نفثات

حفيظ بن عجب الدوسري

حفيظ بن عجب الدوسري

[email protected]

نفثات

النفثةُ الأول

أنا لا أقولُ الشعرَ

تسليةً لبعضِ الغافلين ..

أنا لا أُعيدُ الصوتَ

للسكْرى , وللحمقى , وللمُتَخَاذلين ..

أنا لا أموتُ مُكفناً

بالصمتِ بين الصامتين ..

أنا لا أُحبُ العِيَّ

في بحرِ الأسى ,

أو من قسى

كالهاربين ..

أبداً سأحيا بالقصيدِ الحُرِّ صَدَاحاً ,

ولو قطعوا لساني,

أوبياني ,

أوجناني

دائماً سأظلُّ بين الصامِدين ..

إن ماتَ حرفُ الشاعرِ المأجورِ

سوفَ أقول حرفَ الصدقِ

في زمن التعامي,

والتغابي, والأنين ..

في زحمةِ الشعرِ الهجين ..

أنا لا  أُجاِملُ ,

أو أُخَاتِلُ ,

أو أُنَافِقُ

قصرَطاغوتٍ لعين ..

ماذا أُريدُ مِن الحياةِ بذلةٍ

بينَ الطُغاةِ الحاكمين ..

الشعرُ ليسَ لِباسنَا

في فَرحِنَا ,أو مَدحِنَا,أو عِشقِنَا , أو كِذبِنَا

إن غابَ صوتُ الصادقين ..

الشعرُ ليس كَلامنَا

إن لم نَمُتْ مِن أجلهِ كالسابقين ..

الشعرُ ليس سِلاحَنا

إن لم يُحطِم صَولَةَ المُتآمرين ..

الشعرُ ليسَ بصادِقٍ

إن لم يثر في الثائرين ..

الشعرُ ليسَ من الفؤادِ ونبضهِ

حتى يرى المظلومَ مظلوماً

يرى المحرومَ محروماً

يرى المسكينَ مِسكيناً,

ويشعر بالألم..

حتى يُقاتِلَ مَن ظلم ..

لا تكتبوا غيرَ الحقيقةِ,

وانشروا نُورَ الحِكَم ..

لا تكتبوا لا تطبعوا

ليست قصائدنا سِوى نزفِ القلم ..

الشعرُ منظومُ الأمم..

الشعرُ لا يرضى الرِّمم ..

لا ترفعُ الأقلامُ إلا مَن تماسكَ في الحِمم ..

الشعرُ ليسَ لناثرٍ فقدَ النغم ..

أقسمتُ ثُمَّ حَلفتُ

أنَّ الشعرَ يبقى

 إن تَمَسكَ بالقيم ..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النفثةُ الثانية

ماذا سنكتبُ للتواريخِ

التي مرَّت

إذا كُنَّا نخافُ مِن السُكوت ..

النسجُ نسجُ العنكبوت ..

في أرضنا

نحيا أسارى النسجِ

في بعضِ البيوت ..

هل قِيلَ : إنَّ الشعرَ يسكُننا,

ويَمقُتنَا,

ويَجلِدُنا

إذا كُنَّا نُبَايعُ ,

أو نُصَانِعُ كُلَّ خَوَّانٍ,

وقَوَّادٍ,

ودَجَّالٍ يبيعُ الدينَ,

 والأخلاقَ في سُوقِ التُخوت ..

ماذا سنكتبُ إن صَدقنا

سوفَ نُسجنُ,

 أو سَنُنفَى ,

أو نموت ..

 

 

النفثةُ الثالثة

تَعِبَت قَصَائِدُنَا

 من الوزنِ القديم ..

المدحُ ,

 والكَذِبُ المُنَمَّقُ ,

 والزنيم ..

الصمتُ إن قالوا : اصمتوا ..

والنُطقُ إن قالوا : انطقوا ..

و الكِذْبُ إن قالوا : اكذبوا ..

و الصدقُ ليسَ لهُ

 سِوى الوزنِ العديم ..

في عالم الأمثالِ ,

والأشكالِ ,

والأقوالِ

صِرنا كالصريم ..

في صَولةِ الطُغيانِ ,

 أو في حَضرةِ السُلطانِ

 ذُبْنَا كالحريم ..

خضعت قصائِدُنا ,

وذابت مثلما ذُبْنَا كأشباهِ الرميم ..

يا ضَيعةَ الأشعَارِ

 إن فقدت كراماتِ الكريم ..

النفثةُ الرابعة

قَدَّمتُ للأشعارِ

كُلَّ مَشاعِري بينَ الدفاتِر ..

و الحِبرُ فَاتِر ..

و الموتُ يَجذبُني إلى

 عُمْقِ المَقَابِر ..

لا الصمتُ يُنقِذني,

ولا صوتي  ,

وليسَ يعيشُ إلا مَن يُغَامِر ..

جاهِر بِصَوتِ الحقِ جَاهِر

 ثُمَّ جَاهِر ..

صَابِر ,

وصَابِر

ثُمَّ صابِر ..

لا تخشى من بَطشِ العساكِر ..

مَن ماتَ دُونَ الصِدقِ ظَافِر ..

مَن ماتَ دُونَ العَدلِ شاكِر ..

لا تَخضَعنَّ لِكُلِ طاغوتٍ , وكافِر ..

الحقُ يبقى

 كُلُنَا نَمضي ,

وربُ العرشِ قَاهِر ..

 

النفثةُ الخامسة

مَأساةُ أشعارِ العرب ..,

أنَّ القَصائدَ لا تعيشُ

بِلا شُعورٍ مُلتَهب ..

تسمو بألوانِ الخُطب. .

وتموتُ في وزن الغضب ..

قد تلتوي

 قد تحتوي

قد تَرْعَوي,

 لكنها ليست تُفَكِّرُ بالهرب ..

تركوا الدواءَ,

ولم يُبالوا بالجرب ..

لا تسألوا يا أمتي

عَن شِعرِنا

في سالفِ الأزمانِ ,

أوفي نزوةِ الإنسانِ ,

أو في حَضرةِ السُلطانِ ,

ليسَ لنا سِوى الشعرِ الذهب ..

 

 

 

 

النفثةُ السادسة

احذر

 مِن الكَذِبِ الحلال ..

جُلُّ القصائدِ ترتمي تحتَ النِعَال ..

إن خَالَفَت لُغَةَ الحقيقةِ ,والجمال ..

حَاذِر

ألاعيبَ البلاغةِ,

والكلامِ النثرِ ,

و النثرِ المُحَال ..

ما في القَصَائِدِ مِن مَجَال ..

الشعرُ ليسَ قُصَاصَةً تُرمى

 بأطرافِ القِمَامَةِ

خَلفَ هاتيكَ السِلال ..

غابت مَلامِحُ شِعرِنَا,

أو صِدقِنَا

 في ظِلِ مَن أرخى الحِبَال ..

الشعرُ ليسَ عِمَامَةً

لُبِسَت على شكلِ العِقال ..

 

 

 

 

النفثةُ السابِعة

لا تغضبوا ,

بل فاثأروا للشعر مِن حُرَّاسِ

مَنطِقهِ الأصيل ..

لو أنَّهم منعوا مِن الأشعارِ

 أبواقَ الدخيل ..

ما كانَ أعيانا الكثيرُ,

أو القليل ..

نحيا حياةً مُرةً

لكنها ظِلُ المَقِيل ..

ما في الحياةِ ,وزيفها

دوماً نَقِيلُ,

ونستقيل ..

يا ليتنا نحيا شُمُوخاً

مثلَ قاماتِ النخيل ..,

ونموتُ مِثل النخلِ

ماتَ مُقاوِماً كالمستحيل ..

 

 

 

 

 

النفثةُ الثامنة

مَن ذا لهُ نُطْقٌ ولا يستفهمُ ..

مَن ذا لهُ شِعرٌ ولا يتقدمُ ..

الشعرُ آخِرُهُ الفَمُ ..

حتى يُرَاقَ على جوانبهِ الدمُ ..

كُلٌ بهِ يَتَكَلمُ ..

سمعوا بهِ ,

أو أنَّهم لم يسمعوا ..

مَن خانَ أحكامَ القصيدةِ

في الحقيقةِ يندمُ ..

لا ترحموا

مَن خانَ قَولَ الحقِ

 لا.. لا ترحموا ..

لا تسجدوا للظلمِ ,

أو تستسلموا

اللهُ يعلمُ أننا نتألمُ ..

لكننا مِن صَبرنا نَتَعَلّمُ  ..

الصبرُ حقٌ,

والمُصيبةُ أعظمُ ..

 

 

 

النفثةُ التاسعة

تعبَ الكلامُ

 مِن الكلام ..

السطرُ آخِرُهُ مِن الزيفِ المُدَام ..

وحلالُنَا في القولِ خَالطهُ الحَرَام ..

تعبَ الخِصَامُ

مِن الخِصَام ..

لو أنَّ كُلَّ قَصائدِ الشعراءِ

تَخرجُ من عَباءاتِ اللئام ..

ما كانَ أتعبنا الفُصَام ..

كُنَّا سنحيا في سلام ..

مَن خانَ دِينَ اللهِ

خانَ الاحترام ..

لا يسلمُ الشعرُ الأصيلُ مِن الخيانةِ,

والعمالة

 دُونَ أطراف الحُسام ..

 

 

 

 

 

 

النفثةُ العاشرة

عدمٌ عدم ..

والصوتُ جَلاّهُ النغم ..

مَن سار في دربِ الحقيقةِ

لم يهبْ موتَ اللغم ..

سيروا على الألغامِ

لا يرهب قصيدٌ مِن قَلم ..

لولا المشقة

سادَ مَن لا يُحترم ..

الموتُ في نُطق اللسانِ

 الحق أشرفُ من عدم ..

نادوا بألوانِ المَفَاخِرِ

كُلُنَا لحمٌ ودم ..

الفرقُ بينَ قَوينا ,

وضعيفنا ,

وشُجاعِنا ,

وجبانِنَا

فَرقُ الهِمَم ..

 

 

 

 

النفثة الحادية عشرة

في زحمةِ الأوطانِ ليسَ لنا مَكان ..

الجوعُ,والتشريدُ,

والحِرمَانُ,

والجِنسُ المُهان ..

وجوازُنا بين العساكِرِ

 أننا جُزْنَا ,

وجَاوزنَا الزمان ..

لا تسألوا عن وصفِنَا

 نحنُ انقرضنا ,

واندثرنا

مُنذُ أن حَكموا علينا بالمَذلةِ ,

والهوان ..

قطعوا البيانَ الحُرَّ,

واقتلعوا اللسان ..

أينَ الرِهانُ ؟! ,

و أينَ أصحابُ الرِهان ؟! ..

هذا هو الزمنُ الذي

 لم يرحم السلطانُ فيه الشعرَ,

 أو أهل البيان ..

هذا هو الزمن الذي بيع القصيدُ بهِ,

وسادَ البهلوان ..

النفثةُ الثانية عشرة

شَبِعوا

مِن وصفِ رَبَّاتِ الدلال ..,

فاستحالوا يمدحونَ الظلمَ,

والطُغيانَ ,

في بَعض النِعَال ..

كَذَبوا

 واسترخصوا القولَ

فباعوا الصِدقَ في كُلِّ مَقَال ..

نَافقوا ,

أو كَابَروا ,

واستسلموا للخوف في وقتِ النِزال ..

ألزموا أنفُسهم بالذُّلِّ,

والإذعانِ للأنذال

 في وقتِ النِضَال ..

ضَجِروا الواقِعَ

فاختاروا الخَيَال ..

و البِغَال

رَكِبَت مِن فَوقِهَا

 بَعضُ البِغال ..

 

 

 

النفثةُ الثالثة عشرة

قَتلَوا القصائدَ بالقُبَل ..

واسترخصوا

سِقْطَ الجُمَل ..

لم يرحموا وزنَ القصيدةِ بالحِيل ..

قتلوا القصيدة

 بالكلامِ النثرِ,

والنثر الهَمَل ..

سَمَلوا عُيونَ الشعرِ,

فانطفأت مساحاتُ المُقل ..

جاءوا بأنواع البلايا ,

والرّزايا ,

و استلذوا بالخَطل ..

لم يحفظوا حتى بقايا الصدقِ,

أو حتى بقايا من خَجل ..

 

 

 

 

 

 

 

 

النفثة الرابعة عشرة

لا تكتبوا قصيدةً

في عَصرنا

فالشعرُ قد ينحاز ..

الشعرُ في واقِعِنَا مُجاز ..

كُتَّابهُ قد شَرِبوا,

وطَرِبوا فهربوا (للجَاز) ..

كراهةُ الإعرابِ في عُروُقهم ..

رطانةُ الأغرابِ في سُلوكهم ..

رائحةُ الشرابِ في أُنوفهم ..

و صوتهم نشاز ..

الشعرُ في واقِعنا مُجاز ..

ودَّعهُ حُرَّاسُهُ

خوفاً مِن الإطنابِ, و الإيجاز ..

الشعرُ لا يرضى بأن

يبقى حبيسَ الكِذبِ و الإلغاز ..

 

 

 

 

 

 

النفثة الخامسة عشرة

ذُقْنَا المصائبَ والمِحَن ..

سِرنا وسيّرنا الوثن ..

أو قُل إذا شِئتَ الوطن ..

لم نلتفت للصالحينَ ,

فسيّرونا بالعفن..

دوماً نصيحُ ,

ونستبيحُ ,

ولا نُريحُ,

 على فضاءاتِ الزمن ..

دوماً نغيبُ ونختفي

في ظِلِ أحضانِ الوسن ..

النومُ خَدَّرنا

فوارانا الطُغاةُ بِلا كَفن ..