أعظم عشق ||

شمسان عبدالله الجابي

سلوا روحي إذا ما القلبُ تابا

وكيف عساه يستحلي العذابا!

وكيف تراه في نزف وجرح 

وجرح العشق يُهلك من أصابا  

وكيف يدوم في شظف وظيم

وكيف هواه يهوى أن يُذابا

فما عرف السعادة بعدَ حبٍ

وبالأحزان يختضب اختضابا

يكابد لوعة الحرمان دهراً

وفي الخلوات ينتحب انتحابا 

ويُبدي الوجهُ زيفَ رضاه حيناً  

ولو عرف الوليدُ عناه شابا 

يراه العاشقون مليك قصر 

من الحساد يحتجب احتجابا 

وما عرفوا بأن العشق يوما 

إذا زار الديارَ حوى الخرابا 

وبين الحبِ واللقيا بحورٌ 

من الأشواكِ  تلتهبُ التهابا

وهل نال الفؤادُ ذرى التمني

أم انكسر الفؤادُ به وخابَ!

وكنت إذا رأيت الوجه يوماً 

على مرآتنا ازددتُ اكتئابا

وقلت معاتبا نفسي وقلبي

ألا يكفيكمُا ما قد أصابا؟

أما نلتم وذقتم كلَ سقم ٍ

وأُسْقِيتُم من الكأس العبابا!

أما هُنْتُم وكانت قبلَ عشق

بكم كُلُّ الملوك ترى انتسابا! 

كفاكم ما رأيتم من عذابٍ 

وكم أسمعتكم مني عتابا!

لقد أصبحت أحيا دون قلبٍ 

وروحي أغفلت مني الصوابا 

وحين أقول ذاك الحبٌ نارٌ

فتب يا قلب واستبقِ الثوابا  

فترمقني عيونٌ في بريقٍ 

وتخبرني ألا عشتَ الشبابا

فلستَ مخلداً فيها دهوراً 

فخذ منها هنيئا  لن تعابا

فأحسست الحياةَ تلوح هيا 

لنلهوَ حتمَّا نعلو السحابا

فحين خضعت للدنيا تمادت 

عليَّ النفسُ  بالشرِ ارتكابا

وفي ليلٍ بهيمٍ ذي سكونٍ

رأت عيني من العجب العجابا

أناسٌ غرَّهم لهوٌ  وتيهٌ  

وتاه الحقُ بينهمُ وغابا

وقومٌ قد أقاموا الليل صوتاً

من الترتيل يبغون الثوابا

فَبِتُّ أراقبُ الرهطين حتى 

سمعت منادياً بعثَ الجوابا 

ينادي بالأذانِ قلوبَ قومٍ

هداةٍ أخضعوا كُلَّ (الصعابا)

يقول اقبل لربك في خضوع

وهِم واعشق ودع عنك السرابَ 

ستفنى الروحُ والدنيا زوالٌ 

ويبقى الله أُكرمُ من أجابا

دع اللهوَ المحرمَ يا حبيبي 

وهم في حب ربك فاستجابا

فناديت الإله مليك حقٍ 

وأذرفت الدموعَ له انسكابا

ووبخت الهوى والنفسَ حتى

أعدت الروحَ والقلبَ  اغتصابا

فلم أرَ غيرَ حبِ الله حباً

ولم أطرق لغير اللَّهِ بابا

فما للعاشقين سواه عشقاً 

وحصناً إن دنى الكربُ ونابا

وما عرف الأحبةُ أيَّ حبٍ

إذا لم تفقهِ الروحُ الكتابَ

فحبُ الله حبٌ  ليسَ يُعلى

إلى الفردوس تقترب اقترابا

تذوقُ من الجنانِ لذيذَ شهدٍ

وتشرب خمرةً للعقلِ طابا