فصيل جديد في غزة يتشكل والانقسام يتعمق

محمد عايش

fgdhdjklufkdystra920.jpg

fgdhdjklufkdystra9202.jpg 

العودة المفاجئة والكثيفة لعدد كبير من المنشقين عن حركة فتح إلى قطاع غزة لا يمكن أن تكون مصادفة في هذه الظروف وهذا التوقيت، ومن المستحيل أن تكون نتيجة «المصالحات المجتمعية» كما يُشاع، لأن هذه المصالحات حدثت قبل سنوات وليست حديثة العهد، ما يعني أن هذه العودة ذات بُعد سياسي، وسوف تؤثر في المشهد الفلسطيني لسنوات طويلة مقبلة.

ما يحدث في غزة أن ثمة «تحالفا صامتا» أو غير معلن، بين حركة حماس وتيار محمد دحلان المفصول من حركة فتح، الذي يُحاول أن يحدث انشقاقاً في الحركة منذ سنوات، وبموجب هذا التحالف يعود رموز وقادة هذا التيار إلى القطاع تباعاً، ويتم استقبالهم في صالة الـ(VIP) على معبر رفح، على الرغم من أن بعضهم صدرت بحقهم أحكام قضائية متفاوتة لكن هذه الأحكام يتم تجاهلها.

الفصيل الجديد الذي يتشكل الآن يحمل أجندة خارجية ولديه «مال سياسي» يستطيع بواسطته أن يعبث في السياسة والانتخابات

لا أحد يستطيع أن يُعارض أو ينتقد عودة فلسطيني إلى بلده، فهذا حق مطلق لا نقاش فيه، ولا أحد أيضاً يُعارض المصالحات المجتمعية التي تمت قبل سنوات في غزة وانتهت إلى تسوية الخلافات والقضايا العائلية، التي نتجت عن أيام الاقتتال الداخلي السوداء، والتي استمرت لنحو ستة شهور، أي طيلة النصف الأول من عام 2007، فهذه مسلّمات لا جدال فيها، لكن ما يحدث في غزة هذه الأيام لا علاقة له مطلقاً بذلك، وهو حراك سياسي بامتياز يرتبط بالانتخابات العامة، المقرر أن تجري في الأراضي الفلسطينية خلال العام الحالي. ما يشهده قطاع غزة هو، أن ثمة فصيلا فلسطينيا جديدا يتشكل بقيادة محمد دحلان الذي كان مسؤول الأمن الوقائي سابقاً، وهذا الفصيل يعتزم المشاركة في الانتخابات المقبلة، وبينما لا يحظى هؤلاء المنشقون بأي حاضنة في الضفة الغربية، بسبب خلافهم مع الرئيس محمود عباس، فإن حماس فتحت لهم الأبواب في غزة، وأغلب الظن أن ما تفعله حماس يتم بضغط من دول عربية، خاصة أن أول الوفود عادت إلى القطاع بالتزامن مع وجود قيادة حماس في القاهرة قبل أسابيع. وبطبيعة الحال لا مشكلة مطلقاً في أن يمارس دحلان ورجاله العمل السياسي، ولا مشكلة في عودتهم إلى قطاع غزة، أو أي مكان من الأرض الفلسطينية التي هي بلادهم، لكن المشكلة أن ما يحدث حالياً سوف يؤدي إلى تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني، وسوف يؤدي إلى مزيد من التفتيت في النسيج الفلسطيني، كما أن الفصيل الجديد الذي يتشكل الآن يحمل أجندة خارجية ولديه «مال سياسي» يستطيع بواسطته أن يعبث في السياسة والانتخابات، خاصة في قطاع غزة الذي يعاني من الحصار وارتفاع مستويات الفقر.

مشاركة تيار دحلان في الانتخابات المقبلة ستعني بالضرورة، أنه أصبح جزءاً من المشهد الفلسطيني، ومنافساً محتملاً وقوياً للرئيس محمود عباس، كما أن الفصيل الجديد الذي يحظى بدعم ثلاث دول عربية على الأقل، ويحصل على تمويل ضخم، سوف يشكل تهديداً بكل تأكيد لحركة حماس في غزة، خاصة إذا حصد نسبة كبيرة من أصوات الناخبين في القطاع، وهو أمر محتمل بطبيعة الحال. إذا ما جرت الانتخابات بالفعل في الأراضي الفلسطينية وشارك فيها تيار دحلان، فسوف يكون قد استحوذ على جزء من المشهد السياسي الفلسطيني، وعندها سوف يكون الانقسام الداخلي قد تعمق أكثر من أي وقت مضى، إذ سيُصبح بين ثلاث قوى كبرى بدلاً من اثنتين، هذا فضلاً عن أن المصالحة بين غزة ورام الله ستصبح أبعد من أي وقت مضى، بسبب أن عباس سيُصبح أكثر حذراً وقلقاً من خصومه في غزة. في الوقت ذاته فسوف تواجه حماس أيضاً خطر الفصيل الجديد، الذي تشكل في غزة والمدعوم من ثلاث دول عربية معادية لحركات الإسلام السياسي، وتتعامل مع حركة حماس على أنها منظمة إرهابية، وعندها ستجد حماس نفسها أبعد ما تكون عن المصالحة مع رام الله، وفي الوقت نفسه تواجه خطراً داخل غزة بالغ الخطورة.

والخلاصة المهمة هو أن ما يجري في غزة يتناقض تماماً مع مساعي المصالحة، ولا يمكن أن يصب في صالح إنهاء الانقسام، كما أنه قبل كل شيء ليس في مصلحة حماس ولا فتح لأنه يشكل تهديداً مشتركاً لهما.