمنين المنبر.. كان وجهه مقطباً.. عجب المسلمون له.. واهتزت قلوبهم خوفاً عليه.. ما أروعه.. لا ينام حتى ينام الناس.. ولا يأكل إلا إذا شبع الناس.. فلماذا هو محزون؟!.. هل في العالم شيء؟.. همسوا جميعاً: اللهم قنا السيئات.. وآتنا الخير كله..

سمع الناس رنيناً خفيفاً.. فمد أمير المؤمنين يده إلى جيبه وأخرج آلة صغيرة مثل الساعة، وضعها على أذنه، رآه الناس يقف ويقول: أخبروني فوراً بكل ما يحدث.. سنوجه إليكم النجدات من كل الأرض..

وقف منفعلاً وقال: إلى جميع فرق الإنقاذ أوجه كلامي.. توجهوا جميعاً إلى بلاد البنغال.. نعم.. جميعاً.. بكل أجهزة الإنقاذ.. هناك فيضان مخيف.. وهناك قرية مهددة.. أخبروني بما يحدث.. وفقكم الله..

أذّن المؤذن.. وراح أمير المؤمنين يخطب..

أيها المؤمنون: إن مشكلة الفيضانات يجب أن تنتهي.. كنا قد وضعنا خطة علمية لابتلاع كل ما يحدث من فيضانات.. ببناء شبكة هائلة من أقنية التصريف التي تحول مياه الفيضانات إلى مناطق تحتاج للمياه.. لكن الشبكة لم تتم بعد.. أرى أن ننجزها فوراً.. إننا نحتاج إلى بناء سبعة آلاف كليومتر من الأقنية.. وقد تم إنجاز ثلاثة آلاف كيلو متر منها.. أخشى أن نفاجأ بفيضانات مدمرة هذا العام.. الرأي عندي أن تتوجه قوى البناء التي نملكها كلها بإنجاز هذه المشاريع خلال شهر واحد من الآن.. حتى لا يتعرض بيت في دولتنا الراشدة للضرر..

عاد الرنين الخفيف.. فأخرج أمير المؤمنين آلته من جيبه.. ووضعها على أذنه.. وقال: في المناطق الأخرى؟.. ليس فيها ضرر!! الحمد لله.. أخبروني بما يجري.

وضع الآلة في جيبه وصاح: أيها المؤمنون إن عشرين أسرة في قرية الدوين في البنغال محاصرة بمياه الفيضانات.. ارفعوا أيديكم واسألوا الله أن يحمي إخواننا وأن يعين فرق الإنقاذ.. قولوا معي: اللهم أنقذ كل من في قرية الدوين.. اللهم فرّج كربهم.. واحمهم بلطفك وكرمك.. كان الناس في الأرض كلها يقولون: آمين.. آمين.. هتف رجل في الجامع: يا أمير المؤمنين.. إن أعضاء مجلس الشورى هم معك الآن في هذا الجامع الكريم.. لو أبدوا رأيهم في اقتراحك لإنجاز مشروع قنوات التصريف في بلاد البنغال والهند.. صاح رجل مهيب: أنا أوافق على إيقاف جميع المشاريع العمرانية في الأرض كلها حتى إنجاز مشاريع أقنية التصريف هذه.. لأن درء المفاسد والأضرار عن الناس مقدم على جلب المنافع.. وقال آخر: أنا على رأي أخي.. وخلال دقائق أعلن مجلس  الشورى كله موافقته.. هتف أمير المؤمنين: هيا إلى الصلاة.. وأهيب بكل مؤمن أن يكون معنا.. أوجه كلامي إلى جميع المشرفين على بناء المشاريع.. استعدوا لتوجيه جميع آلات الحفر العادية والذرية إلى بلاد البنغال والهند.. أوجه ندائي إلى هيئة مشروع بناء أقنية التصريف.. حدّدوا خلال ساعة دور كل آلية. وورشة.. ومكان عملها.. وابدؤوا العمل دفعة واحدة.. وفي الأماكن كلها.. وعلى امتداد خطوط العمل في كل مكان يقع عليه المشروع.. سأكون معكم بعد صلاة الجمعة إن شاء الله..

ونزل مسرعاً.. وصلّى بالناس.. وخرج إلى سيارته فطار بها إلى مركز هيئة المشاريع..

همس المذيع بسرعة هائلة على التلفاز: سنقسم شاشة التلفاز إلى قسمين.. قسم ليتابع سير عمليات الإنقاذ في بلدة الدوين.. وقسم لمتابعة العمل مع أمير المؤمنين في تنفيذ مشروع القنوات.. أيها المؤمنون.. أيها الإخوة في كل الأرض.. إلى الجهاد.. المتخلف هو الخاسر.. لقد أعطى أمير المؤمنين أمره.. أصبح العمل فرضاً.. أصبح إنجاز المشروع فرضاً..

راحت المشاهد تتالى على شاشة التلفاز.. أمير المؤمنين في هيئة المشاريع.. يراقب عمل الخبراء.. وعمليات الإنقاذ تجري بشكل عجيب.. ألوف الطائرات راحت تحمل أدوات البناء والعمال.. والمهندسين.. ومواد البناء.. ومئات ألوف الناس يقاومون الفيضان.. ويوجهون سيره في آلاف الأقنية الفرعية التي فتحوها فوراً حتى لا تصاب القرى بالضرر..

تتالت الأنباء عن إنقاذ جميع القرى إلا قرية الدوين.. رأى الناس عشرين عائلة في ساحة القرية.. والمياه تهدر حولهم من كل جانب.. لقد حاصرتهم.. وهي تلامس الآن أرجلهم.. لا مكان لنزول الطائرات أو السيارات..

بكى الأطفال في قرية الدوين.. بينما كانت النساء متجهات يسبحن الله.. والرجال يحملون الأطفال على أكتافهم..

كان أمير المؤمنين يراقب عملية الإنقاذ ويكاد قلبه يتمزق.. ووجهه كله كتلة من الخوف واليقظة..

صاح: ابنو سداً فوراً.. راحت الطائرات وبإشراف المهندسين القديرين تنزل جدراناً مصنوعة جاهزة وتغرسها حول تل قرية الدوين الذي يقف عليه الناس.. حتى أحاط بهم سد بلغ ارتفاعه خمسة أمتار.. صار يحجز عنهم المياه..

صاح أمير المؤمنين: ابنوا فوق السد قاعدة عائمة.. فراحت الطائرات ترمي بالقوارب العائمة حول السد حتى تكونت ساحة عائمة كافية لهبوط الطائرات.. فهبطت ست طائرات.. وست سيارات.. وأسرع رجال الإنقاذ.. فقذفوا بأنفسهم من فوق جدران السد إلى المحاصرين.. حملوا الأطفال فوراً.. فزغرد النسوة كلهم في تل الدوين.. بينما كانت عيون الناس في الأرض كلها تراقب.. والقلوب تضرب بعنف.. كانت الطائرات والسيارات الطائرة تقلع بكل طفل يأتي.. وبدأ إنقاذ الرجال والنساء.. وأخيراً بقيت عائلة واحدة.. زوج وزوجة.. وحدث ما لم يكن متوقعاً.. انهار جدار من السد تحت ضغط الفيضان.. وتدفقت المياه بشكل مخيف فجرفت التل والرجل وامرأته.. صرخ أمير المؤمنين: اصعد فوق الجدار.. اصعد فوق السد.. وزأرت ثلاث طائرات فوق السد.. ووقفت في الهواء.. وألقت عشرات الحبال.. تناول الرجل حبلاً وأعطاه لزوجه.. فأمسكته وطارت الطائرة.. حتى أنزلها بهدوء فوق القاعدة العائمة..

أما الرجل.. فانهار من التعب.. وسقط في الماء.. وفي لمح البصر ألقى عشرة من السباحين أنفسهم فوق تل الدوين.. ورفعوه بأيديهم.. وكان بينهم طبيب.. حملوا الرجل.. وحملوا الطبيب الذي كان يعالجه وهو محمول حتى أفاق.. ربطوه بقارب خفيف عائم.. وربطوا القارب بحبال إحدى الطائرات.. وأمسكوا جميعاً بالحبال.. وارتفعت الطائرات إلى بر الأمان.. وبعد دقائق عادت إلى الرجل نفسه.. فأفاق.. وزغردت الأرض كلها لعينيه حين انفتحتا.. ولبسمته حين انفرجت بها أساريره..

قال أمير المؤمنين: الحمد لله.. ليس هناك خسائر بين المكرّمين.. والآن.. إلى البناء.. بناء البلاد والأقنية بكل الطاقات..

راحت أمواج الفيضان تتسرب عبر ألوف الأقنية المؤقتة التي حفرها الرجال.. فلما انتهى الخطر.. رأت الأرض كلها ملايين العمال والمهندسين يعملون في كل مناطق الفيضانات.. على كل مائة متر ورشة تنفذ ما أوكل إليها من عمل..

كانت الجبال تنهار والأقنية تبنى.. والسدود تُعمّر والجميع ينشدون:

إلهنا الله وربنا القادر..

فيا جبالي أوبي.. ويا سدود هذبي عدونا الفيضان.. عدونا الفيضان..

إلهنا الله.. وربنا القادر

يا رب مكنا من لجمه بعنان.. عدونا الفيضان..

نبينا يا ربنا     وصحبه يا ربنا

ومن بنوا شموخنا.. وأعلوا البنيان..

صلى عليهم ربنا.. على مدى الأزمان..

أطل المذيع وقال: إن الله مع كل المؤمنين.. مع كل مجاهد.. هذه أمة الله.. هذه دولة الإسلام.. ولا أحب أن أعكر عليكم روعة ما تشاهدون..

رن جرس الهاتف فرفع المذيع السماعة فرأى الناس رئيس مجلس الصحة النفسية يقول: أخي.. إنَّ عَرْضَ بعض ما كانت عليه الهمجيات الملعونة مفيد الآن.. ليعرف المؤمنون ما هم عليه من نعمة.. فهل لديكم فيلم يصور مشروع بناء سد وقنوات ري في ظل الهمجيات الماضية؟.. همس المذيع: نعم.. نعم.. لدينا لا شك.. أخاف أن لا يرغبوا بذلك حرصاً منهم على متابعة أعمال البناء..

رن الهاتف وقال مواطن: أرى أن تذكروا لنا أخبار البناء بين فترة وأخرى.. خلال عرض فيلم الهمجيات السابقة..

ووافق الناس.. وابتدأ العرض..

يتبع