في المشهد الأفغاني ... وندعو لأفغانستان وشعبها الحر الأبي بالخير والوحدة والوئام

زهير سالم*

قرابة نصف قرن شهدتها أفغانستان من التدخل والاحتلال الخارجي، والقلاقل وانعدام الاستقرار، والثورة بحثا عن الحرية والكرامة والاستقلال..

في أفغانستان في البدء كان الانقلاب..

ومنذ ١٩٧٣ والانقلاب الذي قاده الجنرال "داود خان" ضد ابن عمه الملك ظاهر شاه، ومن ثم وقوع أفغانستان ضحية للحزب الشيوعي " وبابراك كارمل" ثم للاحتلال السوفيتي وما أعقب ذلك من ثورة أدهشت العالم، ثم ما تلا ذلك الانتصار على الاحتلال من نزاع داخلي بين فصائل الثورة، والعودة من جديد إلى مربع الاحتلال الأمريكي الذي لم يكن أقل دموية وعنفا من الاحتلال السوفييتي ظلت أفغانستان وشعبها الضحية..وترافق كل ذلك مع مرحلة " الكرازيات" ومع كل الصورة القميئة لأنموذج الكرازي في عالمنا تجد الكثيرين يبحثون عن عباءته يضعونها على كتفين.

ومن حق اليوم أن نفرح ويفرح الناس بسقوط مشروع الاحتلال والاستعمار الذي نرجو أن يكون قد سقط حقيقية بمفهوميه القديم والحديث على أرض أفغانستان وفِي كل أرض الله ومنها أرضنا الطيبة المباركة المعطاء..

 

والفرح بسقوط مشروع الاحتلال فرح مستقل عند الذين يعلمون، يختلف عن الفرح بمشروع الثورة العام الذي به يحلم سائر الناس . وأول الطريق الخلاص من نفوذ المستعمر الظاهر في مثل حميميم والخفي المسيطر في قصر دمشق.

وبعد تحرير هذا النقطة في الفرق بين الفرح بالتحرير وارتقاب التحرر ؛ يبقى الحديث مفتوحا عن " حركة طالبان " مشروعها ، قدرتها على الاستيعاب، وتمثيل المظلة الأفغانية الأوسع على المقاس الأفغاني، وليس على مقاس إي مجتمع آخر ..

أزمتنا مع ممثلي المشروع " الحضاري الغربي" ومروجيه أنهم يريدون أن يفرضوا على المجتمعات البشرية نتائج وخلاصات لم يتوافقوا عليها هم في بلادهم إلا منذ عقود أو سنوات.

قوانين تجريم التمييز العنصري ، مثلا، لم تصبح سائدة في الولايات المتحدة وعلى كره من الكثيرين إلا في ستينات القرن العشرين. هل نتذكر هذا؟!

وما تزال الكثير من البرلمانات في الغرب تجادل في الحق في الإجهاض..

ويريدوننا إذا صوتت برلماناتهم على شرعنة أو تحريم شيء، أن نردد وراءهم: آمين !!ونجد الكثير من أبناء جلدتنا يجمل ما يجمل الآخرون ويقبح ما يقبحون..

من النزوع الاستعماري المتغطرس أن نفرض رؤانا على المجتمع الأفغاني..

وكذا أن نصدّر أنفسنا معلمين لحركة طالبان، كما نشعر بالحرج والمضض عندما يتعالى أو يتعالم علينا ، نحن السوريين، بعض الناس.

في العموم ..

نحن ندعو أن تعم الوحدة والأمن والسلام ربوع أفغانستان فقد أكلت الناس خمسة عقود من الحرب الضروس ...

ندعو لحركة طالبان والمؤملين فيها والمتخوفين منها أن يجدوا الفرصة لإقرار المشروع الجامع الخاص بهم، الذي يحول النصر الذي حققه فريق منهم، نصرا لكل الأفغان. لا وكس ولا شطط بين الناس.

نأمل من فقهاء حركة طالبان أن يكون قادرين على استشراف الآفاق والمقاصد المستقبلية في شريعة الإسلام. ومن حري به أن يدرك ذلك مثل حنفي ماتريدي. وظل المذهب الحنفي يساير النظم الإسلامية منذ قبل أن يكون أبو يوسف صاحب أبي حنيفة قاضي القضاة.

في رؤيتنا المستقبلية التي يجب أن تنأى عن التعصب والانغلاق ..ما تحقق في أفغانستان من خروج محتل دخيل هو انتصار للشعب الأفغاني ولكل أعداء الاستعمار والاحتلال بكل المعايير ..

ونتفاءل بما سيلحقه ونسأل الله فيه، أن يتم الله النعمة، وأن يهيئ للشعب الأفغاني من أمره رشدا ويسرا..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية