في سورية: الوقت من دم

زهير سالم*

السوريون عالقون بين المعارضين الخليين .. وحكايا الضامنين .. ووعود المانحين

وثقت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الشهري مقتل 174 سوريا في شهر حزيران / 2020 .. أي بمعدل ستة أشخاص كل يوم . وإنسان كل أربع ساعات . وعندما نقول يقتل إنسان في كل أربع ساعات علينا أن نضع الأمر في نصابه الحقيقي لنخرج من إطار الرقم المجرد الميت إلى إطار التصور الإنساني الحقيقي ، فنتصور هذا القتيل "الواحد" إنسانا باسمه ورسمه وأمه وأبيه وزوجه وبنيه ، وأن هذا الواحد قد يكون لكل واحد منا أخا أو ابن أخ أو قريبا أو صديقا أو جارا . وأنه هو محمد أو أحمد أو عمر أو عثمان وهي عائشة أو حفصة أو فاطمة أو زينب ..!!

حسب تقرير اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن تسعين إنسانا من هؤلاء قد قُتلوا تحت التعذيب في سجون بشار . والقتل تحت التعذيب هو القتل الأشد ، والجريمة العمد ، والفعل الإرهابي الحقيقي الذي يقره ويشترك فيه كل المجتمع الدولي ، الذي يدعي إعلان الحرب على الإرهاب !!

وتتابع اللجنة أن خمسة عشر من هؤلاء القتلى كانوا من الأطفال . وأربع كنّ من النساء ..

والذي أريد أن أضيفه هنا أن نصف شهر حزيران الذي نحكي عنه قد مضى في ظل ما سمي للضحك على العقول وليس على الذقون " قانون قيصر "

واستنادا على هذا نقول : إن الوقت في سورية من دم . وأنه لا وقت لدى أهل الرشد من السوريين – إن وجدوا - يضيعونه ؛ نقول هذا بينما ما تزال هيئات المعارضة السورية التي فرضت كما بشار الأسد على ثورة الشعب السوري ؛ ما تزال منهمكة في عمليات الفك والتركيب والجمع والتفريق ، ما يزالون هناك منذ عشر سنين وما يزال شلال الدم السوري على الأرض السورية يتصبب !!

في هذا المشهد الراعف والأليم يبحث السوري العالق في سياقات العتمة والقسوة واللامبالاة عن كلمة يظنها جذوة توقد أملا ليبني عليها ، ويعلل نفسها بالأماني يكذبها . فلا يجني إلا ما تعيشون وتعايشون .

يستمع السوري العالق إلى ما سمي بقمة الضامنين لأستانة ، وهو عنوان جديد ، غير ما تعودنا سماعه عن " قمة أستانا " ويتابع إجماع الرؤساء الثلاثة : بوتين وأردوغان وروحاني ، على ما يسمى " وحدة الأراضي السورية " فيعلم أنهم يجمعون على مشترك لفظي ، لا جدوى من الحديث عنه ، بعضهم يتحدث عن وحدة الأراضي السورية تحت سلطة الظالم المستبد مثلا ، وبعضهم يمتلك تصورا أخرى تجعله يتمسك بسورية موحدة لا يهدد جواره فيها دولة مارقة ، تكون قاعدة للشر يضرب ذات اليمين وذات الشمال . تسمع الرؤساء الثلاثة يتحدثون عن الحل السياسي مثلا !! ويعجب السوري العالق : هل المقصود بالحل السياسي هذا الذي ما زالوا يمهدون له منذ عشر سنين : روسا وأمريكيين وإيرانيين ، والذي كلف التمهيد له حتى الآن نحوا من مليون شهيد ، وأربعة عشر مليون مهجر!! يسمع عن عودة النازحين والمهجرين ، وأي عودة والسجون الأسدية ما تزال تحتفظ بمئات الألوف من المواطنات والمواطنين تحت عنوان : " قوائم برسم التمويت " كالتي كان يوقع عليها مصطفى طلاس أسبوعيا من قبل وعلى مدى عشر سنين!!

 عندما كنا أطفالا كانوا يعلموننا : أن الوقت من ذهب . ولكننا عندما كبرنا علمتنا السياسة العالمية في وطننا سورية : أن الوقت من دم. ومنذ عشر سنوات يرتفع عدد الشهداء ، وعدد المعتقلين ، وعدد الجرحى ، وعدد المهجرين ، وعدد الفقراء والمفقرين ، وعدد الجائعين والمجوعين ، وعدد المرضى والزمنى والمعاقين !!

ثم نولي وجوهنا صوب مؤتمر المانحين في بروكسل، وفي نسخته الرابعة ، ونستمع إلى الحكايات والأقاويل والوعود المموهة ، والمساعدات الممنوحة والحديث عن المليارات الممزوجة بالمن والأذى والتي ظلت طوال عشر سنوات تصرف على تغذية الجريمة والمجرمين .. وحسب تقاريرهم الأمريكية 92% منها إلى خزانة بشار . وحسب التقارير البريطانية 83% في نفس السبيل ..

أيها السوريون العالقون ..

إن المطلوب منا – كما يرسمون - أن نرضى بأي حل ، يفرضونه على أصحاب المنصات ، فنرضى بما يرضون. وهذا الذي لا ينبغي أن يكون. أن أي حل لا يبنى على قاعدة العدل لا يدوم . وإن أي حياة لا تضفي علينا بروحها عدلا وكرامة واختيارا ... لا تستحق .. وإن لم نأبَ نحن فإن دماء الشهداء تأبى ,صيحات الحرائر المكبوتة تضج ..

وإذا كان لم يبق من سورية الذبيحة اليوم غير جلدها : فإن الشاة لا يؤلمها السلخ بعد الذبح . كذا قالت ذات النطاقين سيدتنا...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية