في معنى الهجرة وحقيقة تزييفها

زهير سالم*

هلال خير رشد…

اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام..

يطل علينا هلال شهر محرم الأغر. وتطل بإطلالته غرة عام هلالي جديد، ونقتبس في الدعاء لأنفسنا وللمسلمين جميعا مما علمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه أصحاب السنن : "الله أكبر، هلال خير ورشد، ربنا وربك الله، اللهم اجعله علينا عام خير ورشد."

اللهم اجعله علينا وعلى المستضعفين في الأرض من عبادك المخذولين، عامَ فرج وعز ونصر وتمكين. ألهمنا رشدنا، وأعذنا من شرور أنفسنا، ومن كيد أقوام إن أطعناهم أضلونا، وإن عصيناهم قتلونا ومن ديارنا أخرجونا..!!

وهذه بداية عام هلالي جديد. وإنما كانت ذكرى الهجرة النبوية المنيفة في شهر ربيع الأول.

سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وُلد في ربيع، وهاجر في ربيع، ولقي وجه ربه في ربيع، وترك أمته من بعده في ربيع..

ويرفع الستر وهو يعاني سكرات الموت ، وقد أقيمت الصلاة، فيجد المسلمين قد اصطفوا وراء أبي بكر الصديق، رضي الله عنه يصلون، فيبتسم غبطة ورضا، ويرفع بصره إلى السماء فيقول: اللهم في الرفيقَ الأعلى..

 

اللهم ألهمناها إذا حانت منا لحظتها، حتى لا نأسى دونك على شيء..

عام هلالي جديد سنؤرخ منذ اليوم ١٤٤٥ ،وأنظر إلى ورائي وأقدر ١٣٦٥ فأرى ما بين الخمستين قد طال، وقد اجترأ عليّ بعضُ الناس حتى قالوا فيّ كما قال إشياعهم في خال رسول الله سعد بن أبي وقاص: "لا يحسن يصلي"

وقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه على فراش وداعه لسيدنا عبد الرحمن بن عوف "وكنتم - معشر المهاجرين والأنصار- الأشدَّ عليّ"

وقالت العرب:

عذيرك من خليلك من مراد     أريد حياته ويريد قتلي

ويتحدثون في هذا اليوم عن الهجرة مكانتها وفضلها وأجرها، ويلوكون ألفاظا لا يدرون معناها..

فالهجرة لا تكون إلى "أم قيس" ومن هاجر إلى "أم قيس" وجد أجره عندها. راجع قصة ام قيس في فتح الباري لعل اللهَ يفتح عليك.

والهجرة لا تكون إلى مال ولا إلى كراع… ولا إلى حيث ينتثر الحب

يسقط الطير حبث ينتثر الحَبُ، الحّبُّ، بفتح الحاء لا بضمها ولا بكسرها.

والهجرة لا تكون في العيش اللواذ على هوامش المجتمعات..

جلس على بئر النفط حتى استنزفه، ويظل يتفهق ويتفيقه بحديث الهجرة والمهاجرين… هيهات هيهات حال الجريض دون القريض..

ثم حازَ ما حازَ من أمر الدنيا من مال ومن نشب، ثم تعالى عليك ومط عنقه ويحدثك عن الهجرة!!

وقالوا، أنصارا ومهاجرين، في فضاء الهجرة: لو أننا رجعنا إلى أموالنا ونخلنا فأصلحناها.. فنزلت عليهم (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال القرطبي رحمه الله تعالى: فيها ثلاث مسائل. بحثك فيها، خير لك من تعقب أخيك لعله زلّ، وتفرح بزلته إذا زل، وتسعد أن تشهّر به، ولو بغيا وعدوانا، وتؤلب أهل الإلب عليه، وتزعم أنك مهاجر..!!

روينا الأحاديث في فضل المسلم ينصح المسلم، وفي فضل ينصر المسلم، وما مر بنا حديث في فضل الرجل يؤلب على أخيه يبتغي تهوين أمره..ويزعم أنه مسلم!!

لم تكن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، هجرة اللواذ، ولا هجرة الضياع، ولا هجرة إلى الذل، ولا إلى حال تكفف الناس، يعطونه طورا ويمنعونه أخرى؛ بل كانت إلى عز قال فيه رب العالمين، ردا على من قال (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)

وإخطر شيء في مراوغة المراوغين، تسمية الإشياء والأفكار والمعاني بغير أسمائها، لعلك لم تتوقف عند رواية البخاري، وإن قالوا إنها في المعلقات "يستحلون الحِرَ والحرير والمعازف، يسمونها بغير أسمائها.."

وانتبه إلى هذه الأخيرة فإنها مزلقة، للمتزلقين والمنزلقين. يسمونها بغير أسمائها، وكذا حين يسمون ما هم فيه هجرة أو رباط أو جهاد.. هيهات هيهات غابت المعاني وعلقوا بالألفاظ والمباني..

وأنظر ورائي يوم كنت في وطني، ثم إظل أكرر: "من خرج من وطنه فلا ينسى نصيبه من الذل" ذاك خروج اللواذ، وحاشى للمهاجرين أن يذلوا..

خروج لواذ خرجنا، وأحسن الله إلى كل من أحسن إلينا. واشتغل أقوام بأنفسهم وتثمير أموالهم، واشتغلنا بما نستحيي من ربنا أن نمّن عليه فيه، وما يزال غاية سؤلنا أن يتقبل منا؛ وأن يعصمنا من استخفاف الذين لا يوقنون.

وقالوا

لا تعاد الناس في أوطانهم     قلما يرعى غريب الوطن

يرطن أمامي بعض الناس يتساءل: أين الأنصار..

وأواجهكم وأسائلكم وأحاججكم: بسؤالي: بل أين المهاجرون..؟؟

المهاجرون الذين يحدبون على قضيتهم، وعلى مشروعهم، حتى..

وأعظم شيء كان في مشروع هجرة الرسول الكريم وصحبه الكرام من السابقين المهاجرين، كان بناء المسجد، وإيسرُ شيء كان فيه كان رسم "الصُّفّة" هل تعلمون ما هي الصُّفّة؟؟

الملاذ الذي يلوذ به المهاجر، الذي لا شيء له؟؟

قبل أن تحدثوني عن الهجرة؛ صفوا لي صُفّتكم، صُفّتكم ،وليس صفوتكم؛ أين تكون.

ورحم الله من كتب عن "صِفَةِ الصفوة" كيف نسي "صِفَةَ الصّفّة" وهي للمستضعفين من المسلمين أولى..

أعلم أن بعض الناس سيرسل لي لم نفهم عليك.. !!

وإنني آسف إذ أسرد على الناس "رقية العقرب"

اللهم إنا نسألك في عامنا هذا البر والتقوى ومن العمل وما ترضى..

واستعملنا فيما تحب، ومدّ جسور الوصل بيني وبين من تحب

وكل عام وأنتم بخير

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية