جُرْحُ عُثْمَانَ

محمد جربوعة

محمد جربوعة

حاصروا دار عثمان رضي الله عنه أربعين يوما..منعوه من الصلاة في المسجد ومن شربة ماء هو الصائم الذي حفر بئر رومة وجهّز جيش العسرة .. هجموا عليه وهو يقرأ القرآن، وأكبّت عليه زوجته نائلة تحميه بنفسها، لكنهم ضربوا يدها بالسيف فقُطعت أصابعها، وتمكنوا منه فخلعوا ذراعه،وتألّمت اليد التي جمعت القرآن الكريم.. ثم ضربوه بالسيف، فسال دمه على المصحف ، على قوله تعالى : ((فسيكفيكهم الله)).. هي محنة …الحييّ الذي تستحي منه الملائكة..

ما بال عينكِ هكذا لم تدمعِ؟

ما بالها رغم الذي في المطلعِ ؟

فضعي أصابعك الجميلةَ واعصِري

ما قد تعسّرَ فيهما من أدمعِ

عيناكِ فاجأتا احتمالي كلّهُ

عيناكِ أفسدتا جميعَ توقُّعي

ماذا يقول الناس عنا يا تُرى

ولقد رأوكِ بصورة الذكرى معي؟:

((أرقيقةٌ مثل الزجاجِ كما ادّعى

في شِعره عنها، وذاتُ تورُّعِ؟

شفّافةٌ فِعلا كنظرة عابدٍ ؟

رقراقةٌ مثل الندى؟ أم يدّعي؟

وإذن لماذا لا تسيلُ عيونُها؟

أم أنها تخشى ابتلالَ البُرقعِ؟

أفلا تعي أنّ القصيدةَ إن بكتْ

أبكتْ جميعَ العاشقينَ؟ ألا تعي؟

وتلجلجتْ كل الجفون برجفةٍ

وتمسّح المنديل فيها يرتعي)) (1)

إني أريدكِ خاتما في أصبعي

وإذا مددتُ لك البياض فوقّعي

ماذا دهاكِ؟ أجيء أسكبُ عبرتي

ويدي على قلبي، بدون تصنّعِ

وأراكِ جامدةً كمثلِ قذيفةٍ

تبدي الحيادَ، برغم جورِ المدفعِ

عثمان ذو النورينِ يبكي صائما

هل تشعرينَ بحزنه في مقطعي؟

عثمانُ يبكي.. هل تحسّ صبيةٌ

بالواقع الدمويّ، بالمستنقعِ

هل تشعرينَ بحالنا؟ تاريخِنا؟

بهواننا الأصليّ، والمتفرّعِ؟

عثمان صهرُ خديجةٍ يا هذه

صهر النبيّ .. مرصّعٌ لمرصّعِ

اليومُ قمت من المنامِ أحسّهُ

ظمآنَ ينزفُ في أنينِ توجّعِ

أبكَوْا (رقيةَ) في التراب بظلمهمْ

أختي رقيةُ في الثرى، لا تجزعي

عثمان يا جرحي الذي يبقى على

مرّ الزمانِ تمزّقي وتقطّعي

يا ليتَ موتك يا أخي موتي أنا

أو ليتَ مصرعَكَ اصطبارا مصرعي

من قلبك الطفليّ تسقط قطرةٌ

في مصحف القرآنِ ،ورد الركّعِ

لو كنتُ قربكَ حينها فلربّما

أفرغتُ حزنكَ يا أخي في أضلعي

وسكبتُ منكَ مواجعا محبوسةً

لا شيءَ في تخفيف كأس المترَعِ

لفديتُ في تلك الذراع جراحَها

للَففتُها كي لا تصابَ، بأذرعي

لخرجتُ أصرخ في الذينَ تألّبوا:

هاتوا له ..مِن جمعة لم يشبعِ

ولسوف يفطرُ .. ويحكم ما عندهُ

شيءٌ ليفطرَ..يا لفطر مجوّعِ

لم يرجُ قاتلهُ ولم يبدِ الذي

يبديه مَن يخشى.. ولم يتضرّعِ

خلعوا ذراع الشيخِ.. أطلقَ آهةً

كالنارِ ما زالتْ تذوّبُ مسمعي

هذي يدٌ قد جمّعت قرآننا

هذي يمينُ المحسن المتبرّعِ

هذي المدينةُ بعده محزونةٌ

تبكي جنازته بحزن مشيّعِ

وتقولُ يا عثمان سامحني إذا

وقف العبادُ لربّهم في المفزعِ

يا أرضنا الحمراء كُفي..رحمةً

توبي عن الكأس الحرام وأقلعي

يا كربلاءَ القتل في أوطاننا

تعب الحسينُ ، وغيرهُ، فلتشبعي