في الإرهابين الكبير والأكبر

زهير سالم*

لأمر ما لم تتفق المراجع والهيئات الدولية على تعريف محدد للإرهاب .

وليس السبب كما يزعم البعض غموض المفهوم أو تشابكه أو كون التعبير عنه قد استعصى على لغة آدم الذي تعلم منذ خلق تسمية الأشياء والأفكار والمفاهيم والتعبير عن المشاعر في أرقى صور التعبير .

كانت قضية الشعب السوري منذ أول يوم واضحة بسيطة مباشرة بل هي من أبسط معادلات الدرجة الأولى : شعب يريد ككل شعوب الأرض أن يمارس حقه في قراره وفِي اختيار حاكمه . المرجعيات الدولية التي حرمت ، حسب مواثيق حقوق الإنسان ، أن يغتصب الزوج زوجته في فراش الزوجية ؛ لم تجد في اغتصاب حاكم فرد متسلط لإرادة شعب جريمة ، وظلوا يرددون الوضع في سورية معقد ، ولا بد من حل سياسي ، ولا بد من تسوية بين المغتصِب والمغتَصب ليس في فراش الزوجية أقصد، فتلك الجريمة مبتوتة محسومة ؛ وإنما حيث وثق القيصر بخمسة وخمسين ألف وثيقة كيف تقع جريمة اغتصاب إرادة شعب على أجساد بشرية عاثرة لم يرق واحد منها لأن يعترف به كإنسان .

وكذا فإن تعريف الإرهاب ليس معقدا كما يزعمون ، والغرض من بقاء المفهوم العام للكلمة في الفضاء الهلامي الرجراج ان يمتلك المسيطرون ومنهم كثير من الإرهابيين الحقَ في التلاعب بالمفهوم وتفصيل التهمة بطريقة مرنة على كل من يخالفهم أو لا يسير في ركب أهوائهم ومصالحهم .

ولنبدأ الحديث بإطلاق القول في إدانة الإرهاب بكل صوره وأشكاله ومعانيه ومنطلقاته وآفاقه وتجلياته وتجسداته وأدواته وبإدانة المخططين والمبرمجين والمنفذين والداعمين والمستثمرين والمختبئين خلف أكمته التي يختبئ وراءها اليوم الذين يريدون تدمير كل خيّر وجميل ونبيل أبدعته حضارة الإنسان .

والإرهاب الذي يجب أن يرفض ويستنكر ويدان ويتعاون الجميع على الإحاطة به ، والأخذ على يد مسيسيه وداعميه هو الفتنة التي ما شرعت حضارةُ الإسلام القتالَ إلا لنفيها عن حياة الناس . وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة .

الإرهاب هو كل فعل يتكئ على القوة بأشكالها المادية والمعنوية لإكراه الناس الأفراد والجماعات والمجتمعات - خارج إطار القانون المنبثق عنهم المعبر عن إرادتهم - على اعتقاد أو سلوك أو موقف .

الإرهاب هو الإكراه في الإطار الذي نتحدث عنه والذي سبق للقرآن الكريم ان أطلق التحذير منه حتى في الدعوة إلى دين الله

 " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "

وإنه لإرهاب كبير منكر ومستنكر أن ينشر فرد أو مجموعة أفراد أشرعة الإكراه ليفرضوا على الناس عقائد وأفكارا وأنماط سلوك ومواقف خارج إطار القانون المعبر عن إرادة هؤلاء الناس الجمعية المسبقة.

ولكن هذا الإرهاب الكبير سيكون أكبر عندما  يستخدم  من يتولى حماية إرادة الناس وصونها مهمة العدوان عليها ، ومهمة إكراه الناس وفتنتهم عن عقولهم بالقمع والتخويف وعن قلوبهم بالتضليل والتزوير . الإرهاب الأكبر من الكبير ذلك الذي تمارسه السلطة المنظمة المدعيّة المستأثرة باسم الحق وباسم الخير فتعطي بذلك الشرعية المنقوضة  لممارسي الإرهاب الكبير ، أقرت بذلك أو لم تقر . وإذا كان للإرهاب الكبير من منابع في حياة الناس وفي أفكارهم ومعتقداتهم ومشاعرهم وأدواتهم فإن هذه المنابع من تلال الإرهاب الكبير تبدأ ؛ الإرهاب الذي يملك المدرسة والجامع والجامعة، ويملك الفضاء والأفق والعطاء والمنع ويملك الزنزانة والقنصلية والسوط والساطور والمنشار .

الإرهاب الأكبر هو إرهاب السلطة التي تلقب أحيانا زورا وبهتانا بالدولة ، وإرهاب القوانين التي لا تنبثق عن إرادة من تحكمهم ، ولا تعبر عن رؤاهم وتطلعاتهم .

هو إرهاب من يظلون يقرنون بين دم إنسان مظلوم وبين صفقة يسيل لها لعابهم . أو إرهاب من يطلق على الإرهابي حيوانا في أول النهار ثم لعله يعانقه في آخره.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية