محددات الاحتلال الروسي لسورية، حتى لا تزيغ أبصار أقوام ..

زهير سالم*

وبداية نصر على تسمية الوجود الروسي في سورية احتلالا . كما نرى في التسلط الماوفياوي الأسدي احتلالا من نوع آخر ، فنقول والاحتلال لا يشرعن الاحتلال .

ونعود فنقول وإذا كان الاحتلال الروسي لسورية قد أصبح أمرا واقعا ، ولا بد للسوريين المعنيين ببناء وطنهم ، وخلاص شعبهم من التعامل معه ؛ فإنهم لا يجوز أن ينسوا أو يتناسوا ثلاثة محددات ، أعلن عنها الروس أنفسهم يوم قرروا احتلال  الأرض السورية ، على أعين الناس . بل بالتواطؤ مع الكثير منهم . ..

ثلاث محددات مشهرة معلنة سابقة حاكمة نذكر بها الغافلين والمتناسين ، لاشيء مما نكتبه في هذا السياق عن رؤية وتحليل واستخلاص واستنباط  وإنما هي النصوص المعلنة بالإقرار مع سبق الإصرار ...

المحدد الأول احتلال : صليبي نصراني أرثوذكسي ..

هكذا أراده الروس في آفاقه الثلاثة . وكما انطلقت الحملات الصليبية إلى الأرض السورية - بلاد الشام - في القرن الثاني عشر برعاية البابا أوربان حبر الكاثوليك ثم من تلاه ..فقد انطلقت الحملة الصليبية الروسية إلى سورية بمباركة بطرك الكنيسة الشرقية الروسية جهارا نهارا . هكذا أرادها " القيصر الروسي " بوتن " سليل أجهزة المخابرات السوفييتية . لم يستطع أن يغالب نفسه في التستر أو التجمل أو التعلمن أو كل البراقع التي تخفي وراءها الغرائز المتوحشة في أعماق من ذكرنا .. ومن كان منكرا شيئا مما ذكرت ، فلينكره على معلنيه ، وليس عليّ !! 

طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ظلت روسية القيصرية تشن الحروب على الدولة العثمانية بذريعتين : حماية مسيحيي الشرق ، وحماية الأرثوذكس في الشرق . قريبا من عشرين معركة كبرى في قرنين شنها الروس على الدولة العثمانية تحت هذين العنوانين ، والكلام نفسها سمعناه مرات ومرات من القادة الروس خلال خمس سنوات من احتلالهم لسورية . حماية المسيحيين ، حماية الأرثوذكس ؛ نطق بهما نصا ولفظا سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي ، وسيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي ، وانضم إليهما ثالثا قائد قاعدة حميميم على الأرض السورية المحتلة ، عندما وجه كلامه للنصارى الأرثوذكس في ريف مدينة حماة محردة وما حولها: من أجل حمايتكم جئنا ..فماذا ترون ..بل ربما قال : فماذا تأمرون!!

لا نريد أن نعلق فالتعليق على هذه الإعلانات المتواترة المتكررة يفقد الرسالة في هذا السياق مغزاها . جاء الروس محتلين إلى سورية ، ليجعلوا أهلها شيعا ، ويرفعوا بعضهم فوق بعض ، ومن أراد أن يحاور الناس أو يجادلهم أو يفاوضهم أو يقاربهم فليبدأ من هنا ..

ونزيد فنقول إن أي سوري يتجاهل هذه الحقيقة تحت أي عنوان خائن لدينه ولوطنه ولدماء الشهداء ولعذابات المعذبين ، ولتضحيات المضحين ...

المحدد الثاني للاحتلال الروسي لسورية ..

وقد تكرر الإعلان عنه مرات ومرات  ، وقد نطق به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جهارا نهارا  أبلق أقرع من غير تورية ولا كناية : المحدد الثاني هو الحيلولة بين " أهل السنة " وبين حكم سورية . وكل ما يقال غير ذلك عن هدف الاحتلال الروسي لسورية فهو تفصيل . وحسب نص لافروف أيضا : حكم أهل السنة لسورية يشكل خطرا ؟! على مَن ؟ لم يقل لافروف ، ولكنني أعلم ، ولكنكم أيضا تعلمون ..!!

منذ أيام كان مسئولون روس مع بعض السوريين فأوصوهم : لا تكرروا هذه العبارة - لن نسمح لأهل السنة بحكم سورية - لا تكرروها  هكذا بلقاء قرعاء فإنها تؤذينا.. الروسي يتكلم من موقع عنجهية القوة ، وهؤلاء يوصون من موقع من مرد على التقية.. يعلمون معلميهم في الكذب الوطني لنا مندوحة وغنى ..

ومرة أخرى على الذين يرون مصلحة واقعية في فن المداراة والمجاراة أن يتذكروا هذا ، وأن لا ينسوه ، وأن يبدؤوا به ولا يشغلوا أنفسهم بالتفاصيل ..فإن الشياطين تكمن في التفاصيل ..ومن تجاهل هذا المحدد ، وأغضى عليه فقد أقر به . ومن أقر به فقد هان وخان ..

إلا أن يتفقوا مع الروس على أن يسطروا في مطلع دستورهم القادم : ولا يجوز لمسلم سني أن يحكم سورية ..لأن ذلك يشكل خطرا ...!!

المحدد الثالث : هو هذه المعاهدات أو الاتفاقيات أو عقود الاذعان التي وقعها بشار الأسد مع الروس منذ 2011 وحتى اليوم ..

وهي مهما كان رأينا فيها ، أو رأينا في بشار الأسد ، قد أصبحت بحكم القانون الدولي ملزمة للشعب السوري خلال نصف قرن قادم على الأقل ..وما أقسى القانون الدولي حين يحكم على المستضعفين والضعفاء ..

معاهدات واتفاقات وعقود تمكن اليد الروسية من البر والبحر والجو والأبلغ من كل ذلك تمكنه من رقبة الإنسان ، من كده ومن لقمة عيشه ، ومن ثمرة ما يخرج من ألأرض ومن بركة ما ينزل من السماء ..

هذه المحددات الثلاث هي التي ترسم أفق علاقة أي سوري حر نزيه مع الروس. حقائق لا يمكن أن نقفز عليها ، ولا أن نتجاوزها ؛ لا في علاقتنا مع الروس ، ولا في علاقتنا مع من يليهم ..

من يليهم داخل سورية ..

ومن يليهم خارجها .. ولعلكم تعقلون ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية