حمص، أعجوبة الثورة

مجاهد مأمون ديرانية

الثورة السورية: خواطر ومشاعر (18)

مجاهد مأمون ديرانية

من كان يظن أن سوريا يمكن أن تثور؟ أقلُّ القلة من الناس، وأقلُّهم مَن جازف فتوقع أن تكون حمص في طليعة الثائرين. لكن سوريا فاجأت الدنيا وثارت، إن سوريا هي ثورة المفاجآت. وحمص فاجأت سوريا وتصدّرت الثورة، إن حمص هي كبرى المفاجآت في ثورة المفاجآت!

كانت حمص واحدة من خمس مدن اشتعلت فيها الثورة منذ اليوم الأول، بدأت شعلةً صغيرة كما بدأت في المدن الأخرى جميعاً، ولكن أهل حمص أمدُّوها بقوّة من قلوبهم ونفخوا فيها حماسة من أرواحهم، فما لبثت أن امتد لهيبُها من بقعة إلى بقعة وانتشرت من حي إلى آخر، فلم يمضِ إلا الأقل من الزمان حتى انكشفت حمصُ عن مفاجأة الزمان: لقد انفجر فيها بركان الثورة الأعظم.

وإذا كان البركان ينفجر يوماً أو شهراً ثم يخمُد ويهمُد، فإن بركان حمص ثَوّارٌ فَوّارٌ أبداً، قد تعاهد مُوقِدوه أنهم لا يَهِنون ولا يهدؤون أو يزولَ النظام. وإنهم لأهل بِرّ ووفاء، وإنهم لا يُخلفون الوعد ولا يَخونون العهد؛ لن يهنوا ولن يهدؤوا حتى يسقط النظام.

لقد أرعبَت حمصُ النظام، فجيّشَ عليها جيوشَه وأطلق فيها آلة القمع والإجرام، فما وهنت فيها عزيمة ولا لانت لها قَناة. ثم ما زال يقود عليها الحملةَ بعد الحملة وحمصُ هي حمص، لا تَهين ولا تَلين، حتى جاء اليومَ يقود عليها حملة هولاكية آثمة جديدة، يظن أنه يهزمها هذه المرة. وأنّى؟ أما غالبَ حمصَ من قبل فغلبته حمص في كل مرة؟

وها هم القَتَلة يصبّون حممهم اليومَ على بابا عمرو، يظنون أنهم يكسرون حمص إذا كسروا بابا عمرو. ما أبعدَ آمالَكم يا أيها السفّاحون! هذا بابا عمرو، أعلمتم -ويحكم- ما بابا عمرو؟ وهذا باب السباع، أعلمتم ما باب السباع؟ والخالدية والبياضة وسائر أحياء حمص العديّة الأبيّة... لا، ما عرفتم حمص؛ لقد غدت حمص كلها بأحيائها وقراها، بحاضرها وباديها، غدت ناراً تحرق ظلمكم وتأكل يومكم، ونوراً يهدي ثائري سوريا إلى الحرية ويكشف لهم الطريق.

ولو أنكم -يا أهل حمص- استقَلْتم بعد ذلك كله لأقَلْناكم، فإنكم قدمتم بين أيديكم ما أخّره الآخَرون إلى آخِرة؛ لقد دفعتم الثمن معجَّلاً والآخرون دفعوه منجَّماً، بين معجَّل ومؤجَّل، فلو طلبتم هدنة تستريحون فيها لما لامكم أحد، ولكنكم أبيتم إلا أن تضربوا للناس الأمثال، فنهضتم ولمّا يندمل الجرح وهتفتم لدرعا ونوى وجبلة وبانياس الأسيرات، وأنتم وإياهنّ في الأسر سواء. ثم نهضتم ولمّا يندمل الجرح وهتفتم لتلكلخ والرستن وتلبيسة المقهورات، وأنتم وإياهنّ في القهر سواء. ثم قمتم فهتفتم لجسر الشغور الجريحة، وأنتما في الجرح سواء، وهتفتم لحماة يوم القرح، وأنتما في القرح سواء... ما أعظمك يا حمص من مدينة وما أعظم أهلك، أهل النخوة والوفاء.

لقد أخطأ النظام الحساب. منذ اليوم الأول هتف به أهل حمص أنْ نحن أحفاد خالد، ولو علم النظام مَن هو خالد لما غامر باستعداء حمص وأهل حمص. أما علم أن خالداً لم تُهزَم له راية قط؟ خالد -يا أيها النظام- لم يَخُنْ رايته في أول الدهر ولم يَقُدْ جيشاً إلى هزيمة، وأحفاده في آخر الدهر لن يخونوا الراية ولن يُهزم لهم جمعٌ بإذن الله.

لقد أخطأت الحساب يا أيها النظام حينما استعديت أحفاد خالد، لقد حفرت قبرك بيدك. أما علمت؟ لقد اقترب يوم الحساب.