هل تلوح في الأفق حرب اقتصادية سعودية على تركيا؟

محمد فاروق الإمام

بداية نحن لا نتمنى أن تكون هناك حرباً اقتصادية بين أي من الدول العربية أو الإسلامية؛ وتحت أي ظرف من الظروف، لأن النتائج ستكون كارثية على العرب والمسلمين، وإذا ما وقعت مثل تلك الحرب لا قدر الله؛ فإن عواصم البغي والشر "تل أبيب وطهران" ستكونان هما المستفيدتان الوحيدتان من وقوع مثل هذه الحرب المدمرة.

صحف عربية ناقشت المقاطعة السعودية لتركيا اقتصاديا

لقد ناقشت صحف عربية دعوة رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية، عجلان العجلان، لمقاطعة المنتجات التركية، وسط تقارير من تجار أفادت بأن الخلافات بين أنقرة والرياض تعطل تدفق البضائع بين القوتين الإقليميتين.

وتعاني تركيا والسعودية من خلاف منذ سنوات بشأن السياسة الخارجية، وزادت حدة التوتر بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2018.

وتقول صحيفة "رأي اليوم" اللندنية في افتتاحيتها إن "السلطات السعودية أعلنت حرباً اقتصادية ضد تركيا في تزامن مع مرور الذكرى الثانية لاغتيال الصحافي جمال خاشقجي، تمثلت في دعوة السيد عجلان العجلان، رئيس الغرف التجاريّة السعودية إلى المقاطعة الشاملة للبضائع والمنتجات التركية، وعلى كل المستويات، بدءاً من الاستيراد ومرورًا بالاستثمار وانتهاء بالسياحة".

وتضيف الصحيفة: "الحرب التجارية السعودية ضد تركيا وبضائعها لم تأخذ الطابع الرسمي لتجنب أي عقبات يمكن فرضها من قبل منظمة التجارة العالمية، ولهذا يعتقد أنه جرى الإيحاء للسيد العجلان الذي يترأس الغرف التجارية لمطالبة التجار أعضاء هذه الغرف بعدم استيراد البضائع التركية".

وتقول الصحيفة: إن "هذه الخطوة السعوديّة ستترك آثارا سلبية على الاقتصاد التركي في هذا التّوقيت الذي يواجه فيه صعوبات جمة، خاصة إذا عرفنا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 5 مليارات دولار سنويا... معظم التوقعات تؤكد أن الحرب الإعلامية بين السعودية وتركيا ستتصاعد في الأشهر المقبلة، خاصة أن السعودية بدأت تتقارب من السلطات السورية، وأصدرت أخيرا قرارا بالسماح للبضائع والشاحنات السورية بدخول معابر المملكة دون أي تأخير".

تصريحات العجلان لم تأتي إلا بضوء أخضر من القيادة السعودية

تصريحات العجلان تمثل توجه الرياض حتى وإن لم يشغل الرجل أي منصب في الحكومة، لأن مثل هذه التصريحات في السعودية لا تصدر دون موافقة القيادة. وكانت وسائل الإعلام السعودية وجيوش ما يعرف بــ"الذباب الالكتروني" قد أطلقت قبل ذلك دعوات لمقاطعة المنتجات والسياحة التركية، إلا أنها لم تحظ بقبول شعبي، لأن الأغلبية الساحقة من السعوديين غير مقتنعين بضرورة مقاطعة تركيا، ولا يتفقون مع توجه الحكومة حتى وإن لم يعبروا عن ذلك خوفا من الاعتقال، الأمر الذي دفع النظام السعودي إلى تهديد التجار ورجال الأعمال.

السعودية لم تتخذ أي قرارات رسمية لمقاطعة تركيا اقتصاديا

وترى صحيفة "العرب" اللندنية أن "رغم تواتر الدعوات إلى مقاطعة المنتجات والوجهة السياحية التركية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن السعودية لم تتخذ أي إجراء اقتصادي أو تجاري عقابي معلن ضد تركيا حرصا منها على عدم الإخلال بالتزاماتها واحتراما للاتفاقيات الموقّعة في هذا المجال".

وعن سبب تردد السعودية في اتخاذ موقف رسمي لقطع العلاقات مع أنقرة ومقاطعة بضائعها علنا.

يقول محللون سياسيون: إن "السعودية تتجنب العقوبات التي يمكن أن تفرضها منظمة التجارة العالمية، في حال اتخاذ أي إجراء رسمي بهذا الشأن، لذا فهي تلجأ للضغط على مواطنيها في الداخل لوقف التعامل مع تركيا بشتى الطرق".

السعودية إذا ما أعلنت الحرب الاقتصادية فإن أول المتضررين هو الشعب السعودي

ونقلت وكالة أنباء تركية عن الكاتب التركي أيوب صاغجان قوله: إن "التوجيهات الجديدة من السلطات السعودية للتجار والمستوردين وشركات الشحن تؤكد أن منع الاستيراد من تركيا سيصبح بشكل كامل قريبا... هذا القرار لن يضر تركيا بالقدر الذي سيضر السعوديين أنفسهم، وخاصة التجار منهم، إذ إن السعوديين يستوردون الكثير من احتياجاتهم اليومية من تركيا وبأسعار أقل بكثير من دول أخرى".

ويضيف: "نعم ما يستورده السعوديون من تركيا يمكن أن يستوردوه من دول أخرى ولكن بجودة أقل وأسعار أعلى، وبالتالي محمد بن سلمان يتسبب مجددا بالإضرار بالشعب السعودي...الأسعار في السعودية سترتفع بالنسبة للمستهلك العادي نتيجة هذا القرار أي أن محمد بن سلمان يعمل ضد الشعب السعودي وليس ضد تركيا".

الاقتصاد التركي أقوى من أن يتأثر بالمقاطعة السعودية

مقاطعة السعودية الشاملة للمنتجات التركية قد تضر الشركات التركية على المدى القريب، إلا أن الاقتصاد التركي متين وقادر على تحمل الصدمة، وتجاوزها من خلال الأسواق البديلة، لأنه غير مبني على منتج واحد، مثل النفط أو الغاز الطبيعي، ولا على التصدير إلى سوق واحد لينهار بانهياره. فهناك دعوات لمقاطعة المنتجات التركية في السعودية، وأخرى لشرائها في أذربيجان وباكستان وغيرهما. ومن المؤكد أن "اليد الخفية" سرعان ما ستقوم بتنظيم العرض والطلب في اقتصاد السوق الحر، كما يشير إليه آدم سميث.

الاقتصاد التركي بدأ في السنوات الأخيرة يتجه من المنتجات الزراعية إلى المنتجات التكنولوجية والعسكرية. وهناك مؤشرات تشير إلى أن الإقبال على شراء تلك المنتجات سيزداد في المستقبل القريب، بعد أن أثبتت تلك المنتجات جودتها ونجاحها في الساحة. ومن المؤكد أن التوسع في المنتجات التكنولوجية والعسكرية وتصديرها، سيؤدي إلى تراجع أهمية تصدير المنتجات الزراعية والغذائية.

موقف تركيا الرسمي حيال الحظر التجاري

قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول: "حظرا كهذا في حال إقراره لا يتفق مع قوانين منظمة التجارة العالمية، والقانون التجاري الدولي".

وأضاف أن بلاده "تسعى لحل الخلاف على المستوى الثنائي"، وتابع أنها "ستضطر لاتخاذ خطوات في حال عدم التوصل لاتفاق وفرض الحظر".

وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مؤثراً في تأجيج الخلاف السعودي التركي

من جهتها تصدرت حملات المقاطعة موقع تويتر في السعودية، مرفقة بشعارات وعبارات تحث المواطنين على التوقف عن التعامل مع كل ما هو تركي.

وأثارت الحملات جدلا بين المغردين العرب الذين عالجوا الخبر بحسب توجهاتهم ومواقفهم من الأزمة الخليجية وسياسات تركيا في المنطقة.

ويتساءل المتابعون لهذه الحملات عما إذا كانت تدار بتوجيهات رسمية غير علنية أم أنها مجرد مبادرات فردية؟

في حين يقلل فريق ثان من المغردين من أهمية تلك الدعوات التي يعتبرونها " مجرد تحركات محدودة لن تتجاوز العالم الافتراضي وحملات وهمية لإلهاء الشعب السعودي عن قضاياه الأساسية".

نشطاء عرب يردون على حملات مقاطعة البضائع التركية

رد نشطاء في دول عربية متعددة على حملات مقاطعة البضائع التركية بحملات ووسوم مضادة من قبيل (الحملة الشعبية لدعم تركيا).

وندد أصحاب هذا التوجه بما سموها "الحرب الاقتصادية التي تشنها دول عربية ضد بلد مسلم دعم قضايا الأمة ".

ومع تصاعد الحملة، طرح البعض سؤالا عن البدائل في حال مقاطعة البضائع التركية التي تتمتع بجودة عالية وأسعار زهيدة مقارنة بغيرها بالمنتجات في السوق الخليجية.

وتوقع البعض احتمالية دخول بضائع إسرائيلية للأسواق الخليجية. واستند أصحاب تلك التوقعات في رؤيتهم إلى التقارب الرسمي بين إسرائيل وحلفاء الرياض.

ورد البعض بقوة على بعض المطبعين مع الكيان الصهيوني، والذين ينادون بمقاطعة البضائع التركية، ومنهم المغرد فهد الغفيلي الذي قال:

"لم تُقاطع السعودية الهند التي تقود حملات إبادة ضد المسلمين، ولم تُقاطع الصين التي تُبيد الإيغور، ولم تُقاطع ميانمار التي تُبيد الروهينغا، تُقاطع تركيا وتقيم علاقات من تحت الطاولة مع الصهـاينة لأن ذلك يخدم إسرائيل" !!

وأردف موضحاً: "أمر مخجل أن تقوم شرذمة في العالم العربي بالمناداة بمقاطعة المنتجات التركية، ‏في الوقت الذي تنادي هذه الشرذمة بكل وقاحة بالارتماء في أحضان الكيان الصهيوني، إنه العُهْرُ ‏بعينه".‏

وقال الإعلامي القطري المخضرم جابر الحرمي: "الشرفاء والأحرار مع تركيا، ودعم الحملة الشعبية لدعم تركيا، العبيد والمتصهينون مع مقاطعة تركيا، اعرف موقعك من هذه القضية، تعرف من أنت".

وقال جابر الحرمي: "من المخجل أن تقوم شرذمة في العالم العربي بالمناداة بمقاطعة المنتجات التركية ، في الوقت الذي تنادي هذه الشرذمة بكل وقاحة بالارتماء في أحضان الكيان الصهيوني،

إنه العُهْرُ بعينه".

"نعم لدعم الحملة الشعبية لدعم تركيا".

"نعم لمناصرة تركيا التي تناصر شعوب أمتنا".

وقال الأكاديمي الكويتي حاكم المطيري: إن "الشعب التركي منا ونحن منهم، وقوة تركيا ونهضتها قوة للأمة ونهضة لشعوبها ودولها كلها ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾".

وقال الدكتور محمد الصغير: "العالم الإسلامي منقسم إلى فسطاطين الأول تمثله تركيا التي تقف مع تطلعات الشعوب وتحاول نصرة المظلومين، ومعسكر دول محور الشر رعاة الثورة المضادة الذين جمعتهم خيمة التطبيع وباتوا تحت لحاف إسرائيل واتحدت كلمتهم على حرب الأتراك واقتصادهم لذا كان لزاما أن ندعم تركيا".

المصدر

*عربي نيوز-6/10/2020 و17/10/2020

*عربي 21-7/10/2020

*الخليج أون لاين-16/10/2020