الجريمة الروسية في أسبوع !!

زهير سالم*

يختلف السوريون المعارضون لزمرة الاستبداد والفساد في تقويم الدور الروسي ، وفي تحديد موقف صارم منه ، وكذا في اعتماد طرق عملية للتصدي له ولمقاومته .

 الاختلاف في تقويم الدور الروسي ، وفي حسم الموقف منه ؛ كانت له خلفياته الإيديولوجية والثقافية والسياسية على مستوى النخب السورية وبعض ارتباطاتها الإقليمية والدولية . بكل الثقة نستطيع أن نؤكد أن تجليات الاختلاف في تقويم الموقف من الدور الروسي لم تبدأ من "أستانا" أو " سوتشي " بل كانت أسبق بكثير . وما تزال حتى الآن تتجلى في أمرين خطرين تجعل بعض السوريين السوريين يضعون على هيئات المعارضة السورية أكثر من علامة استفهام :

 الأول أن موسكو مع أنها تبنت " كُبر الجريمة " في سورية استطاعت أن تفرض على ما يسمى المعارضة السورية منصة خاصة بها " منصة موسكو " حالة قد يستوعبها عقل سياسي مرد على الالتفاف والشقلبة ولكن لن يستوعبها أبدا عقل ثائر بني على أن الثورة أقصر الطرق للخلاص .

والثاني أن الأخبار المصنعة في موسكو " للتضليل " و " وتزييف وعي السوريين " ما تزال تلقى من النخب إياها العناية والتضخيم والتركيز والتبشير . ولا يفتأ الإعلام الروسي من الدرجة الثالثة يلقي للقوم بعض فتات متعدد الأغراض فتكون " الفتة أو المضغة الممضوغة " موضع احتفاء المحتفين ..

حين أتابع معارك أصحاب منصة موسكو وهم أكثر بكثير مما يقدر المقدورون أجد أن ما بذلوه من جهد ضد الثورة ، أهدافها ، شعاراتها، حاملي لوائها أكثر مما دونوه بأطنان الأطنان ضد مشروع الاستبداد والفساد !!

نحن لا نظن أن أصحاب البوصلة الوطنية السورية يترددون في تقويم الموقف الدولي الحقيقي مما يجري في سورية . بل هم الأكثر وعيا دائما أن الاختلاف في ألوان الطيف لا يعني عندما تدور عجلة الفعل بالسرعة المفروضة الكثير . ولكن أصحاب منصة " موسكو " بخلفيتها الأوسع كلهم يعتقدون بل يجمعون على أن السفير والوزير هو الصديق وأن السوري الثائر هو العدو . والتعبير عن العداء جنون وفنون . وأحيانا يكون بعض الصمت من الجنون أو من الفنون

والهدف من هذا المقال ليس الإتيان بالجديد ، ولا توضيح الواضح ، أو تأكيد المؤكد وإنما الهدف منه استفزاز الذين يلعبون بتنبيههم أن أعداءنا الروس لا يلعبون . وأن عليهم إذا أرادوا أن يستمروا أن يمروا ليتركوا لمن وراءهم العبء من الذين يعوون ويستطيعون .

سنحاول في هذا المقال رصد أبرز ملامح الدور الروسي في سورية على مدى عشرة أسبوع . والخلاصة الجديدة التي يمكن أن نصوغها في هذا السياق هي أن جهاز الدولة الروسية بكل مؤسساته ينغمس في مشروع الانقضاض على سورية وكأن قضية سورية هي القضية الأولى على أجندة الدولة الروسية . وكأن الروس على كل المستويات لا قضية لديهم غير ابتلاع سورية والقضاء على السوريين . حتى قضاياهم الكبرى على مستوى العالم جعلوها وراء وراء وهم يكيدون ويمكرون.

على الأرض السورية ما تزال الطائرات الروسية والمرتزقة الروس يتابعون إهلاك الحرث والنسل . فما زال القصف على البلدات والقرى والأحياء السكنية مستمرا آناء الليل وأطراف النهار ولا تجدي شيئا كل التحذيرات وإن كانت من ترامب ، ولا الاتصالات وإن كانت من شريك ضامن مثل الرئيس أردوغان . القصف الروسي الذي لا يعلق عليه الجالسون على المنصات بمسمياتها لا يتورع عن قصف أرتال سيارات اللاجئين المزدحمة بالنساء والأطفال .

والطيران الروسي الذي اعتمد وفق خطة عسكرية مقررة استهداف المستشفيات والمدارس والمخابز والمساجد يقدم في الوقت الذي يسود فيه البرد والخوف والجوع على قصف مخبز النور الآلي الوحيد في قرية معصران .. فعل ذلك فجر السبت 28/ 12 / استكمال لحملة التجويع والتدمير لأناس المنطقة . ويقول لك موسكوي عتيق : صدفة ..

التهجير والتجويع استراتيجية

وكانت الحكومة الروسية قبل ذلك بأيام وعن طريق مندوبها الدائم في مجلس الأمن قد أحبطت بقرار الفيتو الذي اتخذته مع حليفتها الصين في 20/ 12 / قرارا أممياً يهدف إلى الاستمرار في سياسة تعدد البوابات لتزويد السوريين الهائمين على وجوههم بالغذاء . وليظل ذلك محصورا بيد بشار ولمن يوالي بشار . قرار محبوك ينجدل تماما مع ما أقدم عليه الطيار الروسي عندما قصف مخبز معصران !!

والروس والدفاع عن الجريمة ..

ولأن الروس لا ييأسون فقد قاموا في الوقت عينه – خلال أسبوع مضى- بتقديم مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة للتعديل في دور الآلية الأممية لجمع الأدلة عن الجرائم الأخطر في سورية . ودعا مشروع القرار الروسي إلى إلغاء كافة الكلمات والعبارات التي تضمن الحياد والاستقلالية في التحقيق ، ليجعلوا من عناصر الآلية الدولية مجرد أجراء عند أجهزة المخابرات .

صحيح أن القرار قد فشل بمعارضة 88 دولة وامتناع 47 دولة عن التصويت . ولكن المعارضين السوريين الذين لا يدرون لم يروا أن من واجبهم أن يتساءلوا عن الدول السبع والأربعين .. الدول الممتنعة عن التصويت ؟! وعن جواب منصة القاهرة عن سر امتناع القاهرة عن التصويت ..

وفي الأثناء وفي 25/ 12 / - ليس موعد عيد الميلاد عند الأرثوذكس – كانت اللجنة الحكومية ( الروسية – السورية ) مجتمعة في موسكو الأولى برئاسة نائب رئيس الوزراء الروسي والثانية برئاسة نائب رئيس الوزراء السوري وليد المعلم ، لوضع برتوكول مشترك يمكن الحكومة الروسية من وضع اليد على منجم الجمارك السورية الذي هو أخطر من بئر نفط عميق . ويتم كل ذلك بالطبع حسب برتوكول متفق عليه بين دولتين ذواتي سيادة ..

ربما بقي للواشي أن ينبه أصحاب البرتوكولات الروسية عن بئر جوازات السفر وما يدره ضرعها من حليب لينظم احتواؤها ببرتوكول عتيد ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية