الثورة السورية بين السقوط والقنوط، السبع العجاف

محمد أحمد الزعبي

لابد من الإشارة بداية الى أن الثورة السورية هي جزؤ عضوي من ثورة / ثورات ( الربيع العربي ) ، التي كانت في بعدها القومي والوطني ، ثورات ( الحق على القوة  ) و ( الخير على الشر ) و ( الإنسان على التكنولوجيا ) ، إنها ثورات الجماهير العربية على حكام سايكس ـ بيكو العملاء الذين نصبهم وسلطهم الغرب المتفوق تكنولوجيا على رقاب  الشعب العربي  منذ وعد بلفور وحتى  يومنا هذا ،  وذلك بواسطة ( جيوش ) شكلها ودربها وسلحها هذا الغرب ، وسلطها على  رقاب  الجماهير ،  بعيدا عن أية ديموقراطية يمكن أن  تفتح عيون هذه الجماهير على واقعها الأسود في ظل هؤلاء الحكام ، وتقربها بالتالي من صندوق الإقتراع ( الحقيقي  وليس القائم على التدليس والكذب ) ، بوصفه السبيل الصحيح الى الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية والاقتصادية والسياسية . 

لم يكن عام 2011 هو عام  ثورات الربيع العربي  وحسب ، وإنما كان أيضاً عام انطلاق الثورة / الثورات المضادة لثورات هذا الربيع  ، حيث تحالف وتكاتف في إطار هذه الثورات المضادة لثورات الربيع العربي  كل من الحكام العرب  المستهدفين من الربيع العربي ،  وجيوشهم الجرارة ( أو المجرورة ) ،  والقوى الإمبريالية والاستعمارية التي اعتبرت أن استهداف عملائها إنما هو استهداف مباشر لها أيضاً . إن الانتصارات السريعة لثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن  ، أقض مضاجع القوى الاستعمارية ومضاجع الحكام العرب الآخرين ومن بينهم  نظام عائلة الأسد ،  فتسارع الطرفان الى التكاتف والتحالف ، وكان عليهم أن  يوقفوا ( دومينو ) هذا الربيع على الفور ، وكانت سوريا هي نقطة تلاقي هذين الطرفين  ، الأمر الذي أسعد عائلة الأسد ، وسمح لها بأن ترفض اليد الممدودة التي قدمها لها ثوار ربيع دمشق  وثوار آذار 2011 , بإجراء تغييرات دستورية وقانونية تعطي للشعب بعضا من حقوقه الديموقراطية المسلوبة ، ولا سيما حقه في الحرية والكرامة والعدالة ، ولكن هيهات ، فكيف  تقدم هذه العائلة قيد أنملة من التنازل لصالح الشعب السوري ، طالما أنها ( عائلة الأسد ) قادرة على الإستمرار في السلطة دونما أي تنازل  لمن يعتبرون أنفسهم ( الشعب السوري ) بينما تعتبرهم هي وحلفاؤها في الشرق  والغرب  ( إرهابيين ) وذلك  فقط لأنهم يطالبون ب ( الديموقراطية ) .


إن سكوت ( الغرب )  وهو المالك  والصانع  والمستخدم الأول  لتكنولوجيا القتل والدمار العسكرية  ( بدءاً بصناعة   الكلاشنكوف ، وانتهاء بتصنيع غاز السارين مروراً بالقنبلة الهيدروجينية والأسلحة النووية ) على كل ماجرى ويجري في سوريا منذ 18.03.2011 وحتى اليوم  ، إنما هو تشارك صامت  مؤلم ومؤسف ، في تدمير سوريا وإبادة مئات الألوف من سكانها ، وتهجير الملايين ، واعتقال عشرات الآلاف  ، وبمن فيهم آلاف الأطفال القصر والنساء اللائي  يمارس معهن في سجون بشارأبشع أنواع انتهاك القيم الإنسانية والأخلاقية وحقوق الإنسان ، وهو  ما تشير إليه آرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان ( روزنة)  في تقريرها الذي رصدت  فيه انتهاكات نظام  بشار الأسد في سوريا خلال سنوات الثورة السبع المنصرمة ( منذ آذار 2011 وحتى آذار 2018 )  والذي نقتبس منه الأرقام التالية  : 

      217764.   قتيلا مدنيا ، بينهم :  25726   أنثى ، و27296     طفلا  ، 

     13152.     تحت التعذيب ، 

     13,5         مليون مشرد قسريا ، 

     118829.   قيد الاعتقال  أو الاختفاء القسري

     96480.     برميلاً متفجرا  

     431         هجوما روسيا وسوريا بأسلحة عنقودية (  محرمة دوليا / م ز )، 

      212          هجوم كيماوي  ( محرمة دوليا / م ز ) ،  

      129.         هجوما روسيا وسوريا بأسلحة حارقة ( محرمة دوليا / م ز ) .    

إن مارأيناه بالأمس في كل مدن وقرى سوريا  ،  وما نراه اليوم  في الغوطة الشرقية  ، انما يمثل -  من وجهة نظر الكاتب - التحضيرات المسبقة التي كانت تقوم بها عائلة الأسد وشبيحتها  منذ عام 1963 ، استعدادا لمواجهة الشعب السوري ، الذي كانت  تعرف انه لن يسكت على ديكتاتوريتها ، ولا سيما بعد استيلاء ضباطها المحسوبين على حزب البعث ، على ثورة الثامن من  آذار1963 (بعد تصفية الضباط  الوحدويين و الناصريين )  ، ومن ثم على حزب البعث (بعد انقلاب 23 شباط 1966 على القيادة القومية للحزب ) ومن خلاله على الجيش ،( بعد استلام حافظ الأسد لوزارة  الدفاع  ) وأخيرا على الحكم عام 1970 (بعد أن تخلص من  أكبر خصمين عسكريين له هما اللواءان صلاح جديد ومحمد عمران ) ،  والذي ( الحكم ) ورّثه لابنه بشار عام 2000 م.

وكما يعرف القاصي والداني فإن هذا الإبن الوريث  قد تنازل ( طوعا أو كرها ) عن هذه ( الورثة ) الطائفية ( الحكم )  بعد اندلاع  ثورة الشعب السوري في آذار عام 2011 ،  بداية لآية الله خامنئي و تابعه حسن نصر الله  ،  ولاحقاً لفلادمير بوتن ،  حيث  بلغ عدد ضحايا الممارسات غير الإنسانية وغير الأخلاقية ( الإنتهاكات فقط ) لهذا الحلف الرباعي غير المقدس ماذكرناه أعلاه من الأرقام المفجعة والمؤلمة . 

لاننكر أن هذا التحالف الرباعي  للثورة المضادة للربيع العربي عامة ، وللثورة السورية خاصة ، قد سجل انتصارات عسكرية ملموسة  على الشعب السوري  هذه الأيام ، وبالذات على  المدنيين العزّل عامة  وعلى الأطفال والنساء والشيوخ من بينهم خاصة ، ولكن ما ننكره هو أن يسمى البعض ذلك انتصارا لنظام الأسد الوراثي الطائفي على ثورة آذار 2011 السورية الوطنية ، التي تلخصت مطالبها ( من نظام عائلة الأسد )  منذ  البداية وحتى اليوم بالحرية والكرامة ،  أي عمليا وتطبيقيا ب ( الديموقراطية وحقوق الإنسان ) .

إن  من يستعين بالقوى الأجنبية  على  شعبه لابد أن  يفقد شرعيته  يابشار بن حافظ الأسد ، ويتحول بالتالي اسمه من رئيس (الجمهورية العربية السورية) الى خائن الوطن ، ولن تستطيع  لا (سوخوي ) بوتن ولا  (ياحسين ) الخامنئي وحسن نصر الله، أن ينتشلاه  من مستنقع الخيانة الذي  وضع نفسه فيه  ، ولا من  أن يكون مصيره الحتمي  ( مزبلة التاريخ )  ، إن لم يكن اليوم فغدا ، وإن غداً لناظره قريب  . 

الثورة لم ولن تسقط  أو تقنط يابشار ويا بوتن ويا خامنئي ويا حسن نصر الله ، ذلك أن إرادة الشعب من إرادة الله ، و أن الحق أقوى من الباطل . ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا - الإسراء 81 )، وأنه :  

إذا الشعب يوما أراد الحياة     فلابد آن يستجيب القدر .