عاش الأسد

سعيد عبيد

ذ. سعيد عبيد / مكناس - المغرب

[email protected]

قبل الدخول:

مما يُزهِّدني في أرض أندلسٍ ***    أسماءُ معتمدٍ فيها ومعتضدِ

ألقابُ  مملكةٍ في غير موضعها ***    كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ

ابن شرف القيرواني

 

عاش الأسد!

الإهداء: إلى روح إبراهيم قاشوش

البلبل الذي أخرسوه

إني أنا الشعبَ الموقِّعَ أسفلهْ

ومعي مِن الغاب الشجرْ

ومعي الترابُ معي الهواءُ معي المطرْ

ومعي بإجماعٍ جميعُ الكائناتْ

وقد ﭐكْسَبتْها داهياتُ المرحلهْ

نُضجَ النظرْ

ومعي النجومُ معي القمرْ

نُعلي حناجرنا بصوت واحدٍ:

"عاش الأسد!"

ونظل نلهجُ ما حَيينا

بنشيدِها حِينا فحينا

حتى ولو ذهبتْ شَباةُ المِِقصلهْ

برؤوسنا وبِما ملَكْنا من حُروفٍ أجمعينا

***

"عاش الأسد!"

إن كان هذا العالَمُ المثبورُ

يشكو عِلّةً في حُمْرهِ المستأسِدَهْ

يمحو سُلالَتَها الزمانُ فتنقرضْ

فمليكُ غابتنا أصيلٌ نطفةً عن نطفةٍ من ألف جدّْ

وحِمى سلالتِه حديدٌ في زَرَدْ

لا يرتقي أسوارَ رَهْبتِهِ الفَناءْ

متفردٌ

أحدٌ... أحدْ

===       ***       ===

"عاش الأسد!"

وفِداه غابتُنا الجميلةُ

والزمانُ وما ولدْ

إذ لا مثيلَ له أحدْ

إنْ غابت الغاباتُ ثَمَّ نظيرُها

أو بادت الأزمانُ جدَّ جديدُها

أو ماتت الأولادُ قام حفيدُها

أما الأسدْ

لا... لا... لَلاَ...

الكونُ ينهدُّ

العروش تَثلَّمُ

المُلكُ ينقضُّ

النظامُ يُهدَّمُ

إن – لا سمحتَ إلهَنا – مرَّتْ بمُقلتكَ السعيدةِ هَبْوةٌ[2]

(عُذراً، مجردُ زلةٍ)

طافت بمقلتهِ السعيدة هَبْوةٌ

عَلِقتْ بِلِحْيتهِ المَهيبةِ نملةٌ بِوقاحةٍ 

أو شَوْكُ سوءٍ

غرَّهُ منكَ ارتفاقٌ رائعٌ وتحَلُّمُ

===       ***       ===

"عاش الأسد!"

إن قام ينظرُ للمدى

خاف العدوُّ من الرصَدْ

أو أَحَّ عَفواً أَحَّةً[3]

عاد النظامُ إلى البلدْ

وإذا استمر زئيرُهُ

خرَّتْ من الوجَلِ السَّما ذاتُ العَمدْ

===       ***       ===

"عاش الأسد!"

من يكْلأُ الغابَ الخضيرَ

ويرقُبُ المرعى النضيرَ

لشعبهِ

حتى إذا سمُنتْ جوانبُهُ ارتعدْ

لا تستطيع الأُسْدُ صبراً

إن رأتْ لحماً يفيضُ عن المقاسْ

تنتابُها حُمَّى الرُّعاشِ للاِفتراسْ

لا برْدَ يثلجُها سوى نهشِ الجسدْ

تدعو إذا قَرِمتْ بأخلصِ نيَّةٍ:

مَددٌ مَددْ!

سِيّانِ عندي جُملةً أمْ في قُدَدْ

===       ***       ===

"عاش الأسد!"

إن الرَّعيةَ لا يَلي أمرَ استقامتها أسدْ

مثل الأصافرِ، لا عددْ

مِثلُ اليتامى، لا مُعيلَ ولا سندْ

مثل الأباعِرِ هُمَّلاً في مهْمهٍ

تُركت بلا راعٍ فتاهتْ في البلدْ

===       ***       ===

"عاش الأسد!"

قلْ لي بِربّكَ

مَن يقوِّم زيغَنا

إلَّمْ يُقوِّمْه الأسدْ؟

أو من يُضرِّسُ عظمَنا

في غضبة الشَّرَفِ التي لا تُكبحُ

إلَّم يضرِّسْها الأسدْ؟

قلْ لي بحقِّ الحقِّ

هل... هل تسمحُ؟

ترضى بأن تقوى عظامُك شدّةً

لكنها لا تبتغي أسداً يَهيم بها

يُهشِّم صلبَها

آهٍ يُمشِّش مُخَّها

آهٍ يُفتِّتُها لشدَّة الاشتهاءْ؟

ترضى بأن تُذرى عظامُك في التراب كما الهَباءْ؟

هيَّا أجبْ

قل لي بحقِّ الحقِّ

مَن بشِواء لحمِ عيالِنا يومَ الكريهة يَقبلُ

وَهُمُ عيالٌ غُفَّلُ

بئس الولدْ

إلَّمْ يُشرِّف بالْتهامٍ لحمَهم فكَّا الأسدْ؟

===       ***       ===

"عاش الأسد!"

وكلابهُ وذئابهُ وثعالبُهْ

عاشت هي الأخرى!

تُسرِّي همَّهُ

عنهُ إذا غامَ المِزاجْ

وتُداعبُهْ

ولتنهشَ اللحمَ المُقدَّدَ بَعْدهُ

في رحلة الصيد التي إلَّمْ تُضرَّجْ بالدماءْ

كانت سُدى

كانت مجردَ تسليَهْ

والأُسْدُ تَكره أن تُمَضِّي وقتَها بالتزجيَهْ

===       ***       ===

"عاش الأسد!"...

"عاش الأسد!"...

 

تكملة بقلم شاهد عيان:

كانتْ جماهيرُ الهُتافْ

غرقى تُردِّدُ وِردها

بين ارتغابٍ وارتجافْ

إذْ أقبلتْ زُمَرُ الظِّباعْ

من أرْذلِ الدنيا ومن أقصى البقاعْ

ضربتْ بطوقٍ حولَ غابتنا الجميلةِ

ثمَّ أرسلتِ الوفودَ إلى الأسدْ

وفي الاجتماعْ

قرعُوا الكؤوسَ ببعضها وتفرقُوا.

في رمشةٍ فرَّ الأسدْ

وإلى الأبدْ

فتناهشتْ تلك الجِياعْ

لحمَ الرعيةِ لم تغادرْ من أحدْ

إلا الذين تظبَّعُوا

من قبلُ أو فوراً

وللصنمِ الجديد تضرَّعُوا

وبلحظةٍ ضاعَ البلدْ

وهنا بكى التاريخُ

عضَّ على اللسانْ

لم يستطعْ حتى الوقوفَ

لذا استنَدْ

ورمى من الغضب اليراعْ

ورمى بحكمته البليغة للرِّعاعْ:

"يا من ظللتمْ تهتفون بلا انقطاعْ

"عاش الأسدْ!... عاش الأسدْ!"

قد طالما نبَّهتُكم من قبلُ

فاستعذبتُمُ ذُلَّ الهُتافْ

أنذرتكمْ من قبلُ

لكن لم يصدِّقْني أحدْ

ها قد تبدَّدتِ الغَشاوةُ فانظرُوا..."

ذُهل الرعاعُ وقد رأوْا هولَ الخداعْ:

ما كان ثَمةَ من أسدْ

ما كان غيرَ ظُبيِّعٍ مِنهمْ

يُواريهِ قناعْ.

بعد الخروج:

مما يُخَوِّفني يا  أرض سوريةٍ   ****    أنذالُ شرذمةٍ تختالُ في  البلدِ

تبدو بأقنعةٍ تُخفي حقائقها ****   كالشأن من ظَبُعٍ في جِلدة الأسدِ

                

[1] - صدر له "الإهانة" (مجموعة قصصية) و"مكابدات في الطريق إلى النور" (شعر).

[2] - الهَبوة: الغبرة من دقيق تراب الأرض.

[3]- الأحة: السُّعال.