قد اكتفينا هزيمة بهذا النشيد المتخاذل

د. سماح هدايا

قد اكتفينا هزيمة بهذا النشيد المتخاذل

د. سماح هدايا

متى يحين الوقت الذي نتخلّص فيه من موروث الاستبداد والنخبوية المتغطرسة والفاسدة والاستعباديّة؟

 قد نالت منّا عميقا وكثيرا تبعات المحنة الأخلاقيّة الناتجة من سوء تعامل بعض أطياف المعارضة البارزة على الساحة مع واقع الثورة السورية. فهوس المصلحة وطموح المنصب والشهرة والنفوذ وعصبيّة التحزّب وتبعيّة الأيديولوجيا أهم من مصلحة الوطن ومصالح الشعوب الوطنيّة ومصائر الأجيال.

المعارضون القدامى الجدد قد تلاشت بعيدا رؤيتهم السياسية العريقة التي كانوا يتبجحّون بها على مدى شهور وسنوات مضت، ضاعت بعيدا في هباء الصفقات السياسيّة التي راحت تتعاطى بسلبيّة شديدة مع حالة المذابح المريعة اليومية الممارسة في أبناء الشعب السوري بأيدي النظام كلّه ورموزه كلها، وعلى مراى العالم أجمع. وبدت ضمائر هؤلاء المعارضين، ينقصها الإخلاص لمشروع التّحرّر الوطنيّ، غير وفيّة لحقوق الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب والرجال الأبرياء كأنها في غيبوبة. فلا إغاثة ولا دعم ولا نجدة. بل على العكس صفقات متآمرة على الدماء السورية.

ونسأل هؤلاء المتفقين الذين يصافحون ساسة روسيا: أين الرّؤية وحسن النوايا في مواقف المعارضة من ثورة الشعب السوري ودعمه وإغاثته؟ وماهو مصير الوثيقة التي وقعتها اطراف المعارضة مجتمعة متفقة على إسقاط النظام ورموزه كلها؟ أليس وقوف بعض المعارضة ، مثل معارضي المنبر وغيره في مشروع التأمر الروسي والأممي لتزوير حكومة بديلة من بعض رموز النظام استخفافا بما وقّعته المعارضة كوثيقة عهد وطني، واستهانة بالدم السوري المسفوك بالمجازر ودعما لتداعيات التآمر على ثورة سوريا وضحايا إرهاب نظام الأسد بكل رموزه.

 كأنّه تزوير لقرار الشعب ووجدانه وسعي لامتطاء جموح ثورته التحررية. أما آن الأوان ليصرخ الشعب الثائر في وجه هؤلاء غير المؤهلين لقيادة أمور سوريا الحاضر والغد، والذين يبدعون في إيجاد التسويغات لتنازلهم عن حق الدم السوري. وليست حججهم في أن ثورة الشعب السوري تشعل الحرب الأهليّة وأنها، ردة فعل طائفيّة في رد على شذوذ طائفي، تستدعي العمل على حماية الأمن الداخلي بترحيل هاديء للنظام إلا وسيلة لتبرير خيانتهم في التقاعس عن دعم الثورة السورية بشكل حقيقي وجاد، وإلا أداة للسيطرة والتخندق في مواجهة الثورة الشعبية بحثا عن موقع سلطة بالتواطؤ مع قوى عالميّة.

 ليست ثورة الشعب السوري حربا لإقصاء الآخرين وإنما هي حرب ضد الإبادة وهي الحرب التحريرية. وللأسف شاءت الظروف التاريخيّة أن يكون من أهم مواقع حربها التعسكر الطائفي المضاد الذي كان مدعوما لعقود طويلة. وللأسف شاء أن يكون جيش القتال ما يدعيه الآخرون تزويرا وترويجا وتحريفا بمصطلح واهم هو (جيش السنة). وإنّنا في مثل هذه المحطات التاريخيّة الخطيرة التي نعايشها الأن وتختلف، بشكل جذري، عما ماسبق من تجارب، لن نطلب من المعارضة تنشيط مواقفها بدماء الثورة والحريّة، ولن نسألها أن تكفّ عن تمثيل الأدوار وعن خوض المبادرات التي لا معنى لها في أوهام ترحيل نظام الأسد؛ فالمعركة أكبر بكثير من تصوراتهم وأطماعهم، ومن قراءتها وفق تصور الاستقرار بناء على الرهان الروسي ... سنطلب منهم الرحيل.

 وبعد أن أصبح جليّاً، وبما لا لبس فيه او شك، أنّ كثيراً من أطياف المعارضة هم حجر عثرة في وجه الثورة. وهم الثورة المضادة لثورة الشعب السوريّة؛ لأنّهم يعيدون التاريح لمجرى الاستبداد والظلم والتعسف، ويحتقرون دم الشعب السوري وضحاياه. ويعملون برموز النظام السابق من محموعات عسكرية وأمنية وسياسية وثقافية وحزبية على إنتاج استبداد جديد أشد خطرا من السابق ويشكلون منبر استبداد ماكر ليسرقوا الثورة.

 قد سئمنا تصفح المعاجم القديمة للبحث عن مفردات تصف هذا التذلل أمام العالم والاستعلاء على قدر الشعب. وسيأتي أطراف من المعارضة عاجلا دورها في السقوط، مثل سقوط نظام بشار الإجرامي المرتبطة به قصدا او من دون قصد. وسيحارب الشعب حثالات مجتمعه في الداخل والخارج. في النظام والمعارضة. في مافيات النظام التي زرعها في حواشي الثورة؛ بشراسة محاربته نظام الأسد ونظام الفساد والاستبداد.

 إنّ أحلام اليقظة لن تدوم طويلا. والتآمر على ثورة الشعب ومصيره لا يمكن تزييفه في باقة ورد روسيّة. ثورة الشعب ستكون أكبر، وستقوى على طغيانهم ومكرهم.