ما أسخف الذين يستنجدون بالصياد على كلب الصيد؟

د. فيصل القاسم

أثار الحكم القضائي الصادر في ألمانيا على ضابط مخابرات سوري منشق موجة من الفرح والغبطة في أوساط السوريين خاصة والعرب عامة، على أساس أنه يمهد لموجة ملاحقات لكل من تلوثت يداه بدماء الضحايا في العالم العربي.

وفي الواقع من حق أهالي الضحايا السوريين أن يفرحوا لوقوع ضابط أمن سوري في أيدي العدالة، خاصة وأن رجل المخابرات السوري يمثل في نظر السوريين كل أنواع النذالة والحقارة والسفالة والوحشية التي عرفتها البشرية، لا سيما وأن حافظ (الأسد) البهرزي مؤسس الدولة المتوحشة في سوريا أصدر تشريعات تمنع ملاحقة رجال الأمن حتى لو قتلوا وذبحوا وعذبوا ونهبوا وشردوا ملايين السوريين. لهذا فإن منظر رجل مخابرات سوري وراء القضبان مدى الحياة في ألمانيا دخل التاريخ السوري من أوسع أبوابه حتى لو كان شيئاً رمزياً، فلم يشاهد السوريون في تاريخهم الحديث كلاب المخابرات السورية في قفص الاتهام. وبالتالي من حقهم ومن حق الناشطين الحقوقيين أن يفرحوا بهذا الحكم التاريخي. لكن مهلاً أيها الأخوة كي لا تأخذكم النشوة بعيداً جداً، فهذا الحكم لن يقود إلى العدالة المنشودة لأسباب كثيرة أولها أن القضاء الغربي بطيء جداً، وثانياً لأن كل تجاربنا مع العدالة الدولية أو حتى الغربية كارثية. ولا شك أنكم تذكرون أن رفعت (الأسد) البهرزي شقيق حافظ الذي قتل عشرات الألوف في حماة ودمر المدينة فوق رؤوس أهلها خرج بعد الخلاف مع أخيه إلى أوروبا بمئات الملايين من الدولارات المنهوبة بشهادة عبد السلام جلود نائب الزعيم الليبي معمر القذافي الذي أرسل لحافظ وقتها مئتي مليون دولار كي يضعها في الخزينة ومن ثم يقدمها لرفعت كي يغادر سوريا. وفعلاً عاش رفعت حياته متنقلاً بين العواصم الغربية وهو ينعم بملياراته، وكان يعيش عيشة الملوك، لا بل إن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تساءل عندما زار إسبانيا في عطلته الصيفية عن ذلك المنتجع الساحر الذي كان يجاور المنتجع الذي نزل فيه أوباما، فقالوا له: إنه من ممتلكات رفعت الأسد عم الرئيس السوري بشار الذي كان في تلك الأثناء يستخدم السلاح الكيميائي ضد السوريين.

 

لقد ظل رفعت يصول ويجول ويتاجر في أوروبا حتى تجاوز الثمانين من العمر وبدأ يعاني من الخرف، عندئذ بدأ القضاء الغربي يلاحقه بتهمة: من أين لك هذا، أي بعد عقود على وجوده في أوروبا. لقد تركوه ينعم بملياراته المسروقة ثم فجأة انتبهوا إلى سرقاته، وفعلاً صادروا بعضها وحكموا عليه بالسجن في فرنسا، لكن السوريين تفاجأوا بعد فترة أن رفعت وصل إلى سوريا معززاً مكرماً هارباً من العدالة الغربية بمعرفة القضاء والمخابرات والأنظمة الغربية التي كانت تحاكمه، أو بالأحرى هربوه إلى سوريا كي لا يواجه العدالة.

وليتهم حاكموه على جرائمه التي يعرفها كل طفل سوري، لا أبداً بل كانت المحاكمة تتعلق بالضرائب.

وقبل فترة اعترف المدعي العام الدولي السابق في أمريكا لبرنامج «ستون دقيقة» أن لديه أكثر من مليون وثيقة تدين النظام السوري في عمليات قتل وسحل وسحق وتعذيب وتهجير وإخفاء، وطالب المدعي بالبدء بمحاكمة بشار وعصابته كي يكون درساً لبقية الطغاة والسفاحين، لكن لم يستمع إليه أحد. ولا ننسى أن أكثر من خمسين ألف صورة لضحايا القتل والتعذيب تم عرضها في قاعة الكونغرس الأمريكي، وهي كلها موثقة، فكانت النتيجة أن واشنطن أصدرت قانون «قيصر» الذي جاء بايدن لينتهكه بنفسه عندما بدأ بتشجيع الأنظمة العربية على إعادة تأهيل النظام والتواصل معه، وكأنه يرش الملح على جروح ملايين السوريين.

هل السوريون المشردون والمذبوحون والمعذبون أقوى من آل الحريري الذين انتظروا سنوات وسنوات ودفعوا ملايين الدولارات على المحاكم الدولية لإدانة قاتل والدهم رفيق الحريري، فكانت النتيجة أن المحكمة أصدرت بعد سنوات وسنوات حكماً بحق شخص نكرة من جماعة حزب الله، ولا أحد يعرف مكانه أصلاً، وطويت القضية، لا بل إن أحد المتندرين قال إن الحريري لم يمت بانفجار ضخم مدبر أصلاً، بل مات بالكورونا. اضحك.

والسؤال الأهم الذي يجب أن نوجهه للمراهنين على العدالة الدولية: هل شاهدتم عبر التاريخ أن أحداً يربي كلباً كي يقتله؟ بالطبع لا، فالكلاب التي تنهش لحوم الشعوب العربية بالأصل تعمل بوظيفة كلاب صيد لمشغليها، ومشغلوها ليسوا في بوركينا فاسو طبعاً، بل في الدول العظمى التي تدير العالم وتتحكم بثرواته وشعوبه وحكامه ودوله. إن البند الأول في كتاب العدالة الغربية يقول: «ادعموا وساندوا كل طاغية يقمع شعبه من أجل الحفاظ على مصالح الغرب في بلاده». هل يمكن أن يقتل الغرب الأوزة التي تبيض له ذهباً؟ متى رأيتم الصياد يقف مع الفريسة ضد كلب الصيد؟ أليس من السخف أن نستنجد بالذين نصبوا حكامنا طواغيت علينا كي يعاقبوا كلابهم؟

أليس من السخف الاستعانة بالوحش على الضبع؟ لقد لخص الشاعر الكبير أحمد مطر مأساتنا مع العدالة الغربية ببيت شعر قصير: «أمريكا تطلق الكلب علينا وبها من كلبها نستنجدُ؟»