في الخامس من حزيران: لا يتذكّر الشعب السوريّ إلا حافظ وزمرته.. والخيانة الـمُنكَرَة
في المفهوم الشاذّ لنظام البعث ووزير الدفاع (حافظ سليمان أسد)، لم تكن هناك هزيمة، فما دام الحاكم البعثيّ بقي حاكماً، وما دام وزير الدفاع -المسؤول الأول عن الانكسارات والهزائم والخيانات- بقي في موقعه، ثم رُقِّيَ إلى رتبةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ أعلى، وتُوِّجَ رئيساً للجمهورية، مدعوماً من قِبَل العدوّ الصهيونيّ والنظام الغربيّ والدبابة المسروقة من الجيش السوريّ.. ما دام الأمر كذلك، فنحن لسنا نعيش واقع الهزيمة، بل واقعات الانتصارات المتتالية، حتى لو ضاع نصف الوطن، وأُهدِرَت مع ذلك الكرامة الإنسانية السورية!..
بعيداً عن الفلسفة الشاذّة لنظام الخبث الأسديّ، لا يمكن لأيّ عاقلٍ عربيٍ ومسلمٍ أن يُنكِرَ إحساسه العميق بالهزيمة الحزيرانية المنكَرة، التي صنعها لنا نظام أحاديّ شموليّ، بعد أن سيطر على مفاصل الدولة وأنفاس شعبها، واستخدم الدبابة وسيلةً للقفز إلى السلطة واقتحام القصر الجمهوريّ، بدل أن تكون وسيلةً لتحرير الأرض والعِرض والإنسان.. وهكذا، فقد بدأت الهزيمة تتغلغل في أحشائنا منذ أن قفز العسكريون الخونة إلى كرسيّ الحكم، فارّين من مواقعهم التي يجب أن يكونوا فيها عند جبهات الدفاع عن الوطن والشعب والأمة!.. وتقدّمت بنا الهزيمة إلى أعماقٍ جديدةٍ من الهاوية، مع تقدّم القافزين إلى السلطة في مشروعهم الاستبداديّ، بَدءاً من تنفيذ نظرية الحزب الحاكم القائد الوحيد للدولة والمجتمع، فاختصروا الوطنَ في الحزب الحاكم، والدولةَ في شخص الضابط العسكريّ المغتِصِب للحكم، والشعبَ في المنتمين إلى عصابات الحزب والزمر المقرَّبة منها، التي تمارس الطواف حول الكرسيّ الذي يتشبّث فيه ربّهم البعثيّ الطائفيّ الأسديّ الجديد!..
* * *
حين تمرّ الذكرى الحزيرانية كل عام، يقفز إلى أذهاننا فوراً، أنّ هزيمة حزيران كانت هزيمةً للنظام السياسيّ المتسلّط، وللمنهج المتخلّف الحاكم، وللنظريات الاستبدادية القائمة حتى هذه اللحظة، وللخائن الأول وزير الدفاع آنئذٍ.. لكنها في الحقيقة كانت انتصاراً كبيراً لكل هؤلاء الخونة الطائفيين، الذين سطوا على موقع الحُكم، لينطلقوا منه إلى أخطر تهديدٍ لسورية وشعبها، الذي ما يزال يعاني من انتصارهم الحزيرانيّ الخيانيّ، ليستفردوا بالوطن وشعبه، بحاكمٍ عميلٍ مستبدٍّ، يُصادر الحرية والكرامة، وينتهك الحقوق الإنسانية، ويسدّ منافذ الانفتاح السياسيّ والاقتصاديّ والمدنيّ، ويُطبِق على أنفاس العباد، ويُتاجر بالوطن وأهله، ويُشرع كلَّ الأبواب أمام الفساد الاقتصاديّ والإداريّ والسياسيّ والأخلاقيّ والتربويّ والتعليميّ والثقافيّ والاجتماعيّ والماليّ.. ثم يورِّث كل هذه الطّامّات من بعده إلى الولد الفاسد الطائفيّ الغِرّ، ومعه الزمرة المافيوية وشركاء السوء والطائفة الغادرة، فيكملون مشوار الفساد والخيانة والهزائم، ويحوِّلون الوطن ومصيره إلى ركامٍ يتطاير مع كل نسمةٍ داخليةٍ أو خارجية!..
لقد أنتجت العصابة الأسديّة لشعبنا وأمّتنا ثمرات خياناتٍ يصعب حصرها، ما أهون أمامها الهزيمة العسكرية الحزيرانية التي صنعوها لسورية.. فحرب حزيران هزمت سياجاتٍ خارجيةً للوطن، أما الحرب المستمرّة التي يشنّها النظام الاستبداديّ على الوطن وأهله منذ ما يقرب من نصف قرن، فهي تهزم شعبنا هزيمةً داخليةً تُعتَبَر الأساس لكل الهزائم.. لذلك، فالعصابة الفاجرة الحاكمة، كانت وستبقى مسؤولةً عن كل هزيمة، لأنها غرست الحجر الأساس لها، فهي عصابة خيانية تقوم في كل لحظةٍ بإعادة إنتاج الهزيمة الحزيرانية السوداء للوطن والأمة!..
* * *
إنّ الخروج من آثار الخيانة الحزيرانيّة، وإيقاف صناعة الهزائم التي تُنتجها الزمرة الطائفية الأسديّة على مدار الساعة القمعية الاستبدادية.. لا يقوم إلا على أنقاض الحكّام الطائفيين الخونة المهزومين، وعلى أنقاض منهجهم الأحاديّ الشاذّ، وأنقاض كل ما يصنعونه لنا من جرائم وطغيانٍ متعدّد الأشكال والألوان!..
إنّ الخروج من آثار الخيانة الحزيرانية المنكرَة، لا يتحقّق إلا بدحر الاستبداد والخيانة والفساد، وكشف حقيقة الحكّام الطائفيين المغتَصِبين للحُكم والوطن، والمزوِّرين لإرادة الشعب.. ولابد من سَحق عوامل الهزيمة وأصحابها، الذين فرضوا علينا منذ قفزهم للسطو على كرسيّ السلطة، بالقوّة، فرضوا ثمن انتصاراتهم الحزيرانية الخيانية، قوانينَ الطوارئ والأحكام العُرفية والمحاكم الاستثنائية وقانون القتل والإجرام رقم49 لعام 1980م، وارتكبوا مذابح حماة وجسر الشغور وسجن تدمر ومثيلاتها، وأنتجوا لنا المقابر الجماعية والتهجير الجماعيّ والمعاناة الإنسانية بكل أبعادها، من اعتقالٍ وإخفاءٍ وقتلٍ واعتداءٍ على مختلف الحُرُمات.. لابد من دحر اللصوص الطائفيين الخونة الذين صنعوا لسورية وشعبها الفقرَ والبطالةَ والنهبَ والفسادَ المتعدّد الوجوه.. لابد من التحرّر من ربقة الإعلام الأحاديّ المتخلّف، ومَحْق أصحاب المنهج الاستئصاليّ الإقصائيّ.. لابد من الضرب على أيدي اللصوص الذين حوّلوا سورية كلها إلى أرضٍ مشاعٍ يعيث فيها الصفويون والفرس المجوس والروس.. فساداً وتغلغلاً واحتلالاً واستيطاناً وخلخلةً للتركيبة السكانية السورية.. ولابد من بناء دولةٍ حديثةٍ قويةٍ قائمةٍ على وحدةٍ وطنيةٍ متينة، تزول فيها أسباب الظلم والاضطهاد والعزل والتمييز الطائفيّ والإثنيّ والسياسيّ والثقافيّ والفكريّ.. ولابد من معالجة التخلّف الاقتصاديّ والقضاء على الفساد والفاسدين.. ولابد من إعادة العلاقات النديّة مع المجتمع الدوليّ، ضمن حالةٍ من الاستقلال الوطنيّ الحقيقيّ.. ولابد من إعادة قضايا الأمة إلى حضنها الحقيقيّ العربيّ والإسلاميّ!..
* * *
إنّ نظام الزمرة الطائفية الأسدية عدوّ لسورية وشعبها، وما يزال يمارس في حقهما الخيانة والعدوان، مُنتِجاً لهما الهزائم والكوارث المتلاحقة، ولا سبيل للخروج من آثار كل تلك الهزائم والكوارث المستمرّة، إلا بإزاحة صانعها العدوّ الحقيقيّ المنتصر الحزيرانيّ، وزمرته المافيوية المجرمة المتسلّطة على رقاب السوريين!..