نطالب بسنّ قانون يجرّم الإساءة إلى الأديان والمقدسات

إبراهيم درويش

نطالب بسنّ قانون

يجرّم الإساءة إلى الأديان والمقدسات

إبراهيم درويش

خطبة الجمعة في 16/1/2015م، في إحدى المدن الفرنسية

الخطبة الأولى

الحمدلله ثم الحمدلله، الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، الهادي، البشير النذير، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغُمّة، وترك هذه الأمة على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتنكّبها إلا ضالّ.

أيها الإخوة الأكارم، أيتها الأخوات الفاضلات:

رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لن نؤمن به حق الإيمان حتى يكون أحب إلينا من أنفسنا ومن ولدنا ومن الدنيا كلها، يقول عليه الصلاة والسلام:(لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، بألفاظ متقاربة. وفي حديث شريف آخر يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) حديث صحيح. أي يسير على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام."قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم". سورة آل عمران، الآية 31. هذا الرسول الكريم الذي كان سبباً في نجاتنا من أهوال الضلال والزيغ والشرك والانحراف، وسيكون بإذن الله سبباً في دخولنا الجنة، هذا الرسول الكريم يستحق منا أن نفديه بكل ما أوتينا من قوة.

ساءنا ما حصل بمقر مجلة شارلي إيبدو، لا نرضى بأعمال إرهابية تلصق بمسلمين، أو تمارس باسم الإسلام، ولكننا في الوقت نفسه نطلب المساواة بغيرنا في هذه البلاد، فكما أن التشكيك بالهولوكوست وبمذابح النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية جريمة يعاقب عليها القانون، لحماية فئة قليلة في المجتمع، فينبغي كذلك أن تسن قوانين لتجريم تشويه الأديان أو الرموز الدينية في أي دين من الأديان. الاستهزاء بالذات الإلهية أو بالقرآن أو بالإسلام أو بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليس حرية في التعبير؛"قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟" سورة التوبة/ الآية 65، ليس من أصول ديننا، ولا بأي شكل من الأشكال، أن يخطر على بال مسلم أن يستهزىء بموسى أو عيسى أو التوراة أو الإنجيل، استهزاء أي إنسان بموسى أو عيسى أو بالتوراة أو بالإنجيل كاستهزائه بالقرآن أو بمحمد صلى الله عليه وسلم، نحترم دياناتكم، نحترم عقائدكم، تقولون بالمساواة، لا نطلب سوى المساواة، الذي سنّ قانوناً يجرّم التعرّض للهولوكوست والمذابح النازية يستطيع أن يسنّ قانوناً يجرّم النيل من الإسلام ورموزه، مساواة، لا نريد أكثر من حقوقنا، لا نستهزىء، يحرم علينا أن نستهزىء بأي دين من الأديان، فما بالك بأنبياء الله المذكورين في القرآن الكريم، بالكتب السماوية المذكورة في القرآن الكريم؟

نريد قطع دابر الإرهاب. ألا تريدون، يا أيها القوم، يا أيها الحكام، يا أيها السياسيون في هذه البلاد، ألا تريدون قطع دابر الإرهاب؟ لا تستفزوا مشاعر المسلمين بحجة حرية التعبير، لا تدعموا الطغيان والدكتاتورية والتسلط في بلادنا، هذا أقصى ما نريده، هؤلاء الذين حضروا المسيرة التي أعقبت حادث باريس، جاؤوا من أقطار الدنيا إلى باريس ليعلنوا تضامنهم مع شعب فرنسا، وهذا حقهم، هم جاؤوا من بلادنا، أكانوا حقيقة ضد الإرهاب في بلادنا حتى يأتوا إلى باريس ويستنكروه هنا؟ في الاعتداء الإسرائيلي الأخير على غزة قبل أشهر معدودة ألم يقتل نتنياهو أكثر من ألفين ومئتين من الفلسطينيين؟ أليس هذا إرهاباً؟ يأتي إلى هنا ليستنكر قتل اثني عشر فرنسياً، منهم مسلمون! هذا الشرطي الذي قتِل في مقر الصحيفة ألم يكن مسلماً؟ الإرهاب أعمى لا يفرق.

في بلادنا: من أوجد داعش؟ من أوجد نظام بشار؟ من أوجد نظام شين الهاربين بن علي؟ من أوجد السيسي؟ من دعمه؟ من اعترف بحكمه الذي انقلب على الشرعية والانتخابات الديمقراطية؟ أليست هذه السياسات المدعومة من الغرب هي التي تدفع الناس إلى الإرهاب؟

نعم كلنا نريد قطع دابر الإرهاب، لا تسوّغوا، لا توجدوا مبررات للمسلمين المتهوّرين ضعاف النفوس لأن يمارسوا رفضهم لهذه السياسات بهذه الأساليب المرفوضة إسلامياً.

ما زلنا وسنظل مسلمين نتأسى برسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، بقرآننا الكريم الذي يقول:" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" سورة العنكبوت/ الآية 46. بالحوار، حوار الحضارات، نؤمن بحوار الحضارات، صراع الحضارات ليس من ديننا، ليس هو سبيلنا لمخاطبة الناس، القرآن الكريم يخاطب الرسول عليه الصلاة والسلام بالقول: " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" سورة الأنعام/ الآية 68. بإمكانكم أيها المسلمون، يا من تغارون على رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى الإسلام، أن لا تشتركوا في هذه الصحف، أن ترفعوا دعاوى قضائية عليها، أن تنظموا مسيرات استنكار، المسيرات أسلوب حضاري، من حقكم هذا، أما القتل فليس من حقكم. فإن هذا القتل يعطي أعداء الإسلام المتربصين بالإسلام والمسلمين في هذه البلاد المبرر لشن حرب شعواء عليكم، لستم قادرين على تحمّل تبعاتها.

 ليكن تركيزنا مع الجميع أننا ضد الإرهاب، أننا نريد قطع دابر الإرهاب بالقضاء على أسبابه، الأسباب هي هذه الاستفزازات. الصحيفة التي قتل فيها اثنا عشر إنساناً، في اليوم التالي يقررون نشر الصور أو الكاريكاتيرات المثيرة التي كانت سبباً في هذه الجريمة، تقرر نشرها مرة أخرى وبأكثر من ست عشرة لغة!!!! ما هذا الاستفزاز؟؟ نريد استصدار قانون يجرّم الاعتداء أو السخرية من أي دين من الأديان، من أي نبي من الأنبياء. هذا حق لايجادلنا فيه أحد، لكم مقدساتكم علينا أن لانتناولها، ألا نتعرض لها بسوء، ولنا مقدساتنا من حقنا أن ندافع عنها، أن نحميها، أن نغار عليها، ألا تكون موضع سخرية من قبل بعض سفهاء القوم.

من حقنا أن نعيش أحراراً في بلادنا. لو كانت الحرية متوفرة في بلادنا لما أتينا إلى هنا، سياسات الغرب، سياسات أمريكا هي السبب في تشردنا، هي التي تغذّي الإرهاب، لو أن المشكلة السورية قد حُلّت كما حلت المشكلة في تونس وفي ليبيا وفي غيرها من البلدان لما تفرّخت هذه المنظمات المسماة بالإرهابية. لما عشعشت في هذه البلاد. لما هاجر أناس محسوبون دفعتهم الغيرة من أوربا وغيرها للقتال تحت راية  داعش، للإجهاز على الثورة السورية، وتشويه الثورة السورية، وتفضيل الغرب مرة أخرى بشار وإعادة تسويقه ثانية، لأنهم يرون أن البديل عن بشار هو داعش. أرادوا إطالة هذه الأزمة أطول فترة ممكنة ليضربوا الناس ببعضهم، ليتخلصوا من الإرهابيين، من المتطرفين، من الأصوليين الذين عندهم، ثم يقلبوا لهم ظهر المجنّ – كما يقول المثل.

هذه الأحداث أكبر من قدرتنا على المواجهة، المراد بها تغذية اليمين المتطرف في هذه الدول، المراد بها الحيلولة دون تعاطف بعض الحكومات الأوربية مع قضايانا، ألم تروا أن هذه الأحداث قد وقعت بعد اعتراف السويد ودول أوربية أخرى بدولة فلسطين؟؟!!

اقرؤوا عن أسباب الحرب العالمية الأولى،  عن أسباب الحرب العالمية الثانية، أعداؤنا الذين يملكون إمبراطوريات إعلامية، يتحكمون في المال، الذي هو عصب الحياة، هم الذين يتحكمون في اتجاهات السياسة، الإعلام، الحرب، التحركات الحكومية. هم الذين يستغلون ضعاف النفوس السطحيين بأن يكونوا أداة لتنفيذ سياساتهم. إياكم ثم إياكم أن تكونوا أدوات لتنفيذ السياسات المعادية للإسلام. هذا ما أستطيع أن أقوله، بارك الله بكم، نفعني الله وإياكم، جعلني الله وإياكم من الذين يتبصّرون مواقع أقدامهم. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على سيدنا المصطفى، وعلى آله وصحبه أولي الوفا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أيها الإخوة الأكارم:

بعد صلاة الجمعة ستكون هناك صلاة جنازة على طفل وُلِد ومات لتوّه، لم ير من تعاسة هذه الظروف شيئاً، أسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياه، وأن يعوّض أهله خيراً مما عوّض منهم، أن يلهمهم الصبر والسلوان. وهذا يقتضينا أن نشير إلى ذكر بعض المسائل الفقهية الخلافية في صلاة الجنازة على سبيل المثال. في الجمعة الماضية، أو التي قبلها، عندما صليتُ صلاة الجنازة بعد صلاة الجمعة، اعترض أخ وقال: إنك سلّمتَ بعد التكبيرة الرابعة جهراً، وهذا خلاف السنّة.

يا إخوان: الإسلام لا يؤخذ من حديث واحد، الذي يتزبّب قبل أن يتحصرم لا نفع فيه، يتزبب يعني يصبح زبيباً. قبل أن يتحصرم أي قبل أن يمر بمرحلة الحصرم ومرحلة العنب. زهرة عنقود العنب تتفتّح ثم تحترق بأشعة الشمس، هذه تزببت قبل أن تتحصرم، أي قبل أن تصبح حصرماً فعنباً فزبيباً. الذي يسمع حديثاً ثم يبني كل أحكام الإسلام على هذا الحديث يَضل بنفسه ويُضل غيره. نعم تذكير المسلم بشيء من الإسلام هذا مطلوب. الاستفسار عن حكم فقهي كذلك مطلوب.

بالنسبة للجهر بالتسليمة بعد التكبيرة الرابعة في صلاة الجنازة؛الجهر جائز، تسليمة واحدة هي السنّة. تسليمتان كصلاتنا ذات الركوع والسجود كذلك واردة عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المسائل الخلافية؛ لك أن تأخذ بفتوى أي عالم من العلماء ولا حرج. أن نحترم علماءنا، أن نقدّر الجهد الكبير العظيم الذي بذلوه في سبيل خدمة هذا الدين. أن لا نتصور أننا رجال وهم رجال. نعم هم رجال ونحن رجال من حيث الذكورة، لكن أين علمنا من علمهم، أين فهمنا من فهمهم، أين تحصيلنا لأدوات المجتهد من أدواتهم؟؟!!

في المذهب الحنفي والشافعي استندوا إلى أحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام تفيد أن صلاة الجنازة يسلم فيها على اليمين وعلى الشمال كما نفعل في الصلاة العادية ذات الركوع والسجود. وعند الإمام أحمد أن التسليمة على اليمين سنّة، أما على الشمال فغير واردة عنده.

اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكّها، أنت خير من زكاها أنت وليُّها ومولاها، اللهم ولّ علينا خيارنا واصرف عنا شرارنا، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فوفِّقه إلى كل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً فاجعل دائرة السَّوء تدور عليه حتى يذبح نفسه بيده يا منتقم ويا جبار. اللهم اجعلنا هادين مهديين غير ضالّين ولا مضلين، سِلماً لأوليائك حرباً على أعدائك، نحن بحبك من أحببت، ونعادي بعداوتك من عاديت. اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علماً وعملاً وفقهاً في الدين. اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً. اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله:

"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعِظكم لعلكم تذكرون".