ثعابين الثورة المضادة تغيّر جلودها وتخرج من جديد

منجي المازني

لا يكاد يمرّ شهر ولا أسبوع ولا حتّى يوم واحد حتّى تطلّ علينا منظومة الثورة المضادّة في ثوب جديد ومتجدّد وبفكرة جديدة وبمعركة جديدة لعلّها تعصف بمناخ الحرية والديمقراطية وتغيّر من قناعات النّاس وتؤلّبهم على من ناضل في الماضي ويدافع اليوم على نشر ثقافة الثورة. ولعلّ آخر طلعاتها إصرارها عبر قنوات العار باللّيل والنهار على ضرورة تخلّي السيد هشام المشيشي على رئاسة الحكومة وتقديم استقالته وفتح المجال لحكومة إنقاذ وطني. وليس لهم دليل لذلك سوى أنّهم يرون أنّ هذه الحكومة هي أضعف حكومة منذ الثورة حيث أنّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية قد استفحلت أثناء حكمه. واللاّفت أنّ هذه المنظومة الهجينة باتت تستغلّ أيّ حادثة أو مأساة اجتماعية لتأليب النّاس على المشيشي وحكومته.

نعم قد تكون حكومة المشيشي هي أضعف حكومة منذ الثورة. باعتبارها ليست حكومة سياسية بأتمّ معنى الكلمة ولا هي حكومة كفاءات وتكنوقراط بأتمّ معنى الكلمة. ولكن من الذي أوصلنا إلى هذه الحالة وهذه الوضعية الحرجة ؟ أليس الرئيس الذي انتخبه الشعب ليكون رئيسا لكلّ التونسيين فإذا به ينقلب عليه ويعادي الحزب الأوّل في انتخابات 2019 ألا وهو "حركة النهضة". ثمّ يرشّح لرئاسة الحكومة أسماء من خارج الأحزاب الفائزة لا سند شعبي لها وذلك لغاية التحكّم في المشهد السياسي بمفرده ؟ ثمّ أليس الذي أوصلنا إلى هذه الحالة إلى جانب أحزاب المنظومة القديمة بعض الأحزاب الثورجية التي تدّعي الثورية والطهورية من أمثال حزب التيار وحركة الشعب اللذين لا يتورّعان عن لعق حذاء الرئيس في سبيل بلوغ أهدافهم التي لا تخفى على أحد وهي إزاحة حركة النهضة من المشهد السياسي والانقلاب على المسار الثوري برمّته ؟ أليسوا هم من استحوذ على حكومة إلياس الفخفاخ وقراراتها وحيّدوا ثمّ أزاحوا وزراء النهضة من أمامهم واتخذوا كل القرارات المصيرية بمفردهم ؟

أليس هؤلاء القوم من ينادون اليوم في كلّ منابر إعلام العار بضرورة استقالة المشيشي وفسح المجال لتشكيل حكومة إنقاذ وطني ؟ ألم يكونوا في مقدّمة حكومة إلياس الفخفاخ ؟ ولكنّهم خانوا الأمانة وخانوا الوطن وخانوا الشعب وعملوا لحسابهم الخاص. الذي يغلب عليه الأنا المتورّمة والحقد الإيديولوجي. وذهب في ظنّهم أنّهم قد أزاحوا حركة النهضة من أمامهم ؟ ولكن الله خيّب ظنّهم ومسعاهم وسقط إلياس الفخفاخ بشبهة تضارب المصالح وسقطت حكومته وسقطوا معها بفضائحهم المتتالية خاصّة مع التسريبات المتعلّقة برئيس كتلتهم البرلمانية محمد عمّار. لذلك فإنّ تشبّثهم بإزاحة حكومة هشام المشيشي وتشكيل حكومة إنقاذ بعدما انكشف من جرائمهم وفضائحهم المتتالية وهوانهم على النّاس يثبت أنّهم لا يملكون حدّا أدنى من المسؤولية لا بل ولا يملكون ذرّة كرامة ولا ذرّة حياء.

إنّهم يتصدّون للحكومة بالتصدّي للتعيينات التي لا ترضيهم وبإثارة القلائل وكلّ أنواع الشغب والإضرابات والاعتصامات وتحريك الدولة العميقة على عدم التفاعل إيجابيا مع قرارات الحكومة ثمّ يقولون إنّ حكومة المشيشي قد عجزت عن فعل أيّ شيء وساءت في ظلّها حقوق الإنسان وانهارت في ظلّها المقدرة الشرائية ؟ فهل التقصير اقتصر فقط على حكومة المشيشي حتّى نتهمها بكلّ تقصير ؟ أم أنّ التقصير كان ملازما لأغلب حكومات ما بعد الثورة ؟

إنّ ما يتميّز به رئيس الحكومة هشام المشيشي رغم كونه لم يكن في يوم ما محسوبا على التيار الثوري إلاّ أنّه قد كانت له شجاعة الانحياز إلى المنظومة الثورية أوّلا ثمّ أدار باقتدار العملية السياسية بقواعد وأبجديات العمل السياسي وليس بالخطب الرنّانة التي تدور في فلك المؤامرات والغرف المظلمة ولا بالمنسوب العالي للحقد الإيديولوجي. وتمكّن في ظلّ واقع غير مستقرّ من إخراج حكومة من رحم الأحزاب وأوجد لها حزاما سياسيا تستند إليه. ولذلك أدعو أحزاب الحزام السياسي لرئيس الحكومة أن يدعموا هذه الحكومة في أي حوار منتظر وينادوا بتفعيل التعيينات الوزارية أو بتشكيل حكومة سياسية برئاسة المشيشي، ويكونوا سدّا منيعا ضدّ عودة الأحزاب الثورجية المملوءة حقدا على الثورة والثوار ولا يسمحوا لهم بغدرنا مرّة أخرى. ولقد جاء في الحديث الشريف : "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"