الوصول قفزاً على الألغام

د. سماح هدايا

د. سماح هدايا

الاستبداد والجهل أحكما علينا...ومن استبداد لاستبداد نسير؛ لأننا لا نعمل بقلوب وعقول ناضجة. وإذا بقي كل واحد، يعمل وحيدا في الخضم العاصف، ستلعب به الأمواج العاتية، وقد تصرعه..

من الضروري حماية أنفسنا ومستقبلنا وثورتنا وبلدنا، ولا بديل عن التوحد في ميثاق عمل ناضج مشترك. إنّ كل واحدٍ بفرديته ضعيف سياسيا وفكريا واجتماعيا. الجماعاتية هي بديل الفردية في العمل السياسي وبناء الأوطان والمجتمعات. ومن غير المنطقي قبول أن يحتكر أحد الحقيقة . وأن يقودنا إلى مزيد من الدمار والجهل والطغيان. لا زعيم أو حزب أو حركة أو تيار أو كتيبة يستأثر بالحقيقة والحق، مهما كان نخبويا وفذا. الشعب يبلور رؤيته بالتجربة والصراع والتحديات ونمو المعرفة وتجديدها.

الضمير الجمعي للشعب الذي يحترق على أرض المعركة، ويتعرض للمحن المتوالية، هو المرجعيّة والهدف، ولأنّ حراك ألمه وغضبه وانفعاله قد يقصر به عن تلبية متطلبات النظرة السياسية الهادئة البناءة؛ فإنه وثورته بحاجة إلى السياسة وحكمة العمل السياسي الوطني. بحاجة لعقل يدير المعركة من أجل حماية مشروعه التّحرري ونصرة مطالبه المشروعة، وحل المشاكل العالقة في قلب هذا المخاض الصعب الصاخب بالمتناقضات والمستجدات غير المحسوبة.

الذكاء السياسي ودهاء التخطيط الاستراتيجي ضمن تموضعات المصالح والمخاوف والمخاطر، وضمن المسؤوليات التاريخية وحرمة الدم أمر محوري، يتطلّب استخدام كل الوسائل الممكنة لتحقيق النصر وإيجاد حلول للإشكالات الكثيرة والمشاكل المتفاقمة بغية الوصول إلى أهداف الثورة في الحرية والعدالة والكرامة. ومازال الشعب السوري حتى الآن مشتتا بلا قيادة، ومن دون رؤية عمليّة ممنهجة ومنهجيّة جامعة، إذ تلعب به أهواء التمويل المتقلّبة وأهواء المصالح الشخصيّة والانفعالات وردات الفعل الآنيّة. وهذا أمر ينذر بخطر شديد ويفرض علينا تغيير منظور العمل والخطاب والسلوك قبل أن نتجه نحو هاوية سحيقة لا نجاة منها.

إرادة التحرر الصامدة العاقلة الواعية هي نقطة الارتكاز في نجاح الثورة. فشراسة الإرهاب التي مارسها النظام بوحشية وعنف، يمكن أن تفلت الإنسان من إنسانيته وعقله؛ لكنّها يجب ألا تكسر إرادة الشعب الثائر بعد ان تعمدت بالدم ونضجت بالمآسي والنكبات. وهو ما يدعونا إلى ضرورة التوحّد في استراتيجية شاملة، غير تقسيمية، تضم قوة العسكرة الشعبية إلى قوة السياسة المحنكة وفق ميثاق عمل واحد له مرجعية وطنيّة وقيادة موحّدة مرتبطة بالثورة ومطالبها، منزّهة عن الفساد الذي استشرى.

لعل الثورة والثوار في حالة غضب وانسداد رؤية وخيبة أمل، لكنْ، لا حل للخروج من هذا الأسى المنتشر إلا بمشروع واقعي عملي يوحّد العمل الوطني، داخليا وخارجيا في قوة واحدة فاعلة وطنيا وسياسيا وعسكريا.

أطياف المعارضة المختلفة يجمع أغلبها، الهدف نفسه: إسقاط نظام الاستبداد الأسدي، وتحرير البلد من الطاغية؛ لكنّها بسبب الصراع على السلطة والزعامة والقيادة، وحصاد مخلفات الاستبداد ونرجسيات الظهور، والمصالح الضيقة لبعض الولاءات الفرعيّة، و بسبب اختلاف الرؤى الفكرية والسياسية؛ تتصارع وتتقاتل بشكل متواصل. فلكل واحد وجماعته برنامج مختلف، يريد تنفيذه بعد سقوط النظام لتحقيق مكاسبه الخاصة، وبالتالي يصارع الآخرين مبكرا على الاستحواذ والاسئثار بالسلطة والقرار والنفوذ والمقدرات، ويضيع المعارضون في الأوهام الجشعة بدل أن يتعاونوا على قتال الطاغية.

علينا أن نتعلّم من تجارب الدول القوية والمتقدمة؛ فما انجزته كان حصيلة صراع طويل. وكل تجربة تحمل اختلاقات وتناقضات وصراعات وتيارات متناحرة بين اليمين واليسار؛ لكنّ الجميع فيها يعمل لمصلحة بلاده، ويتفق على أمن دولته وقوتها، وعلى أسس ثابتة في بنائها. فلماذا لا نتعلم ونكف عن العمل في دروب ضيقة وفرعية بعيدا عن الطريق الأساسي وعن وحدة العقل الجمعي؟. الشعب وثورته أحوج ما يكون لتفعيل ميثاق العمل الوطني الجامع المخلص لضمير الشعب وتضحياته ومشروعه التّحرّري النّهضوي.