داريا: أخوة الدم والعنب
بشار الأسد إلى أين.. وإلى متى؟!
د. محمد أحمد الزعبي
بعد أن أغلقت( بضم التاء ) جهاز التلفاز ، حيث لم أستطع ــ كإنسان ـ أن أتابع البرنامج الوثائقي الذي كانت تبثه قناة الجزيرة عن مجزرة / مجازر داريا بعنوان " داريا : أخوة الدم والعنب " ، هرعت إلى حاسوبي لأسجل بعض الانطباعات التي تركتها في نفسي وفي عقلي وفي وجداني تلك المشاهد المؤلمة والمفزعة .
لقد ألزمتني مشاهد الحلقة ، التي تجاوزت ببشاعتها ودلالتها ،حدود تصورأي كائن بشري ، سواء أكان سورياً أم غير سوري ، عربياً أم غير عربي ، مسلماً أم غير مسلم ،مؤمناً أم غير مؤمن ، أقول ،ألزمتني هذه الحلقة الوثائقية أن أطرح على نفسي السؤال التالي : ترى من هم أولئك الذين يعطون بشار الأسد وشبيحته من العسكريين والمدنيين ، سواء بفعلهم أو بكلامهم ، أو بصمتهم ،أو بتدليسهم ، سواء فوق الطاولة أو تحتها ، الضوء الأخضر ،أو حتى الأصفر لكي يقوموا بهذه المجازر والمذابح غير المسبوقة في التاريخ ، وهم مطمئنون على حاضرهم وعلى مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم ؟!. ترى ألا يتقاسم هؤلاء المعنيون المسؤولية المباشرة ، مع نظام بشار الأسد وشبيحته، عن هذه المجازر والمذابح المفزعة والمروعة ؟! .
إن جوابي على هذا التساؤل ، كمواطن عربي سوري ، هو :
إن أعداء الشعب العربي السوري ، والثورة السورية ( ثورة 18 آذار 2011 العظيمة) ، هم نفسهم أعداء الشعب العربي ، والأمة العربية ، والذين تضرب جذورمواقف بعضهم السلبية من الثورة ، بعيداً بعيداً في كل من التاريخ والجغرافيا ، بينما تعود جذور مواقف بعضهم الآخر، إلى بواكير القرن الماضي ، ، حيث معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور ، أما مواقف البعض الثالث ، فتعود ــ بصورة أساسية ــ إلى عهد ليس بالبعيد ، ألا وهو عهد دخول الساحة العربية والعالمية لعنة كل من النفط وإسرائيل ( باندورا القرن العشرين ) .
إن أعداء ثورة آذار العظيمة ، ثورة الحرية والكرامة ، هم ــ من وجهة نظرنا ــ الفئات والدول التالية :
1. بشارالأسد ، ومحيطه العائلي والطائفي ، من العسكريين والمدنيين ، ولاسيما الشبيحة منهم .
إن مبرر وضعهم في أول درجات هذا السلم ، إنما هو استحضارنا لقول طرفة بن العبد :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
2. السيد حسن نصرالله المنغمس بوحل الطائفية من هامة رأسه حتى أخمص قدمه ، ومثله نوري المالكي في العراق ، واللذان يعتبران بدورهما من" ذوي القربى"، دينياً وقومياً.
3. " آيات الله " في طهران ، المنغمسون بدورهم في أتون كل من الطائفية والشوفينية الصفوية ، والذين ، وبما هم مسلمون ، يعتبرون بدورهم ( نظرياً ) ، من " ذوي القربى " ،
4. " إسرائيل " ، المحتلة لفلسطين ، والتي تقيم مع عائلة الأسد منذ ستينات القرن الماضي تحالفاً استراتيجياً غير مرأي وغيرمعلن يقوم على الحماية المتبادلة ، وعلى أن أمن واستقرار كل منهما مرتبط بأمن واستقرار الآخر!
5. عدد من الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى ، التي أوجدت " إسرائيل " والتي تحرص وتسهر على بقائها ورعايتها ، بوصفها الحامية لمصالح هذه الدول في الشرق الأوسط عامة، والوطن العربي خاصة ، ولا سيما مصالحها الاقتصادية التي يأتي في طليعتها " النفط " . كما وتقوم هذه الدول الرأسمالية الكبرى ، ولنفس السبب ( المصالح الاقتصادية ) بحماية ورعاية الأنظمة الدكتاتورية والرجعية في العالم كله، وذلك على حساب الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية المشروعة للشعوب التي تحكمهاهذه الأنظمة الديكتاتورية والرجعية . ودون أن أتجاهل ــ بطبيعة الحال ــ أن ثورات الربيع العربي ، قد جعلت هذه الدول الكبرى ، وانطلاقاً من مصالحها أيضاً ، تعيد النظر في مواقفها التقليدية السابقة المتعلقة برعاية وحماية إسرائيل ، ولكن بحذر وببطء شديد ين ، وغير مبررين ـ بنظرنا ـ في ظل مايقوم به نظام الأسد من مذابح ومجازر تجاوزت كل القيم وكل الحدود ، كما هي الحال في داريا موضوع هذه المقالة ، والتي تجاوز عدد ضحاياها من الرجال العزل والنساء والشيوخ والأطفال الـ 500 شهيد وشهيدة في يوم واحد (25 آب 2012) ، قضى معظمهم، ولاسيما الأطفال منهم ذبحاً بسكاكين شبيحة الأسد ومرتزقته ، على طريقة ذبح الخراف والدجاج !!.
لقد أطلقت تلك الدول الرأسمالية ، على نفسها اسم " الدول الديموقراطية " ، وهو مايعني أنه كان عليها أن تصطف إلى جانب الشعوب ( وهنا ثورة 18آذارالسورية 2011) وليس الأنظمة الديكتاتورية ( وهنا نظام
عائلة الأسد الذي يحكم سورية منذ أربعة عقود ونيف بالحديد والنار ) ، بيد أن ماحصل عملياً هو العكس ، وبغض النظر عن بعض الكلمات المعسولة التي يطلقها بعض مسؤولي هذه الدول ، وذلك للتغطية على مواقفهم الحقيقية الموالية للثورة ظاهراً، وللنظام باطناً.
6. عدد من الدول العربية ، التي ترتبط مصالحها عملياً بالنظام الرأسمالي العالمي ، ولا سيما الغربي منه ، والتي ( الدول العربية المعنية ) تعتبرأن الثورة السورية ، بل وثورات الربيع العربي عامة أخطرعلى مصالحها وعلى أنظمتها ، من أعداء هذه الثورات أنفسهم ، ولذلك فإن هذه الدول إنما تضع واقعياً ، رجلاً مع الثورة، ورجلاً تبقيها معلقة في الهواء ( إن لم نقل مع أعداء الثورة )، أو بتعبير آخر، تسير خطوة إلى الأمام باتجاه الثورة وخطوة إلى الخلف في الاتجاه المعاكس ، وبالتالي فأن الحصيلة الفعلية لمواقفها الملموسة والعملية ( أي فيما عدا التصريحات المنمقة والكلام المعسول ) من الثورة السورية ، بقيت في حدود " مكانك راوح " !!.
إن مثل هذه الرؤية السياسية للمواقف العربية وإلاقليمية والدولية ، المختلفة الأشكال والألوان والمضامين، من ثورة آذار العظيمة ، ومن النظام السوري الفاشي الموالي لإسرائيل وحلفائها وحماتها ، تسمح لنا ، نظرياً وعملياً ، بأن نرى ونلمس خيطاً رفيعاً ، ولكنه متين يربط بين هذه المواقف المعادية ( كلياً أو جزئياً / ظاهراً أو باطناً ) ، لتلك الثورة ، مع إضافة والله أعلم .
إنه وبعد أن تجاوزت الثورة السورية مرحلة " الفطام " ، وتجاوز عدد شهدائها الخمسين ألفاً ، وبعد أن دمر نظام بشار الأسد ،القسم الأساسي من مدنها وقراها ، و شرد الملايين من سكانها في مختلف أصقاع سورية والبلدان المجاورة ، ماعاد ممكناً التوقف عند تلك المشروعات والقرارات الملتبسة والمشبوهة سواء الصادرة عن جامعة الدول العربية ،أوعن مجلس الأمن ، أوعن لقاء جنيف ، أوعن كوفي عنان أوعن الأخضر البراهيمي ، لأنها بمجملها مشاريع ، لاتسمن ولا تغني ، بل إن ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب .
إن إدراك كافة الفئات والدول المذكورة أعلاه ، لحقيقة وصول الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد الفاشي والقاتل في دمشق إلى " نقطة اللاعودة " جعلها تقف متفرجة أو شبه متفرجة ، على ماجرى ويجري في سورية من مجازر ومذابح كتلك التي حصلت في داريا في 25.8.2012 ، وذلك بانتظار مخلّص ما يأخذ على عاتقه حل هذه الإشكالية ، بالتخلص من الطرفين معاً (بشار الأسد و ثورة آذار) ، وذلك بعد أن عرف كل من الغرب والشرق ، أنه قد بات من المستحيل ، لهذين الضدّين ( بشار والثورة )، أن يتعايشا معاً ، لا اجتماعياً ولا سياسياً ،لا الآن ولا في المستقبل ، علماً أنه لا يهم هذه الفئات والدول ، ان يكون هذا المخلص انقلاباً عسكرياً يقوم به بعض الضباط الموالين لهم ، من الذين يجيدون لعبة " أعط إشارة نحو اليسار ، وسر نحو اليمين " وذلك للتخلص من ثورة 18 آذار التي بات شعار شبابها وشيبها ، صغارها وكبارها ، نساؤها ورجالها ، وبعد أن يئسوا من الوعود الكبيرة والكثيرة ، ولكن الخالية من أي مضمون حقيقي ملموس يدعم حراكهم الشعبي الديموقراطي المشروع ويضع حدّاً لمجازر الأطفال والنساء اليومية ، و لبراميل القتل الجماعي ، وللقنابل العنقودية والفراغية ، وللصواريخ العمياء ، ولتدمير البيئة ، ولقصف تجمعات الجياع أما المخابز ، ولتهجير الناس الجماعي من بيوتهم ومن ثم نهب وسرقة ممتلكاتهم ، ولاغتصاب الحائر ، وللتمثيل بجثث الشهداء ...الخ : ( مالنا غيرك ياالله ).