مع استئناف الثورة وليس استمرارها

زهير سالم*

أكثر من عشرة أعوام تفصلنا عن انطلاقة الثورة السورية. وانطلقت الثورة السورية يوم انطلقت تلقائية عفوية عاطفية بحيث نقول إنها كانت أشبه بردة الفعل على توحش "الزمرة" المتسلطة، وعنجهيتها، وتجاوزها كل القيم والمعايير.

ومع كل ما في التلقائية والعفوية من نصوع وخلوص وجمال، إلا أنها تبقى غير قادرة على الوفاء بحق موقف وقرار أصبح مع مرور الوقت أكثر تداخلا وتعقيدا..

ولقد اكتشف السوريون الأحرار خلال عشرة أعوام مرت من المعطيات والمستجدات والمعلومات ما يتطلب منهم، بل ويحتم عليهم، مع تمسكهم بأهداف ثورتهم الأعلى : عدل ومساواة وحرية وكرامة إنسانية ووطنية؛أن يعيدوا النظر في كثير من الوسائل والأساليب وكذا في كثير من مفاصل الخطاب الذي تبناه البعض، حتى اضطرب على الناس موردهم الذي يردون..

 

إن تأكيدنا على استمرار الثورة بمعنى التمسك بالأهداف الوطنية الجمعية السامية، التي قضى عليها الشهداء، وضحى من أجلها المضحون لهو أمر جميل وحسن ومطلوب ..على ألا تعني الاستمرارية معنى الاسترسال بكل مدخلات العفوية والتلقائية والعاطفية والسير في المنعرجات التي أثبتت لنا التجربة خطلها وخللها ..

وأخطر ما كان في عاطفية بعض الناس أنهم ظنوا أن السير في طريق الثورة هو " ركوب موجة " وأمر أشبه " بقرط الخيار " الثورة على مثل الزمرة الخائنة العميلة، ليست قرطة خيار. وليس "سيبانة" على لغة أهل حلب، ولا هي " سيران " كما يقول أهلنا في دمشق. ومن أراد أن يتقدم فليتقدم على بصيرة. ومن أراد أن يحمل لواء الثورة فليحمله بحقه..

إن على حامل اللواء حقا ...أن يخضب الصعدة أو تندقا

وعلى أن لا تعني الاستمرارية التتايع على الثقة بمن أثبتت لنا التجربة أنه ليس محلا للثقة، من قريب وبعيد. وعلى أن لا تعني الاستمرارية تسليم قرار ثورتنا كما فعلوا منذ كان المجلس الوطني لمن ظنوه الصديق والمناصر ..

ومنذ مؤتمر " أصدقاء الشعب السوري " الأول والذي انعقد في تونس، أسفر الصبح لذي عينين كما تقول العرب، ولكن ظل الذين ما زالوا يغمضون أعينهم لا يرون ..

المطلوب اليوم، ولكي لا نقع في اللبس، أن نعلن المطالبة الصريحة باستئناف الثورة. والاستئناف في لغة العرب، يعني البداية من جديد ..

وأول ما يعنيه الاستئناف أن نتخلى عن التلقائية والعفوية والعاطفية ..

وأن يكون هناك فريق وطني حقيقي قائد، يقدم نفسه قائدا مسؤولا، مسئول من قبل ومن بعد.

أقرأ اليوم مقالات وكتابات لمن قاد أولا وثانيا وثالثا وعلى هذا الشعب البطل الذي أعطاهم أكثر مما يستحقون ، يستأتذون ويتعالمون ويتثاقفون ..

وقيادة الثورة ليس تشكيل شلل على طريقة تبويس شوارب، ولا تلبيس طواقي ، بل فريق وطني يقود ولا يقاد، يعلم ويوجه ويقرر ويتحمل مسئولية القرار ..

استئناف الثورة تعني أن نسمو فوق التلقائية والعفوية والعاطفية وردود الفعل إلى حالة الفعل المخطط المدروس..

واستئناف الثورة يعني أن نعيدها ثورة لكل السوريين، وعلى كل الأرض السورية، ومن أجل دولة السواء الوطني في العدل والحرية والكرامة الإنسانية

استئناف الثورة يعني أن نرفض منطق بشار الأسد في تقسيم السوريين إلى متجانسين وغير متجانسين. وأن نرفض تقسيم السوريين إلى معارضة وموالاة، وإذا كان بشار الأسد يرفض حتى الآن الاعتراف بمعارضة وطنية، فيجب علينا أن نكون أكثر وعيا فلا نجود عليه بحسبان كل السوريين الواقعين تحت سيطرته له أو عليه ..

بشار الأسد وزمرته يقولون ليس هناك معارضة وطنية في سورية، ونحن يوم نستأنف الثورة يجب أن ننفي أن يكون لبشار الأسد موالاة أو حاضنة في سورية ، كل من هناك مواطنات ومواطنون خاضعون للسيطرة، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ..

على بصيرة ندعو إلى استئناف الثورة، وعلى بصيرة يجب أن يحدد كل مواطن سوري حظه منها، ودوره فيها ،ومسؤوليته عن قرارها ..

وتبقى الثورة .. لكل سورية ولكل سوري ولكل الأرض السورية ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية