التاريخ بين أيدي المخابرات المصرية

راشد عيسى

في أزمنة سالفة كان بعض الأعمال الفنية، مسلسلات أو برامج تلفزيونية، كما صحف أو مواقع الكترونية ومراكز أبحاث، عرضةً للاتهام بالعلاقة مع أجهزة الاستخبارات، وكانت هذه الأعمال تغضب وتستنكر وتنفي، سواء كانت على علاقة بالفعل أم لا.

نتحدث هنا عن اتهام بأجهزة الاستخبارات المحلية، والمفارقة أن العمل إن استطاع تقديم وجهة نظر مخالفة، انتقادية، ضد السلطة الحاكمة في بلده، سيكون متهماً من أجهزة بلده بالعمالة لاستخبارات خارجية، على غرار ما يفعل «حزب الله» عندما يستخدم ضد معارضيه وَصْفَ «شيعة السفارة» ويقصد السفارة الأمريكية في بيروت.

في أزمنة الفلول، ما بعد الربيع العربي، باتت أجهزة الاستخبارات هي المنتج الإعلامي والتلفزيوني الأول، صراحةً دون أي تمويه. هذا مثلاً مسلسل «الاختيار» الذي يشهد رمضان الجاري النسخة الثالثة منه، فهو من إنتاج شركة تلفزيونية مملوكة لأجهزة المخابرات المصرية، وبالتالي يفيد العمل من هذه الأخيرة بالسلاح والعتاد والتدريب وكامل التسهيلات، وطبعاً بالسيناريو والأفكار قبل كل شيء.

تحظى نسخة هذا العام بأول ظهور درامي متلفز للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ظهور شَغَلَ الناس حتى قبل بدء العرض. ظَهَرَ الرجل في خاتمة الإعلان الترويجي على نحو يذكر بشخصيات من التاريخ الإسلامي محظور تصويرها، استطاع المشاهدون أن يحزروا أن الظَهْر الذي ملأ الشاشة يتبع للسيسي. تالياً ظهرَ بوضوح يخطب في إطار كاريزما سيحلم السيسي الحقيقي أن يكون له مثلها. صحيح أن الممثل كان مقلداً جيداً، لكن، على ما يبدو من مشهدٍ أول أتيح للمرء مشاهدته، أنه أضاف بعض المحسّنات.

لا ينتظر المرء غير هذا من مسلسل منتج من جهاز استخبارات تابع للسيسي، ومن البديهي أن نرى خصوم الرئيس شخصيات أقرب إلى الكوميديا منها إلى الجد، وإلى الشرّ وقلّة الكاريزما منها إلى حُسْن الحضور.

لا ندري إذاً علامَ الجدل والاختلاف حول المسلسل، إن كان سيكتب حقبة الثورة المصرية بإنصاف أم لا، فالسيناريو والوقائع الحقيقية والدرامية، كما الرصاص والبدلات العسكرية وخوذ الممثلين، كلها خرجت من مخازن المخابرات.

من باب أولى أن الترويج الإعلامي سيأتي أيضاً من الأقبية ذاتها، والنقد الدرامي كذلك، والسيسي كان بدأ أخيراً بنقد السينما عندما راح يحلّل فيلم «إرهاب وكباب» من بطولة عادل إمام وسيناريو وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، عندما قال إن الفيلم «جعلَ الدولةَ خصماً للمواطن».

كانت تلك محاولة نقديّة سيسيّة أولى، وقد تحمل الأيام نظريات أوسع في الدراما التلفزيونية وقريناتها.