صداقات تسافر عبر القضبان...

سليمان عبد الله حمد

لم تمهل المنيّة والده طويلاً، بعدها بحوالي شهر تم إخطاره تلغرافيّا بأنه يجب عليه أن يقصد إدارة الحسابات بهيئة سكك الحديد عطبرة حتي يساوي معاش والده، فذهب ورتّب كل الذي طلب منه وقضي الأمر. 

لكنه انشغل بعدة أشياء من ضمنها وأهمها هو التصاقه بالفنان حبيّب الكليس و الفنان كلمون الذي كان صاحب السطوة والسيط حينها. كان يبادر ببعض الإضافات الأدائية والتي كثيراً ما يرفضها كلمون، ولكن حبيب كان يري أنه صاحب فكرة في الأداء فيبدأ في إقناع كلمون وما هي إلا أيام حتي أضحي أبو داؤود بيّت للمشورة و الرأي لدي كلمون لما وجده من قبول واستحسان من آراء أبو داؤود، تنبه أبو داؤود إلي أن الأسرة أحوج إليه من الغناء فقصد السكة الحديد لمعاش أبيه فوجده يسر البال و يستر الحال فاستشار أصدقاءه فأشاروا له بأن يفتح (كنتين) منه يعول الأسرة و في ذات الوقت يكون ملتقي للفنانين والحادبين علي أمر الغناء، فكان ذلك و لكن حدث مالم يكن بالحسبان؛ إذ أخذ الفن أبي داؤود, كليّة عن الكنتين فلم يفلح في العمل التجاري؛ بل خسر المال و أضاع الكنتين. 

حاول أن يجد لنفسه مهنة تكفيه شظف العيش و السؤال الحافا؛ فطرق كل الأبواب وأوصدت بوجهه وأخيرا أفاده صديق له بأنه يمكن أن يشغل مكان أبيه بالسكة حديد وهنالك شخص يعرفه يمكنه أن يفيد في الأمر، أخيرا أفلح الجهد وعُيّن عاملا بالسكة حديد عطبرة. .

السكة حديد عالم آخر أضاف لأبي داؤود خبرات لم يكن بالغها إن لم تنجح يد القدر في إفشال مشروع الكنتين و في ذات العام تزوج صديقه و أستاذه حبيب الكليس الذي ترك الغناء بمغادرة أبي داؤود لمدينة بربر وأصبح ترزي ستاتي يفصل للعروس فستان الجرتق و هو يردد أغاني الحقيبة، حكي لي ذات يوم أن حسناء من حسناوات المدينة أوشك زواجها فقصدته مع والدتها وصديقة لها و بينما هو يأخذ المقاس سقط القماش من يده فأخذه و كتب عليه (غصن الرياض المايد) وبهذه الأغنية أخاط فستانها وهذه القصة ظلت عالقة بذهنه من عام ١٩٤٦م وحكاها لي في العام ٢٠٠٦م، هذا الرجل كنز أخذت منه تاريخ أبي داؤود من مولده حتي العام ١٩٤٦

دلف أبو داؤود لعوالم الأوجه التي تطل عبر نوافذ القطارات والتي تتناثر علي أوجهها غبار السفر و الذي رسم عليها خرائط خالية تستعصي علي بيكاسو و من شاكله ، فبدأ بخلق صداقات تسافر عبر القضبان تحمل الذكريات, الآمال بغية اللقيا والانتظار؛ التقي بأشخاص أضافوا له الكثير في حياته، و بعد فترة وجيزة أصبح فنان السكة حديد الأول من حلفا حتي جوبا و من بورتسودان حتي الابيض..

و في هذه الفترة التقي بمبارك زروق الذي كان يعمل بالسكة حديد في وظيفة مرموقة وأحتك بشتي أجناس السودان وبدأ يأخذ منهم أغاني المناطق. عمل بالدريسة ومن ثم محولجي وأثناء عمله بعطبرة التقي بالفنان عبد الرحيم الأمين وأخذ منه أغنية (زهرة الروض الظليل) للشاعر عمر البنا في هذا اليوم كان الفنان عبد الرحيم الأمين بصحبة الحكمدار العام قاصدا الخرطوم فكتبها منه و حفظها ونسي نفسه بالقطار حتي بلغ مدينة شندي