كلينتون والغرب والمتواطئون على الثورة السورية

د. محمد بسام يوسف

كلينتون والغرب والمتواطئون

على الثورة السورية

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

الحملة المحمومة التي قادتها وزيرة الخارجية الأميركية (هيلاري كلينتون)، ضد الثورة السورية في أهم مفاصلها: تسليح الجيش الحُرّ.. تبرهن على ما أصبح شديد الوضوح، بأنّ حدود التعامل الأميركي والغربي مع الثورة السورية، لا تتعدى الجانب اللفظيّ، وصَفّ الكلام الفارغ، وممارسة الغضب الشكليّ لضرورات الديكور والتقاط الصور التذكارية، لوزراء الخارجية في دول الاتحاد الأوروبي، لاسيما فرنسة وبريطانية، وللوزيرة كلينتون، ولمندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن (سوزان رايس) التي تبدو أنها من أفضل هؤلاء إتقاناً لدورها التمثيليّ، أثناء وقبيل وبعد انعقاد الجلسات الرسمية لمجلس الأمن الدوليّ!..

*     *     *

هل يمكن لأي عبقريٍّ أن يلمسَ فرقاً جوهرياً عملياً بين موقف الصفيق لافروف والناعمة كلينتون أو الوزير الفرنسيّ جوبيه.. من الثورة السورية، ومن المجازر والانتهاكات الفظيعة التي ترتكبها عصابات بشار؟!..

الغرب كله ملأ الدنيا ضجيجاً صوتياً ضد عصابات بشار، طوال ثلاثة عشر شهراً من عمر الثورة السورية، لكن عندما دخلت الثورة في طور الجدية، وفي طور حاجتها لتحسينٍ نوعيٍّ في أدوات الحسم.. بدأ هذا الغرب بقيادة أميركة وفرنسة، بالتملّص والمداورة والمراوغة، للالتفاف على واجبه الدوليّ لحماية الشعب السوريّ.. بل بدأت حملة محمومة بقيادة كلينتون، لثني الدول العربية الخليجية عن موقفها الداعم للثورة، وهي الدول التي عزمت على تزويد الجيش السوريّ الحُرّ بالسلاح الخفيف النوعيّ، الذي يمكّن هذا الجيش من الدفاع عن شعبه بعد أن تخلى العالَم عن الالتزام بالمواثيق الدولية والأخلاقية في حماية الشعوب!.. هنا نلمس أنّ كلينتون تلعب دوراً أشد قذارةً من دور الروسيّ لافروف، فما الفرق بين قول لافروف: [إنّ تسليح المعارَضَة السورية يعني إطالة الأزمة]، وقول كلينتون: [نرفض تسليح المعارَضَة السورية، لعدم توحّدها حتى الآن]!.. ولا تكتفي كلينتون بهذا الموقف الأميركيّ المشين، بل تقود حملةً دبلوماسيةً لمنع تسليح الجيش الحرّ من قبل الدول العربية المتعاطفة مع الشعب السوريّ!.. وهو دور مخجل تمارسه الولايات المتحدة بصفاقةٍ لا تقل عن صفاقة لافروف أو خامنئي أو المالكيّ أو حسن الصفويّ اللبنانيّ.

*     *     *

لعلّ انكشاف المواقف الحقيقية لمنافقي الغرب، هو إحدى ثمرات الثورة السورية، ولعلّ المرء هنا لا يستطيع التمييز بين شبيحة بشار الهمجيين، ووزراء الخارجية لبعض الدول الغربية، إذ تجمع هؤلاء خصلة واحدة: انعدام الأخلاق الإنسانية، وكلا الطرفين هنا يبدوان بلا أخلاق، فلا تهزّ الجرائم الفظيعة -المرتَكَبَة يومياً بحق الشعب السوريّ- شعرةً في رأس أيٍّ منهم!.. وفي مثل هذه الحالات يستحيل التفريق بين مَن يقترف الجريمة، ومَن يخذل الضحية خذلاناً عميقاً في الوقت الصعب الحرج!..

لقد انكشف الموقف الحاليّ للقضية السورية وثورتها عن المشهد التالي:

- إيران وحكومة المالكي وميليشيات الصفويين العراقيين، تلتحم مع عصابات بشار طائفياً، وتُدرك أن نهايته ستكون نهايةً للأحلام الصفوية الفارسية في المنطقة.

- روسية تتضامن مع نظام القَتَلَة الأسديين، وتمدّه بالدعم السياسيّ والعسكريّ واللوجستيّ، بكل ما يتطلبه هذا الدعم من تشبيحٍ وهرطقةٍ إعلاميةٍ وممارساتٍ سياسيةٍ مافيوية.

- الصين تؤمّن الغطاء اللازم للنظام الأسديّ، لنهب ثروات سورية، وتهريب الأموال لصالح عائلة بشار وزبانيته وعملائه.

- إسرائيل تمارس دورها الخبيث، الظاهر حيناً، والخفي أحياناً أخرى، لتوجيه السياسات الغربية والمواقف الأميركية، باتجاه الحفاظ على النظام الأسديّ، الذي ينفِّذ سياسةً إسرائيليةً بامتياز، في تدمير كل مقوّمات المقاومة وإرادة التحرير لدى الشعب السوريّ، فضلاً عن حفظ أمن المغتصِب الصهيونيّ للجولان وفلسطين!..

- الغرب بقيادة أميركة وفرنسة وبريطانية، يمارس دوراً نفاقياً، فهو يُظهِر التعاطف مع الشعب السوريّ، ويُبطِن التواطؤ مع سياسات النظام الأسديّ وممارساته الوحشية، مع مَنحه المهلةَ تلو الأخرى، أملاً في القضاء على الثورة، وإعادة ضبط البلاد لصالح حفظ الأمن الصهيونيّ.. والغرب أثناء ذلك يتبنّى سياساتٍ مُضحكة، انكشفت حقيقة أهدافها بدورة المزاعم والأحجيات الغربية التالية:

المعارَضَة مفكَّكَة يجب توحيدها، ولا يمكن توحيدها إلا إذا كانت لديها رؤية لمستقبل سورية، ولا يمكن لهذه الرؤية أن تقنع أحداً إلا بتوحيد فصائل الجيش الحرّ، ولا يمكن ضبط الجيش الحرّ إلا بخضوعه لقيادةٍ سياسيةٍ تتمثل في المجلس الوطنيّ السوريّ، والمجلس الوطنيّ السوريّ ليس ممثلاً وحيداً للمعارَضَة السورية على الرغم من كل الشرعية التي حصل عليها، وإن لم تنضمّ المعارَضات الأخرى إلى المجلس الوطنيّ فلا يمكن تقديم الدعم له، وإذا سلّحنا المعارَضَة أو الجيش الحرّ فربما يقع السلاح في أيدي تنظيماتٍ إسلاميةٍ متطرِّفةٍ تهدّد أمن إسرائيل، والسلاح لا يمكن تقديمه للسوريين إذا لم تضمن الأقليّاتُ مستقبَلَهَا،..!..

يمارسون كل هذه الهرطقة، وعصابات بشار لا تقف عن الفتك بشعبنا، وإهلاك الحرث والنسل، من أقصى سورية إلى أقصاها، والدم يسيل في كل مكان، والانتهاكات بكل أشكالها تمارَس على مدار الساعة، بحق شعبٍ أعزل لا يجد مَن يحميه، ولا يُزَوَّد بما يدافع به عن نفسه!..

*     *     *

إزاء ذلك كله، لم يعد لدى الشعب السوريّ المنكوب سوى العمل على ما يلي:

1- تنظيم الجيش الحرّ، بما يؤمّن له المرونة الكافية للتعامل مع حرب عصاباتٍ طويلة الأمد، طرفاها: الأول: الشعب السوريّ مستعيناً بالله عزّ وجلّ، والثاني: عصابات بشار مدعومةً بأشكالٍ وصورٍ عدّة، من قِبَلِ العالَم كله، بشرقه وغربه، فضلاً عن دعم حلفائه الطائفيين.

2- تعبئة شعوب العالَمَيْن: العربيّ والإسلاميّ، لتقديم مختلف أنواع الدعم إلى الثورة السورية: مالاً وسلاحاً ورجالاً وإغاثةً، وكذلك على الصعيد الإعلاميّ والسياسيّ.. وتنظيم ذلك كله.

3- الالتحام والتنسيق مع المقاومة العراقية والأحوازية والشيشانية، وذلك بما يستثمر الجهودَ والإمكانات المشتَرَكَة، لهزّ أركان الطائفيين الصفويين وروسية المجرمة، وأركان كل مَن يجرؤ على التدخّل في شؤون الشعب السوريّ.

4- الدعوة إلى التطوّع للجهاد في صفوف الثوار السوريين، داخلياً وخارجياً، مع التعبئة النفسية والتربوية الجهادية، بأنّ المواجهة غدت واضحة المعالِم: بين الكفر والإيمان، بين الحق والباطل، بين المؤمنين والمشركين، بين عشاق الحرية وأنصار الشيطان ومَن يدعمونه أو يتواطؤون معه في الشرق والغرب.

5- على الشباب المسلم أن يتجهّز للنفير العام بعد أن سدّ المجرمون والمتواطئون والمنافقون والطائفيون والمتخاذلون وأنصار الكيان الصهيونيّ.. سدّوا كل آفاق الحماية لشعبنا وشرفنا وأعراضنا وأموالنا وبيوتنا وأرضنا وإنساننا وأرواحنا ودمائنا، فالثورة السورية هي الثورة التي ستخطّ مستقبل هذه الأمة كلها، وهي القضية التي سترسم مستقبل المنطقة: إما نصراً يُـخلِّف كرامةً وحريةً وازدهاراً، أو هزيمةً تُـخلِّف انكساراً وذلاً وعبوديةً. فلا ريب إزاء هذا الخيار الصعب الذي وَضَعَنا العالَم أمامه، بخذلانه وتخاذله.. لا ريب من تحويل سورية إلى ساحة شرف، لكل عربيٍّ ومسلمٍ فيها حق الذود عن البلاد والعباد. ولا تغرّنّكم هرطقات لافروف أو بوتين أو كلينتون أو جوبيه أو أوباما.. ومَن على شاكلتهم.. فأفغانستان حرّرها من براثن أشد الدول إجراماً وقذارةً (الاتحاد السوفييتي).. مجاهدون حفاة لا يملكون سوى كسرة الخبز والبندقية القديمة، وأطاحوا بالدولة الستالينية العظمى إلى غير رجعة. والحرب هي حرب إراداتٍ وليست حربَ طائراتٍ ودبابات. فلنلقّن هذا العالَم المجرم المتواطئ الشرّير الدرسَ جيداً.

*     *     *

كان يمكن لأميركة أن تُكَفِّر عن بعض جرائمها الفظيعة التي ارتكبتها أثناء احتلالها العراق وأفغانستان، لكنّ هذه الدولة المجرمة الآفلة بإذن الله، لا يمكن أن تخرجَ من جلدها وجبلّتها، فليكن أفولها على أيدي الثوار السوريين والمقاومين العرب والمسلمين في كل مكان. أما نهاية المشروع الصفويّ الفارسيّ، ونهاية عملائه الخونة في المنطقة، فهذا مما لا بد منه، وهو تحصيل حاصل. فلينتظر العالَم المتواطئ المتجرِّد من الأخلاق الإنسانية.. لينتظر المعجزات القادمة للثورة السورية الربانية المبارَكَة.

               

* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام