أي كلام منمق جميل كان ينقص الشعب السوري

زهير سالم*

حول مدونة : لا أحد بريء .. المعنونة بمدونة السلوك

بعد عياط ومياط يزعمون أنه دام أكثر من عامين ؛ رفع المشرفون على مجموعة من السوريين طرف الستارة عن مدونة زعموا أنها مدونة سلوك للعيش المشترك . وأنها مدونة تم التوافق عليها بين سوريين وسوريين!!

وزعم الزاعمون أن عدد القائمين على المدونة يبلغ أربعين سوريا ، وأنهم من كل أطياف المجتمع السوري ومن المعارضة ومن الموالاة ، ومن الداخل ومن الخارج ، ومن أبناء السهل والجبل ، ومن أهل اليسار والفقر ، ومن أصحاب اليمين ومن أصحاب الشمال ..

المريب في الموضوع أن القائمين على طبخة المدونة يتسترون حتى الآن على أسماء الموقعين عليها لسبب لم تتضح بعد وجه المصلحة فيها . إلا أن العرب تقول : يكاد المريب أن يقول خذوني . وإن كان التسريب المتعمد لم يخف حقيقة " مَن ؟ " و " لماذا ؟ " و" كيف ؟ "

ليس من الحكمة أن يسارع العاقل إلى اتهام الناس ولا إلى لمزهم ولا إلى النيل منهم فما داموا يملكون شهادة ميلاد سورية فمن حقهم أن يجتمعوا " أربعين " .. وفي اجتماع الأربعين في بلد يحرم قانونه اجتماع الخمسة منذ أكثر من نصف قرن دلالة وأي دلالة ؛ وفي رمزية الأربعين عند الذين يعتبرون الأرقام رموزا للحقائق الكونية الكبرى ما يعجز عنه علم القاصرين . نقول من حق السوريين أن يجتمعوا ومن حقهم" أن " يفكروا " وأن " يقدروا " وإن كنا نظن أن الحوارات لو دارت في صالات دمشقية لكانت أولى بالدلالة وبالمصداقية وأولى بالإصغاء لمن يريد الحق وليس ابن عمه أو يريد أن يدير الخطاب على قاعدة ( تعا ولا تجي ) ...

من حق كل سوري ولو بالميلاد أن يدلي بدلوه ، وأن يعبر عن رأيه ، ولكن ليس من حق أي سوري أن يدّعي وليس من حق أي سوري أن يشهد على سوري آخر بالزور..أن يدعي أنه يمثله أو أنه يلزمه في شيء

وسأفترض أن المدونة قد خرجت للتو من أدراج " علي مملوك " أو " سهيل الحسن " أو حتى " قاسم سليماني " أو " لافروف " أو " من الضاحية الجنوبية " كل هذا لا يهم لأن من شأن العاقل أن يستمع للعقلاء ولغيرهم ، وللمحقين وللمبطلين على السواء ..ثم

لنقل إنه جميل كل ما في المدونة من كلام منمق جميل ..

ولكن متى كانت الحياة " القومية " أو " الوطنية " أو " السياسية " أو " الاقتصادية " أو" الاجتماعية " أو " الثقافية " في سورية ينقصها الكلام المنمق الجميل ..؟!

متى أعلن الطائفيون في سورية طائفيتهم دثارا مع أنها كانت دائما حسب لغة العرب شعارا يباشر الجسد ويلامس الشغاف ..

هل نقصهم يوما " بيان " أبلغ من كل ما في أخوية " المدونة " من بيان .. الوحدة القومية والوحدة الوطنية والوحدة الاجتماعية والتعددية السياسية والديمقراطية والتشاركية وحقوق الإنسان وعلمانية المفتي حسون وأنه مفتن لكل الأديان والمذاهب وليس للمسلمين وأهل السنة فقط ، فهو حسب ما تتطلبه المدونة المفتي العام مثله مثل الأمين العام ..

سورية الجمهورية الوراثية لم يكن ينقصها ديموقراطية ولا تعددية ولا وحدة وطنية قبل المدونة وما كان فيها أبلغ وأجمل من كل ما نمقه المنمقون..

التناسل الوراثي الجمهوري حيث الشعب ينتخب النطف التي لم تخلق بعد ، لم يكن في القصر الجمهوري فقط ..التناسل الديمقراطي الوراثي كان في سورية الأسدية في كل سرير وفي كل مؤسسة في القصر الجمهوري وفي وزارة الأوقاف وفي السفارة السورية الشكورية في باريس مثلا حيث ورثت لمياء اجوزيف على مرأى ومسمع من الديموقراطية التشاركية القومية الوطنية البروليتارية الاشتراكية التعبوية للصمود والتصدي والتوازن الاستراتيجي .. أليس هذا الكلام المأكول الذي يلوكه كل من يتحدث عن حل على طريقة أوباما وترامب وبوتين والولي الفقيه .

ماذا كان ينقصنا في سورية من دفء هذه الشعارات وحميميتها وتعبيرها عن "كلنا الوطني " الذي كان يعلق في كل أسبوع مائة شاب على أعواد المشانق على مدى عشر سنوات ؟! مائة شاب من المنغصين على الوحدة الوطنية المتمردين على مواضعات مدونة السلوك ؟! . الحقيقة أعلاه من اعتراف وإقرار وزير الدفاع المتباهي بعمليات الإعدام وليس من ادعاءات معارض طائفي مأزوم .. وزير الدفاع المنمق بفن الطبخ والمنمق بتعقب الجميلات .

الكلام المنمق الجميل المرصوف في المدونة يضحك به بعض من نمقه على بعض من تاه في بيدائه .. أما قول الزور المردود على أهله وعلى كل من قاربه وأقر به وشهد عليه . فهو زعم الموقعين على ما دُبج لهم أنه " لا أحد بريء" في المشهد السوري!!

لا أحد بريء .. لا أطفال درعا ..

لا أحد بريء لا حمزة الخطيب .. ولا هاجر الشرعي

لا أحد بريء ... ولا الأطفال الذين مزق رئاتهم السارين .. ومن ثم الكلور ..

لا أحد بريء .. ولا أولئك الذين قصفوا في حواضن خداجهم في المستشفيات ..

أو طمروا تحت أنقاض بيوتهم ..

لا أحد بريء .. ولا غياث مطر ولا صاحب الحنجرة المصطلمة لأنه غنى للحرية ..

لا أحد بريء ... ولا ضحايا البراميل المتفجرة للطيار الأسدي ..

لا أحد بريء .. ولا أولئك الذين دهمهم هوام الأرض في ديارهم ومساكنهم وقراهم وحقولهم يطالبونهم بثارات الحسين .. ثارت مشهد لم يعيشوه ودم لم يسفكوه ..!!

لا أحد بريء في المشهد السوري حتى أولئك الذين أخذ لافروف على نفسه عهدا منذ 2012 " أهل السنة " والتعبير له وليس لي وأنهم لن يحكموا سورية لأنهم يشكلون خطرا ..

لا أحد بريء ... ولا أولئك الذين جرب فيهم شويغو وزير الدفاع الروسي 361 سلاحا استراتجيا ..

لا أحد بريء ... ولا النساء المغتصبات اللواتي كانت جريمتهن الكبرى أنهن خلقن إناثا وفي عهد الوحدة الوطنية وعهد أصحاب مدونة السلوك الجميلة ..

لا أحد بريء .. ولا أحد عشر ألف إنسان وثق سيزر الجميل طرائق موتهم الجميلة ".. التي يحق لكل آدمي شهدها وامتنع عن وقفها وهو قادر أن يباهي بها ..

لا أحد بريء ...لا مئات الألوف من الشهداء الذين قتلوا ..ولا ملايين السوريين الذين هُجروا ..لا الأطفال تدمر مدارسهم ، ولا الأمهات يشردن من محاضنهم ...

لا أحد في المشهد السوري بريء ....

 حسب شهادة شهود" مدونة السلوك " الأجمل يوقع عليها ثلة من شهود الزور ... الأقبح في شهادة الزور على مر التاريخ ..

اللهم انزل سخطك وغضبك على الذين يبغون في الأرض بغير الحق ..على الذين يقتلون الناس .. وعلى الذين يعذبون الناس .. وعلى الذين يشردون الناس .. وعلى الذين يستعبدون الناس .. وعلى الذين يشهدون بالإفك والزور على الناس ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية