ثورتنا.. مشروع عدل وحرية وكرامة إنسانية

زهير سالم*

وليس جزء من أي صراع

دولي أو إقليمي أو إيديولوجي

زهير سالم*

[email protected]

العدل والحرية والكرامة الإنسانية ذلك هو جوهر مشروع الثورة السورية التي انطلقت بإرادة الشباب السوري على اختلاف توجهاته، وبعد أن رزح على مدار ثلاثة أجيال تحت سطوة نظام مستبد وفاسد، ولاسيما بعد استمع هؤلاء الشباب إلى بشار الأسد وهو يعلن أن مشروعه للإصلاح سيحتاج إلى جيل آخر، وأدركوا أن الظلم في وطنهم أصبح قانونا، وأن الظالمين باتوا يعتقدون أن هذه المظالم التي يفرضونها على المجتمع هي مكاسب فئوية لهم ولصنائعهم، الذين كلما حازوا مكسبا طلبوا من مثله المزيد.

منذ الأيام الأولى للثورة أعلن الشباب السوري إلى كل من يهمه الأمر، أن جوهر مشروعه الوطني هو تثبيت الحقوق الوطنية في العدل والحرية والكرامة والإنسانية، وانضمت إليه في ذلك معظم  القوى السياسية على الساحة السورية؛ ولكن أطرافا كثيرة أصرت وما تزال تصر على ربط هذه الثورة بمحاور ومشروعات دولية وإقليمية وأطروحات حزبية وإيديولوجية...

ومنذ الأيام الأولى للثورة حاول النظام في لعبة مكشوفة أن يربط هذه الثورة بأجندات خارجية تحت دعوى ( المؤامرة الخارجية ) وإيديولوجيات ضيقة تحت دعوى ( الفتنة ) التي تفنن هذا النظام في إيجاد عناوين معبرة عنها: مندسون وفلسطينيون وسلفيون وإرهابيون وإخوان مسلمون..

وأصر صوت الشباب الثائر مدعوما بمواقف المعارضة الواعية على الاحتفاظ بجوهر الموقف الثوري في إرادة العدل والحرية في إطار الوطن الذي يجب أن يكون لجميع أبنائه، كما يقول هؤلاء الثوار..

ولا شك بعد أن تعززت مسيرة الثورة، شأنها شأن أي حدث سياسي يفرض نفسه بقوة على الرأي العام، وعلى واقع المعادلة السياسية؛ أن تسعى قوى ومحاور سياسية أن توظف هذا الحدث في مصلحتها، وأن ترى فيها داعما لتوجهاتها، وكذا لا شك أن يجد فيه آخرون لسبب أو لآخر مهددا لمصالحهم مناقضا لتوجهاتهم فيسعى هؤلاء وأولئك إلى تحديد مواقف مسبقة من هذا الحدث بناء على حسابات عصبوية ضيقة، أو مصالح وخسائر وقتية عارضة!!

يحاول الكثيرون  أن يعرّوا المواقف السياسية من أبعادها الأخلاقية والإنسانية؛ ولكن ليس من الإنصاف في شيء أن نجرد كل القوى والدول من الأبعاد الإنسانية والأخلاقية. ولاسيما حين نفكر في الأمة الواحدة في إطار العروبة والإسلام، ونؤكد أنّ  في عدالة مطالب الشباب السوري، وفي حجم المعاناة التي عاشها هذا الشعب على مدى أربعين عاما سببا كافيا للانحياز إلى هذا الشعب، ودعم تطلعاته، ومساندته حتى يحقق أهدافه في العدل والحرية والكرامة الإنسانية..

ومع هذا وذاك نجد أن من واجبنا أن نكرر لكلا الفريقين من المتطلعين لتوظيف ثورتنا أو المتخوفين من توظيفها أن هذه الثورة في جوهر مشروعها الوطني لا تحمل أي مواقف مسبقة من الآخرين في دوائر ( مع أو ضد ) . ثورتنا هذه في إرادتها للعدل والحرية والكرامة ليست، ولا تريد أن تكون، جزء من أي صراع دولي أو إقليمي على أي خلفية من خلفيات الصراع.و لقد رفضت جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها الطويل، حتى في زمن الحرب الباردة سياسة المحاور والأحلاف. ولم يستطع أي طرف دولي أو إقليمي أن يجرها إلى مشروعه، و مع ما يملك شعبنا وجماعتنا من روح إيجابية منفتحة على التعاون على الخير مع الجميع. نرفض بالمطلق  أن تصبح دماء أبناء شعبنا، ومشروعه الوطني الساعي للعدل والحرية مادة لأي تجاذب دولي أو إقليمي.

بل سنكون في كل لحظة مستعدين لتقويم أي مقترح بّناء لتحقيق تطلعات شعبنا، ودراسة هذا المقترح بعقل منفتح وبلا أي خلفيات ايديولوجية أو محورية. نعتبر الحكمة ضالتنا ولا نبالي من أين نأخذها. ولسنا معارضة عدمية ترفض للرفض، أو تجد في الرفض أسلوبا من أساليب ادعاء البطولة المزيفة.

وحين تفكر روسيا أو الصين أو أي دولة في العالم بعلاقاتها المستقبلية مع سورية، فعليها أن تعيد تقويم موقفها من مشروع العدل والحرية والكرامة الإنسانية ابتداء. وأن تدرك أن هذا الموقف سيسجل على تاريخها الحضاري قبل تاريخها السياسي.و عليها أن تفعل ذلك في إطار إدراكها أن الشعوب أبقى من حكامهم، وأن الشعوب قادرة هي الأخرى على الوفاء لمبادئها وتحقيق مصالحها، وأن اتخاذ المواقف من قضايا هذه الشعوب بناء على التصورات المسبقة،أو الحسابات المباشرة و القريبة ليست من فعل السياسي الرشيد...

وفي إطار سعينا الحثيث للانتصار لقضية شعبنا، والدفع عن حياة شبابنا، وحقن دمائهم، والانتصار لتطلعاتهم لا يفتأ بعض الناس يقلب النظر في ثنايا الشعب السوري، ويتنصت على إيقاع الشهيق والزفير من صدور أبنائه وبناته، مشككين ومخوفين ومثبطين..

أما هذه الثورة المباركة فالذي نريد أن نقرره ونؤكده أنها ثورة للعدل والحرية والكرامة الإنسانية والمساواة الوطنية بدون أي عنوان إيديولوجي أو خلفية فئوية أو حزبية، عرقية أو مذهبية..

وإذا كان الفكر السياسي الإنساني قد وجد تجليه الأرقى  في بناء الدولة الحديثة، وإذا كان صندوق الاقتراع المدني هو الآلية الأساسية المعتمدة  لصناعة القرار في هذه الدولة وحسم الخلافات بين أبنائها؛ فإن أي ذريعة للدفع باتجاه قرار دولي أو إقليمي لحرمان الشعب السوري من هذا الحق الإنساني – كما حصل على مدى أربعة قرون – هو حكم ببقاء هذا الشعب خارج التاريخ، ونفي كرامته الإنسانية عنه. ستسقط كل محاولات المصادرة على المطلوب الديمقراطي. وستسقط كذلك كل محاولة لفرض قيادات مصطنعة على هذا الشعب مهما تكن طبيعة القوى التي تدعمها.

وستسقط كل الأحاديث المزجاة التي تساق لتسويق الاستبداد والتخويف من الخيار الديمقراطي في وطننا.إن  الثقة بقدرة التداولية الديمقراطية على تصحيح خياراتها ومراقبة مسارات الحكم الرشيد فيها هي نقطة البداية. إن إقصاء  شعوبنا من عالم الفعل السياسي خلال نصف قرن تحت عنوان حماية الاستقرار والتخويف مما اصطلح على تسميته بدكتاتورية الأكثرية قد قاد المنطقة والعالم إلى شر كبير. وربما ستكون له مخرجات أخطر في القرن الحادي والعشرين.

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية