عن مؤتمر اللاجئين المنعقد في دمشق

زهير سالم*

حول استراتيجية التهجير - ولن تكون سورية الأرض اليباب

كتبت منذ أسبوع عن مؤتمر اللاجئين الذي يحركه بوتين ولافروف ، كتبت عن خلفياته وعن تداعياته ، وعن أهداف الذين يتشاغلون بالانشغال به. ولا أريد اليوم أن أزيد ..وإنما أريد أولا أن أسجل شكرا وباسم كل من يحب أن يضم اسمه إلى قائمة الشاكرين من السوريات والسوريين ..

ونتوجه بالشكر والتقدير والعرفان والثناء ، لكل الذين آووا وأعانوا وأغاثوا دولا وقادة وشعوبا جماعات وأفرادا ..

نشكر لكل من تبسم في وجه سوري لاجئ ..نشكر كلَّ من وطّأ كنفه للاجئ ، نشكر كلّ من خفض جناحه للاجئ ، نشكر كلَّ وسّع ضيقه للاجئ ، نشكر كل من تقاسم رغيف قوته مع لاجئ ، نشكر كلَّ من أحسن إلى لاجئ ولو بشق تمرة أو شطر كلمة ...

 

والكرام أشد شكرا للكرام حين يحسنون ..

وأريد في هذا المقام أيضا أن ألقي شعاعا على تاريخ التغريبة السورية التي امتدت يوما حتى طالت من صنعوها ..

وكانت التغريبة السورية في القرن التاسع عشر تغريبة محدودة بيّنة الحدود والأبعاد ..

وتأسست التغريبة السورية في القرن العشرين منذ أن حكم البعث في مطلع الستينات ، وهاجر عن سورية منذ الثامن من آذار 1963 علماؤها ومفكروها ونخبها ووجهاؤها ورجال الرأي والفكر فيها ، فغصت بهم المهاجر ، وكنت ترى تحت كل نجم نجما للسوريين ، وتخنقك العبرة وأنت تسأل الناس عنهم : أين شكري القوتلي ؟! أين رشدي بيك الكيخيا ؟! أين معروف الدواليبي ؟! أين ناظم بيك القدسي ؟! أين الأستاذ عصام العطار ،؟! أين الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ؟! أين عمر بهاد الدين الأميري ؟! أين الشاعر عمر أبو ريشة ؟! أين نزار القباني أين أين أين ؟ ثم صرت تسأل : وأين صلاح البيطار ؟! وأين أكرم الحوراني ؟! وأين ميشيل عفلق ، كلهم قد ابتلعتهم السجون أو المهاجر والذين نسيت أكثر ممن ذكرت !!

وتجيبك الدار وأنت فيها تعيش يتمك ألوانا : ما في حدا لا تندهي ما في حدا ..

وأقسى يتم عاشه عربي قول قائلهم :

خلت الديار فسدت غير مسوّد .. ومن العناء تفردي بالسؤدد

ثم كانت الموجة الثانية من المهاجرين ، أعمق وأشمل فمائة ألف سوري قتّلوا في أحياء المدن ،أو على أعواد تدمر ... ومثلهم في زوايا الأرض هجّروا وظلت رسائلهم دوما : اطمئنوا وطمنونا عنكم . أو توفيت فاطمة إلى رحمة الله ، ورزقت عائشة بولد . وطوى هذه الغربة عقودا سوريون أحرار ، أبوا أن يعطوا الدنية ، لمستبد وفاسد ..

وكل الذين يتهمون السوريين اليوم كذابون ، وكل الذين يلتمسون العذر للأسدين فيما فعلا بهم دجالون ..

لم يملك السوريون خارج سجونهم ولا داخلها رفاهية الإضراب عن الطعام ، ففي سورية الأسد تكون البطولة كل البطولة أن تكون قادرا على استبقاء ذاتك - غيظا لعدوك - بأكل ما يقدم لك مما يسمى طعاما ..

ثم كانت التغريبة الثالثة .. التغريبة الكبرى ، والتي وقعت على مدى عقد .. .. وكل تغريبة وقعت في سورية وقعت بإرادة وعلم وتقدير الصهيوني والصفوي والروسي والأمريكي ..وأقول هم في دمنا وفي غربتنا وفي تعذبينا سواء ..

وسنظل نشكر ، ونجدد الشكر ، ونؤكد الشكر ..فلا أحد من الذين استقبلونا شردنا، وهجّرنا وإنما هجرنا حافظ الأسد وبشار الأسد وحسن نصر الله وعلي خمنئي وبيبي نتنياهو .. وكل هؤلاء في مركب واحد ويعملون على مشروع واحد ولهم في صفوف أمتنا أبواق وصهوات ..

ولقد علم أصحاب المشروعات المريبة من صهيوني وصفوي وشركاهم أنهم لن يستطيعوا أن يغطوا الأرض السورية ، ولا أن يسيطروا على الأرض السورية ، فقرروا أن يجعلوا من سورية " الأرض اليباب " ...

وستبقى أرض الشام كل الشام ودودا ولودا .. موارة بالنساء والرجال ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية