شرفات للتأمل

عبد الرزاق اسطيطو

عبد الرزاق اسطيطو /المغرب

[email protected]

الكثيرمن الأهل والأصدقاء يسألني كلما جمعتنا الصدفة في مكان ما ، خاصة على رصيف الشارع عن هذا الغياب على مستوى النشر، وهو أمر يسعدني كثيرا، لما فيه من اهتمام بما أنشره من إبداع ، لكن هناك للأسف من يخلط خلطا عند السؤال ما بين زمن الإبداع وزمن النشر ، بمعنى أن التوقف عن النشر فترة قد تطول وقد تقصر يعني التخلي النهائي عن الفعل الإبداعي،وهو فهم ينم عن قصور نظري وفقر معرفي وجهل تام، ليس بالتحليل النفسي وبقراءة جاك لاكان ، وإنما بالمراحل التي تقطعها العملية الإبداعية برمتها قبل أن تتجلى في هيئة قصيدة أو قصة أو مقالة أو رواية ..في علاقتها بقلق المبدع ومتخيله ونفسيته وذوقه وفهمه وتصوره ورؤاه، قبل النشر ومع النشر وبعد النشر، وفي علاقة المبدع بالمتلقي، وما تقوله نظرية التلقي في هذا الموضوع .

عندما ينشر المبدع إبداعه يصبح ما ينشره ليس فقط ملكا للآخر، وإنما يصير تحت سلطته النقدية، وتزداد مسألة النشر خطورة وتعقيدا كلما ازداد عدد قراء المبدع ومعه اهتمامهم ، ذلك أن المتلقي خاصة الماهر بتعبير تدروف ينتظر من الشاعر والكاتب أي مبدعه، ليس فقط نفس الجودة ونفس المتعة ، وإنما ما هو أمتع وأغنى من الأول،شكلا ومضمونا، من هنا يأتي  التعقيد ومعه التردد والتأمل والتنقيح وتأجيل النشر، وكل ذلك يحتاج لوقت قد يطول وقد يقصر.

ومهماطال زمن الغياب فلا يعني بالضرورة خيانة اللغة للمبدع في منتصف الطريق، بقدر ما يعني اختلاء المبدع بمعشوقته، خلف أشجار الإبداع متواريا عن الأنظار ، بعيدا عن صخب المدن ولغط العامة ، وقسوة الزمن ، ووهم الشهرة ولعنة الإجترارالقاتلة، لأن التأمل في الذات والإبداع والسفر في الكون، والتأني عند النشر ،  يغني الروح والمتخيل ويصقل اللغة والإبداع.

وما عزوف القراء في الوقت الراهن عن ماينشر من نصوص في المواقع إلا بسبب الضعف والغثاثة  والفقر الذي أصاب هذه النصوص، وهذا راجع لسهولة النشر أولا ولا ستسهال الكتابة واجترارها  ثانيا خاصة الشعرية منها، بعد أن فتحت قصيدة النثر الباب لكل من هب ودب ليقول لغو لا شعرا،وهكذا تمت شرعنة هذا اللغو والدفاع عنه،وإقامة الأمسيات الشعرية ولما لا المهرجانات الشعرية له، وتتويجه في النهاية بجوائز شعرية ، تحت يافطة التحديث ، وقصيدة النثر وما بعد قصيدة النثر ، فالفساد فساد الذوق، وفساد القيم وفساد القياس، عم البر والبحر والنهر ، حتى فاض على حديقة الشعر فأفسد كل شيء جميل فيها.