انقلاب على مشروع الديمقراطية وسيكون له ما بعده

زهير سالم*

رسالة إلى الدكتور ياسر برهامي وحزبه

الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف

لقد خنتم الأمانة ونقضتم العهد وتوليتم كِبر إسقاط رئيس بايعتموه ورضيت به أكثرية الأمة المصرية, وظاهرتم أعداء الأمة, ومزقتم الدستور الذي كنت أنت أحد كتابه والذي ارتضاه جمهور الأمة المصرية, ولست أرى مثالاً لكم وللرئيس الذي خنتموه وخلعتموه إلا أنه ما كان من شأن عثمان بن عفان رضي الله عنه والذين خرجوا عليه, فقد كان عثمان رضي الله عنه أول خليفة تولى الحكم باستفتاء عام للمسلمين قام به عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حتى قال بعد أن استفتى رجال المدينة ونسائها حتى العواتق منهن. (لقد رأيت أكثر الناس لا يعدلون بعثمان أحداً).

 ومرسي كان أول رئيس منتخباً في مصر في كامل تاريخها وقد بايعه عامة أهل مصر وأعطوه ثمرة قلوبهم وصفقة أيديهم وكنت وحزبك من هؤلاء.

 وعثمان رضي الله عنه كان حافظاً لكتاب الله, صواماً قواماً, ونحسب أن مرسي كذلك.

 وعثمان قام عليه أهل البغي ليعزلوه فلم يتنازل لهم وأسلم نفسه للقتل, وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه وهو محاصر يقول له (إن الله ألبسك قميصاً فإن أرادوك على نزعه فلا تطاوعهم).

 ومرسي كذلك أراد منه أهل البغي أن يتنازل وأن ينزعوا عنه لباس الرئاسة الذي قلده شعب مصر إياه فلم يجبهم.

 وما كان ينبغي له أن يتنازل لأنه لو فعل دون الرجوع إلى الذين بايعوه لكان خائناً لهم.

 وأما أنتم فليس لكم شبه في التاريخ إلا بالثوار الخوارج الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه ولم يراعوا عهدهم ولا حرمته, واتبعوا قول ابن سبأ فيه.

 واعلم أن الدم الذي سيسفك والحرمات التي ستنتهك بنقضكم عهدكم, وخيانتكم لأمانتكم ستكون في رقبتك فإنك الذي توليت كِبر هذا الأمر, وسعيت به ظاهراً وباطناً.

 وإن تبجحت بأنك قد وضعت خارطة للطريق, فلتعلم أن لصوص الحكم الذين التفوا على إرادة الأمة لا يمكن أن يكونوا قائمين بالعدل شهداء لله ولو على أنفسهم.

 ولقد صنعتم ذلك ليخلع الناس عنكم لباس السلفية الذي لبستموه زماناً زوراً وبهتاناً, ولتُسلكوا في سلك الخارجين على السلطان بغير حق.

 واعلم أنك لن تكون بديلا لمرسي وإن أطمعوك فإن الله لا يهدي كيد الخائنين.

كتبه:

عبد الرحمن عبد الخالق اليوسف

26 شعبان 1434

 4 يوليــــو2013

               

ما يجري في مصر..

ليس انقلابا على رئيس أو على حزب..

إنه انقلاب على مشروع الديمقراطية

وسيكون له ما بعده..

زهير سالم*

[email protected]

مع اعترافنا أصلا بأن التظاهر السلمي هو حق من حقوق الشعوب . وآلية من آليات الحياة الديمقراطية للتعبير عن الرأي . ومع احترامنا المسبق والمقدر للكثير من الجماهير التي تملأ الميادين المصرية تعبيرا عن غضب مشروع ومقدر الأسباب ؛ فإن ما يجري في مصر اليوم ببواعثه التي لا تخفى يشكل سابقة خطيرة في الانقلاب المبكر على مشروع الديمقراطية العربي الذي حلمت به جماهير أمتنا جميلا ومزهرا ومنجزا ..

لا يدخل في هذا التقويم الحديث عن مدى النجاح أو الإخفاق الذي منيت به التجربة الديمقراطية المصرية خلال عام ، آخذين بعين الاعتبار دور قوى الشد العكسي في عمليات الإعاقة والتحريض وإشاعة الإحباط .

إن أخطر ما في الأمر اليوم أن يرى الإنسان العربي– وليس المصري وحده - أولئك الذين طالما تحدثوا عن سلم للديمقراطية يكسره من يسمونهم بغيا – الإسلاميون – بعد أن يصلوا إلى السلطة عن طريقه ، يبادرون هم أنفسهم إلى كسر هذا السلم لأنه لم يسعفهم في تحقيق طموحاتهم ومآربهم ..!!!!

لا ينكر أحد أن شعوبنا الخارجة لتوها من عهود الاستبداد والفساد والإفساد تحتاج إلى فترة من النقاهة أطول لتستعيد وعيها بذاتها ، وإدراكها لما يدور حولها ، وحسم خياراتها على طريق إثبات وجودها الحضاري والقومي والوطني . يحتم كل ذلك على النخب الوطنية على اختلاف توجهاتها أن تتحمل مسئولياتها في هذه الفترة الدقيقة والحرجة من تاريخ الأمة لتكريس قواعد المجتمع المدني المؤسس على البر والقسط ، والاحتكام إلى آليات العصر الديمقراطية الرئيسية : الحوار السلمي كآلية من آليات التوافق ، وصندوق الاقتراع كآلية من آليات حسم القرار .

إن خطورة الموقف الناتج اليوم عن التشكيك في هاتين الآليتين ( رفض الحوار – والانقلاب على صندوق الاقتراع ) أن الذين يطلقون الرصاص على هذه الآليات الحضارية التي توافقت عليها شعوب الأرض لحسم خلافاتها على الأفكار والأشخاص ؛لا يملكون بديلا عنها ..

وأنهم حين يجدون لأنفسهم الذرائع لرفضها سيفتحون الباب واسعا لمن يخالفهم أن يفعل الشيء نفسه .

إن الذين يرفضون الحوار الوطني في مصر وينقلبون على نتائج صندوق الاقتراع يدفعون مشروع الثورة العربية في طريق المجهول . إنه نظرا لمكانة مصر المركزية فإن الحدث المصري لن يبقى مصريا ؛ بل ما أسرع ما سيتحول عربيا .. ولا يمكن لهؤلاء البهلوانات الذين يصادرون مخرجات صندوق الاقتراع الحر والنزيه اليوم أن يدعوا الناس إلى النزول على حكمه غدا

بقلق بالغ ننظر إلى مجريات الانقلاب على الشرعية في مصر . مؤكدين أن شرور انعكاسات المشهد المصري سوف تستطير نارا تحرق أول من يظن أنه قادر على الاصطلاء بنارها ..

وستبقى ثورة الشعوب العربية عصية على الاحتواء وعلى التدجين وعلى حرفها عن طريقها . وإن تحدي إرادة الشعوب سترتد على أصحابها زلزالا مدمرا لن يستطيعوا الإحاطة به .

بين الشركاء الوطنيين الحقيقيين يبقى الحوار الوطني هو الجسر الذي تلتقي عليه كل الأطراف .

ولقد انقضى عهد الأقبية والجلادين والسجون الذي يراهن عليه بعض المراهنين . قد يكون للباطل كرّة ولكن ليله ولى ولن يعود ..

نؤكد وقوفنا الكامل إلى جانب المشروع الديمقراطي العربي في كل مكان بركيزتيه الحوار الإيجابي المنتج الذي يجسر الفجوات ، وصندوق الاقتراع الحر النزيه الذي يحسم الخلاف ولا يكسر الإرادات .

و من المفيد أمام صندوق الاقتراع أن نتفهم الخسارة انتصارا وأن نفهم جماهير أمتنا الأمر كذلك لا أن يذهبوا في طريق التحريض.

نؤكد دعمنا للشرعية في مصر ممثلة في الدستور الوطني وفي الرئيس محمد مرسي ونعتبر أي مساس بهاتين الركيزتين كرة من لهب لا يدري من يمسكها إلى أين سيقذفها بعد ..

حمى الله مصر ووفق الله شعبها ونصر مشروع الثورة العربية في كل مكان ..

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية