الثورة إبداع

م. شاهر أحمد نصر

م. شاهر أحمد نصر

[email protected]

تختلف مواقف الكثيرين وتتبدل مواقعهم من الأحداث الكبرى التي تشهدها المجتمعات العربية، حسب مصالحهم، وأدواتهم المعرفية، ومناهج تفكيرهم، فحين يشعرون أنها تستجيب مع مصالحهم وتطلعاتهم يدعونها ربيعاً وثورة، وعندما يخشون أن تمس مصالحهم ينعتونها بأشنع الألقاب... إنما الفعل الاجتماعي الثوري يعبر عن ذاته غير آبه بالتسميات، ولا بالألقاب... وعلى الرغم من أنّ الثورة كأية ولادة جديدة لا يمكن، مع الأسف، أن تحصل من غير آلام، ومعاناة، أو نزيف، فإنّها تعبير عن ضرورة الانتقال إلى حالة إنسانية أسما من سابقاتها... ويتطلب هذا الانتقال إبداع مناهج، وصيغ سياسية، واقتصادية، واجتماعية تستوعب الماضي، وتتجاوزه بما ينسجم مع متطلبات التطور العصري... والفعل الإبداعي أرفع من أن يقاس بالمقاييس القديمة، ومن هنا نجد أنّ أغلب مراكز الأبحاث العالمية ذات المناهج الكلاسيكية القديمة بما فيها الأمريكية، والأوربية، مثلها مثل الأحزاب التقليدية والمعمرة تتخلف، بل تعجز عن مواكبة إبداع الشعوب في لحظة التغيير المباغتة لها، ولأدواتها المعرفية، ويمكن القول إنها في درجة من الغطرسة والتعنت تجعلها لا تريد أن تعي، أو تلامس هذا الإبداع، لأنه سيترك أثراً كبيراً على كياناتها، ووجودها، إن لم تتمكن من إدراك أبعاده، واستدراك متطلباته في بنيتها، ومناهج تفكيرها، وأساليب عملها...

من الطبيعي أن تلحق بالثورة قوى وشخصيات غير قادرة على الإبداع، مهما تغنت بماضيها وأمجادها، بل وبعضها يلعب دوراً معرقلاً، ومسيئاً للثورات، ويبقى الأمل في أن تتساقط هذه القوى مع مرور الزمن، ويبقى القرار الفصل والنهائي في إرادة وصالح الشعوب...

وهذا يجعل شعوب العالم تتطلع إلى شعوب المنطقة العربية التي تعيش ثورات تاريخية، لأنّها بفطرتها تحس أن الثورة إبداع، كما الإبداع ثورة... وتنتظر ما يمكن أن تبتكر شعوب منطقتنا وتبدع من مفاهيم ومقولات جديدة في أسس وأساليب الحكم الديمقراطي، وفي تنظيم علاقة قوى المجتمع بعضها ببعض، لاستيعاب، ومعالجة التناقضات الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية في المجتمع، وسيادة مبدأ العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلاقة الأغلبية بالأقلية، والحكومات بالمعارضة، وكيفية تحقيق مبدأ سيادة الشرعية المستمدة من إرادة الشعوب، وحق الشعوب بسحب هذه الشريعة من الحكام عند خروجهم عن تطلعاتها، وعدم احتكار السلطة ومقدرات المجتمع، وذلك كله بغض النظر عن مساطر القياس التي يقدمها سادة أوربا وأمريكا مهد الديمقراطية، عن الشرعية الديمقراطية من وجهة نظرهم... وإدخال ذلك كله في شرعة دستورية جديدة، تبدعها شعوب المنطقة، ومفكروها بشكل مستقل عن الإملاء الخارجي، وبالتلاؤم مع تطلعاتها، ومع متطلبات العصر...