لا تخافوا ولاتحزنوا ... بل أبشِروا

محمد سالم التميمي

هي رحلة العمر قصيرة ، والمسافة ليست ببعيدة عن المستقر الأخير ، في دنيا الخلود الموعودة . وحين تشتد ظلمات جاهلية عمياء صمَّاء على الغرباء خلال المسافة المعلومة ، يصيب إبليسَ الكدرُ المرُّ الذي تغشَّاه يوم خلق آدم ولم يأتمر بأمر الله سبحانه ، يصيب إبليس الكدر المر لأنه يعلم علم اليقين أن تفاقم الشدائد إنما هو الإيذان بالفرج . وتلك سُنة الله في عباده الصالحين ، وذاك هو تقدير العزيز العليم .

ويعود إبليس وتلك حاله يوسوس في صدور الناس ، ويطرح عليهم الشبهات المغريات ، من خلال أسئلة تعجبية ... أين الأماسي المقمرات ، وأين دفء المودة بين الأحبة والخلان ، وأين الأيام الجميلات التي يضرب بها المثل لعابري تلك المسافة المعلومة ، وأين السعادة التي تُرتَشفُ أقداحُها في النزهات واللقاءات ... وما أكثر تلك الأسئلة التعجبية التي يلقيها شياطين الجن والإنس على صفحات القلوب البيض التي ردَّت كلَّ أسباب الشقاء الأبدي .

ولكن إبليس وأعوانه ينكصون على أعقابهم منبوذين مطرودين بعد كل الوساوس . فأمامهم أحفاد سيِّد الخلق مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، هؤلاء الأصفياء الأوفياء ماغرَّتهم الحياة الدنيا ، ولا نالت منهم مكائد الأبالسة في أيِّ عصر ، وفي أيِّ مصر ، إنهم الفئة المنصورة بمشيئة الله العلي القدير . وما كان اليأس ليغلق في وجوههم أبواب رحمة الله ونصرته لهم ، بل إذا مااشتدت الرزايا ، وادلهمت الخطوب تبسم أولو اليقين والإيمان بالله أمام أحبابهم وأبنائهم وذراريهم قائلين لهم : لاتخافوا ، لا تحزنوا ، بل أبشروا ، فلقد دنت ساعة الفرج ، وآن رحيل ظلمة الجاهلية ، وتعسف السفهاء الذين غرَّتهم الأهواء المشينة ، واستحوذت عليهم اللذائذ المهينة ، وأن مشوار همجية الحضارة الفاجرة الظالمة هو في النهاية ، وهو على شفا جرف . وأن عنجهية سفاكي الدماء سيطويها رجز يأتيها من السماء . أيُّها الأبرار الأخيار ماكان الله لينساكم ، ولا ليسلط عليكم أشرار الخلق ، ولكنه الابتلاء الذي يمحو السيئات ويرفع الدرجات ، والمتوج بالفتح المبين ، أجل فلا تخافوا ، ولا تحزنوا ، بل أبشروا ...