طالوت والحَكم بن هشام بن عبدالرحمن

أدباء الشام

أوردَ هذه القصة الذهبي في السِّيَر ، سيرة الحكم بن هشام ٨ / ٢٥٤

لما تولى الحَكم بن هشام بن عبدالرحمن الداخل الحُكم في الأندلس مالَ إلى أهلِ الفسق واقترفَ الكبائر والمنكرات .. !

فتحرّك الفقهاء وأرادوا الخروج عليه فحصل ما حصل للفقهاء من قتلٍ وتعذيب،

وشاء الله لبعضهم النجاة فهرب منهم من هرب !

وكان أحد العلماء "المطلوبين"

لسيف السلطان الامام الفقيه

"طالوت بن عبدالجبار " تلميذ الإمام مالك ،

وهو من( أكابر الفقهاء) وقد هرب من بطش (الحَكم )، واستخفى عند جارٍ له يهوديّ مدّةَ عامٍ كامل !!

واليهودي في كل يوم يقوم بخدمته ويُكرمه أشد الكرم ، فلما مضى ( عام )

كامل طال على الامام "طالوت" الاختفاء ،

فاستدعى اليهودي وشكره على إحسانه إليه ، وقال له :

( قد عزمت غدًا على الخروج وسأذهب إلى الوزير ((أبي البسام ))

فقد قرأ عليّ القرآن وعلمته العلم ،

ولي عليه حق التعليم وحق العشرة ، وله جاهٌ عند ( الحَكم ) فعسى أن  يشفع لي عنده فيؤمّنني ويتركنى ).

فقال اليهودي :

( يا مولاي لا تفعل .. إنى أخاف عليك من بطش الحَكم بك ) وجعل اليهوديّ

يحلف لهُ بكلِّ يمينٍ  - ويقول له :

(( لو جلست عندى بقية عمرك مامللت منك. )).

فأبى "طالوت" إلا الخروج ،

فخرج فى الخفاء ( بالليل ) حتى أتى دار

الوزير فاستأذن عليه ، فأذِن الوزير له ،

فلما دخل عليه رحّب به وأدنى مجلسه وسأله أين كان في هذه المدة فقص عليه قصته مع اليهودي .

ثم قال الامام  "طالوت"  للوزير أبى البسام :

اشفع لي عند (  الحَكم ) حتى يؤمنني - فوعده الوزير بذلك ،

ثم خرج الوزير من فوره إلى الأمير

" الحكم " ووكل بـ " طالوت " من يحرسه .

فلما دخل الوزير " أبو البسّام "

على الأمير ( الحَكم ) قال له لقد جئتك بهديه

( جئتك بطالوت رأس المنافقين ، قد ظفرت به ) فقال الحَكم :

( قم فعجّل لنا به )

فلم يلبث أن أُدخل الإمام  "طالوت"  على الأمير ،  وكان الأمير يتوقد ويشتعل غيظًا منه

- فلما رآه جعل يقول :

(طالوت ؟؟! الحمد الله الذي أظفرني بك ، ويْحك والله لأقتلنك شر قِتله !!!  كيف استبحت حرمتي؟؟ ) .

فقال له الامام "طالوت" :

(ما أجد لي في هذا الوقت مقالاً إلا أن

أقول لك - والله ما أبغضتك إلا لله وحده

حين وجدتك انحرفت عن الحق وما فعلت

معك إلا ما أمرنى الله به ، فسكن غيظ ( الحَكم ) ثم قال :

  يا طالوت .. والله لقد أحضرتك وما في الدنيا عذاب إلا وقد أعددته لك ..

وقد حيل بيني وبينك ، فأنا أُخبرك أن الذي

أبغضتني له قد صرفني عنك ، اذهب قد

عفوت عنك.

ثم سأله  " الحَكم "  يا إمام :

(كيف ظفر بك الوزير أبى البسام ؟ ) ،

فقال : ( أنا أظفرته بنفسي عن ثقة ، فأنا لي فضل عليه - فقد علمته القرآن والبيان ،

واستأذنته أن يشفع لي عندك ، فكان منه ما رأيت )

فقال له : (فأين كنت قبل أن تذهب إليه ؟ )

فأخبره  " طالوت "  بخبر اليهودي.

فأطرق الأمير رأسه ،

ثم نادى على وزيره " أبي البسام " وقال له :

( يالك من رجل سوء - قاتلك الله أيها المشئووم .

" أكرمه يهودى من أعداء الملّة ، وسترَ عليه

لمكانة العلم والدين ، وخاطرَ بنفسه من

أجله ، وغدرت به أنت ياصاحب الدين حين قصدك !!

أيها المشئوم ألا أديت له حق تعليمه لك ؟؟ 

ألم تعلم أنه من خيار أهلِ ملّتك ،

وأردتَ أن تزيدنا فيما نحن قائمون عليه

من سوء الانتقام  !!؟؟

أُخرج عني.. قبّحك الله ..

لا أرانا الله في القيامة وجهك هذا - إن رأينا لك وجها !!

  ولا أريدأن أراك بعد اليوم أيها المشئوم ثم طرده من الوزارة وضيّق أرزاقه !!

ثم مضت سنوات فرأى الناس هذا الوزير

المنافق الكاذب - في فاقةٍ وذُلّ ،

فقيل له مابك وما الذى أصابك ؟؟

قال: استُجيبت فيَّ دعوة الفقيه (طالوت ).

وكتب ( الحَكم ) لليهودي كتابا بالجزية [ يعني أعفاه من الجزية ] فيما ملك ، وزاد في إحسانه ، فلما رأى اليهودي ذلك ، أسلم  .

  وأما  " طالوت " فلم يزل مبرورًا عند الأمير إلى أن توفي ، فحضر " الحَكم " جنازته وأثنى عليه بصدقه ، وإخلاصه وعلمه .

                     

أوردَ هذه القصة الذهبي في السِّيَر ، سيرة الحكم بن هشام ٨ / ٢٥٤

والقاضي عياض في ترتيب المدارك ،

والمراكشي في المعجب ،

وابن سعيد في علماء المغرب .. وآخرون .