الإصلاح إرادة ومتضمنات

زهير سالم*

اغتصاب الرّبيع العربي!

صلاح حميدة

[email protected]

فعلت جريمة مليشيات القذّافي بحق المواطنة الليبية إيمان العبيدي فعلها في الإعلام الدّولي، فجرأة هذه الفتاة في الإعلان عن ما ارتكب بحقّها، أدت دوراً هائلاً في المعركة التي تجري بين الشّعب الليبي ومليشيات عائلة القذّافي، بل لا نبالغ إن قلنا بأنّ ما قامت به العبيدي يفوق ما يقوم به الثّوار الليبيون سياسياً وإعلامياً وعسكرياً.

فعل القذّافي ومن معه من الحكّام العرب الكثير من الخطايا بحق مواطني الدّول العربية، واغتصبوا حقوق النّاس الأساسية في الحرّية والحياة الكريمة و حرية الحركة و حق العيش كمواطنين في بلدانهم، بل قام الكثير من هؤلاء ببناء أصنام لهم في بلدانهم، واغتصبوا الوعي الشّعبي والفردي بإعلام ومناهج دراسية مضللة، وبعيدة كل البعد عن الواقع المحلّي والدّولي، حتى أشرب بعض النّاس في قلوبهم هذا الاغتصاب الفكري والعقلي لهم، وقاموا بعبادة هؤلاء وتأليههم، في ثالوث ( الله والقائد والبلد) وطبعاً القائد هو المقدّم عند هؤلاء على رأس الثالوث، لأنّ الله والوطن لا وجود لهما في تفكير وأداء هؤلاء على أرض الواقع، حتى إنّ بعض أنصار هؤلاء القادة وضعوا صور الزعيم على الأرض، وسجدوا عليها تقبيلاً وتبجيلاً، بطريقة مقرفة ومضحكة وتعيد إلى الأذهان أيام الجاهلية الأولى، فبإمكانهم تقبيل الصّورة وهم واقفون، فلماذا توضع على الأرض ويسجدون عليها، أو لها؟.

قام هؤلاء الزّعماء- الأصنام - باغتصاب كل ما هو جميل في واقعنا العربي، ويعملون على تخضيب هذا الربيع بالدّماء والدّمار والسّواد، معتقدين أنّ شعوبهم عبارة عن جمهور من العبيد لا حق لهم في العيش إلا تحت سطوتهم، أمّا إن قاموا بالمطالبة بحقّهم بالحرية والمشاركة والعدالة الاجتماعية، فلا بد من انتهاك بكارة ربيعهم بطريقة وحشية، تتشابه في الجوهر بينهم جميعاً، فيما تختلف فقط في بعض الشّكليات والمسمّيات.

الإسلاميون والقاعدة

 إحدى أهم وسائل الأنظمة الدكتاتورية في محاولات   اغتصاب الرّبيع العربي، فهم يضعون الدّاخل والخارج أمام الاختيار بينهم وبين ما يسمّى بالقاعدة أو  الحركات الاسلامية، بل يسعى بعضهم لخلق القاعدة الخاصّة به، ويمنحها فرصة السّيطرة على بعض المناطق من بلده للتلويح للغرب والإقليم والدّاخل، بأنّ السّماح بإزاحته عن الكرسي سيؤدّي لسيطرة ما يقول أنّه قاعدة في بلده، وأنّ إبقاء الفاسد المستبد هو الأفضل لهذه الأطراف جميعاً، بدلاً من التّحوّل نحو ما يعتبره البديل المجهول الذي يضر بمصالح تلك الأطراف جميعاً، وهذا الأسلوب استخدمه هؤلاء جميعاً بلا استثناء، وهذا يؤكّد بأنّ هؤلاء أدوات تخدم الخارج في مواجهة أطراف يرى الخارج أنّها تهدد مصالحه الاستراتيجية في المنطقة.

"أحكمكم أو أقتلكم"

هذا شعار حكام العرب كما لخّصه عبد الرّحمن شلقم في كلامه الموجّه للقذّافي، فالزّعيم العربي يعمل  على اغتصاب الإرادة الحرّة للمواطن العربي الثّائر، عبر قتله وتخضيب خضرة ثورته بالدّم، فإمّا اغتصاب الإرادة وسط صمت الضّحيّة، وإمّا أن تتم محاولة اغتصاب تلك الإرادة على الهواء مباشرةً، عبر عمليّات القتل والقصف. ولا بدّ أنّ ما قام به بعض أدوات اغتصاب الإرادة الشّعبية من فعلة نكراء بحقّ الحرّة الليبية إيمان العبيدي، يبيّن درجة الحنق وفقدان السّيطرة التي انحدر إليها هؤلاء، ولكن في الوقت نفسه ، تظهر هذه الحالة أنّ زمن صمت الضّحية وسلبيتها وتواريها عن الأنظار، انتهى إلى غير رجعة، فلن تصمت الضّحيّة بعد اليوم، ولن تنكفىء بعد الآن، بل ستصرخ في وجه الظّالم أمام العالم، وستستمر في حراكها حتى تأخذ حقها وتعاقب المغتصب أيّاً كان.

الفوضى

 يحاول هؤلاء اغتصاب ربيع الثّورة بالتّلويح وبتفعيل قوى الفوضى الدّاخلية، فهؤلاء يعتبرون أنّ الاستقرار الخادع الذي يأتي به الاستبداد هو البديل الحقيقي للحرية والكرامة، ولذلك يسعون لإشعال فتيل الفوضى المنظّمة عبر المافيا الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يديرونها منذ عقود، هذه المافيا تسعى للدفاع عن مصالحها التي يهدّدها ربيع الثّورة العربية، ولذلك تعمل على إشعال نار الفوضى والسلب والنهب والحرق والتّدمير والاعتداء على البيوت والأفراد، ويلاحظ أنّ انتشار وإيقاف هذه الفوضى يتمّ بطريقة مبرمجة، وما جرى ويجري في الدّول التي تشهد بدايات ربيع ثورة العرب يؤكّد على هذا الأمر. ولكن المضحك أنّ هذه الأنظمة تدّعي بأنّها لا تعرف من هم مثيرو عمليات القتل والفوضى، مع أنّه لا يتنفّس مواطن عربي، أو يجري اتصالاً هاتفياً، أو يتصفّح موقعاً على الشّبكة العنكبوتية، أو يزور أو يصافح صديقاً إلا وكانوا فوق رأسه؟!.

البلطجيّة والبلاطجة واللجان الثّورية والزّعران والشّبّيحة والمجهولون

 يقوم هؤلاء الزّعماء بتجنيد صغار المنتفعين وعبدة الأصنام والأموال، من الذين يعتاشون على فتات الأنظمة، والذين سيتضرّرون حتماً بزوالها، وهؤلاء مجموعة من المجرمين الذين يلقى على عاتقهم تشويه كل ما هو جميل في الوطن العربي، يسرقون ويدمّرون ويحرقون ويعتدون على المطالبين بالحرّية، ويفتعلون الإشكالات والفتن بين الطّوائف والمناطق، ويعتدون على وسائل الإعلام التي تنشر ما يجري على الأرض من إجرام، بل يقتلون ويغتصبون، و يمتدّ وجود هؤلاء إلى وسائل إعلامية تتبع هؤلاء الزّعماء، تمارس ما يسمّى ب (البلطجة الإعلامية) وهؤلاء هم الذين يقودون توجيه وحقن وتحريض جموع الفوضويين والبلطجية على الأرض ضد القوى المطالبة بالحرّية  في العالم العربي، وظهر نتاج أفعال هؤلاء على أرض الواقع في الكثير من المدن العربية.

الطّائفية والمناطقية

 اشتعلت الثّورة العربية في الكثير من الدّول العربية بدرجات متفاوتة، وكان أبرز سماتها الجميلة اختراقها للطائفية والمناطقية والحدود المفتعلة بين العرب، وبلغ تأثيرها حداً أبهر العالم أجمع، وبات الجميع ينتظر ما سيجري في العالم العربي.

بعض الزّعماء العرب وبعض دعاة العرقية والطّائفية في العالم العربي، سعوا لاغتصاب هذه الصّورة الجميلة وتشويهها، فقام بعضهم بركوب موجة الثّورة، إمّا لخدمة طائفية أو مدعياً بمواجهتها لأنّها طائفية، بل زيد على ذلك، بأن يقف البعض مع ثورة ما في قطر عربي لأنّها تخدم مصالحه السّياسية والطائفية، ويتجنّد لدعمها في الإعلام بشكل مذهل، أمّا في ثورة أخرى، فيتبنّى منطق القمع والاغتصاب لثورة الحرية والكرامة، لأنّها تتعارض مع توجّهاته ومصالحه الطّائفية والمناطقية والعرقية والسّياسية. كما أنّ تلك القوى تسعى من خلال مهاجمتها أو تبنّيها الطّائفي والمناطقي والعرقي لبعض الحركات الشّعبية، يعكس رغبتها في اغتصاب ربيع الثّورة من خلال تحوير اهتمام من يتبعونها طائفياً وعرقياً ومناطقياً تجاه الصّراع المفتعل مع الآخر، بدلاً من الاهتمام بالقضايا الجمعية المحقة التي تنهي دور هؤلاء. دعم هؤلاء لبعض التّحركات الشّعبية في مناطق ورفض محاولات اغتصابها من قبل النّظام الرّسمي، والقيام بدعم اغتصاب الحركة شعبية أخرى في نفس الوقت،  يعكس نفاقاً في مواقفهم تجاه ربيع الثّورة العربية، يفقدهم المصداقيّة، بل لا نبالغ إن قلنا إنّ تلك القوى تعتبر إحدى عوامل الشّد العكسي لنجاح الثّورة العربية، حتى ولو دعمت بعضها إعلامياً. فهذه الأطراف هي المحرّك الحقيقي للفتنة في العالم العربي، حتى يتسنّى لها السّيطرة على الشّعوب العربية تحت سيف الترهيب من الفتنة، ولعل ما كشف عنه في مصر من دور هذه الأنظمة وأدواتها في إشعال الفتنة الطّائفية أكبر دليل على أنّ هؤلاء هم دعاة الفتنة وأهلها  ومسعّروها، وأنّ كل ما يهمّهم فقط هو البقاء على كرسي الحكم.

المؤامرة الخارجية

 تعتبر إحدى أدوات اغتصاب ربيع الثّورة العربية، فالزعماء العرب يجمعون أنّ كل حراك شعبي يطالب بالحرية عبارة عن مؤامرة خارجية ذات ذيول محلية تتبعها وتنفّذها، وعندما يقفون أمام تساؤل مهم عن قدرة أطراف خارجية على حشد ملايين العرب للخروج في مسيرات الحرّية؟ يجيب هؤلاء بأنّ الغالبية هم من المضلّلين ومن ذوي النّوايا الحسنة الذين وقعوا فريسةً لأصحاب الأجندات الخارجية، هذا المنهج في التّفكير يعكس طبيعة رؤية تلك الأنظمة لشعوبها، فهي – حسب رأيهم - شعوب قاصرة عن التّفكير السّليم والتّصرّف الصّحيح، وهي دائماً بحاجة لتوجيهات القائد الملهم الذي لا يخطىء والذي يقترن اسمه دائماً باسم الله. وبما أنً ما جرى عبارة عن مؤامرة مزعومة، فالحل يكمن باطلاق يد قوى القمع الدّاخلي للقيام بكافّة المهمّات القذرة التي تبدأ بالقتل والاعتقال والاغتيال، وتنتهي بتلفيق الاتهامات وفبركة القصة- المؤامرة للاعلام، وطبعاً تصبح مطالبة الشّعب بالحرّية رجس من عمل الشّيطان، ويقترن المجاهرة بطلبها مع المؤامرة الجريمة، ولا مجال للشّعب إلا أن ينتظر محاضرات القادة الملهمين التي يتصدّقون بها على النّاس، فيما يزداد الفاسدون فساداً، ويزداد الواقع سوءاً. ولكن هل تنطلي تلك الادعاءات على المواطن العربي؟ من المؤكّد أنّه لا، فالمواطن العربي ليس قاصراً ولا مضللاً، بل هو قادر على الفهم، وهو قادر على التّصرّف، فالقضاء على الفتنة يمر عبر الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والضّرب على يد المفسدين، فزمن حجب المعلومة والتّضليل الذي تمارسه الأنظمة بات من الماضي، ولا يمكن إعادة عجلة الثّورة إلى الوراء.

المصفّقون والهتّيفة

وهؤلاء يعتبرون من الكمبارس المرافق لكافّة المشاهد التي يظهر فيها الزّعماء العرب أمام الاعلام، ويتم استخدام هؤلاء في الوقت الحالي، كأداة، لتبرير اغتصاب ربيع الثّورة العربية، فهم يقومون بدورهم التّضليلي في حضور وفي غياب الزّعيم العربي، ولكن تم تكثيف حضورهم في الفترة الاخيرة، وهم يستحضرون بطريقة مصطنعة بدائية تثير الإزدراء عند إلقاء الزعماء العرب لخطاباتهم المملة التي ترفض الاستجابة لمطالب الحرية، ويلاحظ أنّ الزّعماء العرب يحاولون افتعال تأييد شعبي لهم من جموع هؤلاء المنافقين عبر حشدهم في أماكن ومناسبات بعينها، ويحشدون الموظّفين والطّلاب والعمال بطريقة إجبارية، ويتم قيادة جموع المجبرين من قبل الهتّيفة والمصفّقين وبإشراف أمني فاقع، ويبدأ هؤلاء بالتّصفيق والهتاف للزعيم الّذي لا مثيل له، بل يقوم بعض هؤلاء المنافقين بمخاطبة الزّعيم بأنّه يستحق أن يكون زعيماً للعرب، فيما يقفز آخر ويقول له: أنت يجب أن تكون قائداً للعالم؟! وكأنً العالم بحاجة للمزيد من الدّكتاتوريين إضافيين يقمعون شعوبهم ويسرقون ما في جيوبهم ويقتلون ويمتهنون كرامة أبنائهم.

السياسة الخارجية ومقاومة الاستعمار

 بعض الدّول العربية تعلن سياسة خارجية تظهر بأنّها معادية للاستعمار، وتقوم أغلب تلك الأنظمة بممارسات سياسية و مقاولات أمنية في خدمة الاستعمار والاحتلال، ولكن في اللحظة التي ينهض فيها الشّعب العربي للانضمام لربيع الكرامة والحرّية، يصبح هذا الحراك الشّعبي العربي مباشرةً في خدمة الاستعمار، ويصبح حرص الخارج على التّصريح بتضامنه مع هذا الحراك، نقطة تدين المطالبين بالحرية، لا نقطة تحسب لهم..

فبعض تلك الأنظمة يقامر بمصير الوطن والمواطن في سبيل الحفاظ على حكمه، وعمل على استثمار سياساتها الخارجية والدّاخلية في سبيل خدمة هدف البقاء في الحكم، وهو الثّابت الوحيد في كل تلك السّياسات، ويحاول تبرير القمع الدّاخلي بما يطلق عليه (قانون الأولويات) فهل هناك أولوية تقدّم على الحرية والكرامة الانسانية؟ وهل مقاومة الاستعمار تقتضي قمع النّاس وسلب حرّيتهم وإطلاق يد الفاسدين لنهب قوتهم؟ وهل فعل الخير في الخارج يعطي تصريحاً مفتوحاً بقمع الشّعب؟ وهل يستطيع أي نظام مقاومة الاستهداف الخارجي فيما شعبه مقهور ومظلوم وجائع؟. فما الّذي جناه القذّافي من مجد في أفريقيا وأمريكا اللاتينية بينما شعبه في أغلبه يكرهه ولا يريده؟ بل يطلب من كل الدّنيا أن تحميه منه.

إنّ الدّول القويّة في داخلها هي القوية في خارجها، بينما الأنظمة القائمة على اغتصاب الإرادة الشّعبية لن تستطيع صنع سياسة خارجية مثلى، حتى لو أحسنت استثمار التناقضات والمتغيّرات الدّولية والاقليمية في بعض المراحل، ففي زمن ربيع الثّورة العربية لا مكان لمغتصبي إرادة الشّعوب مهما فعلوا.

       

الثورة عندما تصبح ثقافة

محمد زهير الخطيب

كنت أتساءل منذ سنوات لو تسلط حاكم مستبد مثل حكامنا على دولة اوروبية ديمقراطية فماذا يفعلون؟ ولم أعرف الجواب حتى رأيت الثورة التونسية واختها المصرية، فاتاني الجواب، إن الشعب الحر يجب أن يصل إلى درجة من الثقافة والوعي يدرك فيها حقوقه ويكسر حاجز الخوف ويصدع فيها بالحق ويعري فيها الفساد فلا يستطيع بعدها أحد أن يستعبده أو أن يسلبه حريته.

واليوم الشعوب العربية حققت نصاب الثورة المطلوب، وانطلق الشعب في سورية يريد حريته كاملة، والسلطة تريد البلد مزرعة لآل أسد. رغبتان لا تلتقيان ولا بد من منتصر، كفة الشعب لا شك هي الراجحة ولكن هناك ثمناً يجب أن يدفعه، كان يمكن للنظام أن يعيد للشعب بعضا من حقوقه يعلله بها حتى حين ويؤخر بها نهايته المحتومة قليلا، حيث سيطالب الشعب بعدها بالمزيد، لان من ذاق طعم الحرية هان عليه ثمنها - ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر- ولكن النظام بتكوينه المخابراتي أصرعلى أنه يريد المزرعة كاملة لانه ورثها دون تعب ولم يدفع لها ثمناً، وسيكون حتفه في خياره الارعن هذا.

في خطاب الرئيس في (سيرك الشعب) قال للدمى التي جمعها لتصفق له مستهزئاً ومستبقاً منتقديه المحتملين، الذين قد يعتبروا أن ما جاء في خطابه من الاصلاحات المتوقعة ليس كافياً: (لا يوجد لدينا ما يكفي لكي ندمر وطنننا) وجملته هذه معناها على أرض الواقع وبالعربي الفصيح: (لا يوجد عند سلطتتا العائلية الحاكمة الاصلاحات الكافية التي يطالب بها الشعب لان هذه الاصلاحات ستدمر حكمنا).

وقال: (اذا فُرضت علينا المعارك اليوم فاهلا وسهلا) وكلامه على أرض الواقع وبالعربي الفصيح: إذا طالب الشعب بحقوقه فهذا إعلان حرب علينا ونحن نرحب بمحاربة الشعب إذا طالب بحريته)

وقال: (من لم يساهم في درء الفتنة وهو يستطيع فهو جزء منها) ومعنى الكلام على أرض الواقع وبالعربي الفصيح أن أي فرد من الشعب يقف على الحياد هو جزء من الثورة وسيناله عقاب الاسرة الحالكمة ولو كان ساكناً في غرفته مدثرا في فراشه ينام تحت لحافه.

وقال: (هم يريدون منا أن نقدم لهم صك استسلام مجاناً عبر حرب افتراضية)، ومعنى الكلام على أرض الواقع وبالعربي الفصيح أن مطالب الشعب المشروعة يفهمها النظام إعلان حرب عليه، وهي حرب افتراضية لانه سيمنع الشعب من مجرد وضع رجله في الشارع للتظاهر بالقتل والضرب والاعتقال والترويع،- رغم ادعائه كاذباً بان التظاهر حق مشروع وأن المتظاهرين لديهم مطالب مشروعة، فهو يمنع التظاهر عملياً ويكذب ويلتف على مطالب المتظاهرين ليجعلها أجندات أجنبية ومندسين وعصابات مسلحة مما لم يعد أحد يصدقه فيه، سيقامر النظام حتى القرش الاخير مما سرقه من أموال الشعب.

واليوم الثورة في سورية تضع رجلها في الطريق الصحيح، إنها تكسر حاجز الخوف، وتمرغ هيبة السلطة المستبدة بتمزيق صور الرئيس وأبيه، وتكسير أصنامهم وتحرق شعاراتهم، وتفضح لصوصهم، وتستخدم وسائل العصروتحول كل مواطن إلى مراسل إعلامي، ينتقد، ويصور، ويكتب، ويجري مداخلات على الفضائيات، بداً من تلاميذ المدرسة الابطال في درعا إلى عشرات المصورين في المسيرات إلى مئات المدونين على الشبكة العنكبوتية، إلى عشرات البيانات التضامنية من مفكرين وادباء وسياسيين كانوا يلوذون بالصمت منذ حين لسبب أو لآخر ولكنهم اليوم انطلقوا يؤيدون الثورة ويطالبون السلطة بالكف عن القتل والضرب والاعتقال، وأصبح لكل شهيد جنازة مهيبة ولكل معتقل مطالبون عنيدون، كل هذا رصيد للثورة لا رجعة فيه ومسامير في نعش السلطة تزداد يوماً بعد يوم.

لم تعد السلطة قادرة على تجاهل الحدث، فهاهي تستعرض في قنواتها عشرات الشباب يشكون البطالة والفقر والفساد المستشري وصعوبة العيش، ولكنها لا تنس أمرين، أن تجعل المتكلمين يستثنون الرئيس من الشكوى وكأنه ليس رأس الفساد، وأن لا تتعرض الشكاوى إلى الحرية والكرامة بل تبقى في رغيف الخبز وفرصة العمل... ومع ذلك فان هذه المقابلات ستبقى محفورة في ذاكرة الشعب يبني عليها ثورته ويزيد فيها صرخته، حتى إذا جاء أجل السلطة فلا يستأخرون ساعة ولا تستقدمون.

وهنا تأتي مسؤولية المترددين والخائفين، بأن لا يحرموا أنفسهم شرف الثورة، وأن يدلي كل بدلوه، ويصدع بكلمة الحق بطريقته، ويرفع سقف مطالباته، حتى يكتمل المشهد وتهتز أركان بيت العنكبوت الذي تأوي إليه حكومة المخابرات التي نهبت البلاد وأشقت العباد، وشتت أبناء الوطن في كل واد. ويومئذ يفرح الثائرون بزوال الطغيان ومحي الفساد.

       

الرئيس الذي يضحك ملء فمه

بينما شعبه يبكي دماً

هاقان أل بيرق *

في درعا، في اللاذقية، في الشام الشريف يقتل المتظاهرون العزل بوحشية، جميع السوريين يبكون دماً ماعدا أقلية سعيدة، دم مشاهدي أشرطة الفيديو للمذابح عبر الانترنت يتجمد لكن رئيس سوريا بشار الأسد يضحك بملئ فمه وهو ينظر في عيون شعبه

بعض من يوصفون بممثلي الشعب من المتملقين يشجعونه بقولهم له أنت أسد أنت نمر وبدوره يطير من السعادة

شعب سوريا الذي انتظر أياماً بعد الاحداث الرهيبة ليسمع لماسيقوله الرئيس، الذي أمل بأن الرئيس سيقول قف لهذه التطورات، وبهذا الأمل تبسمر أمام شاشات التلفزيون ليسمع خطاب الرئيس في مجلس الشعب نظر بحيرة الى هذه التراجيدية المضحكة، لايصدق مايرى ومايسمع، يبدأ بأن (اسرائيل هي التي أثارت المشكلة) وينتهي بأن (نحن بجانب المقاومة ( حزب الله وحماس)) في خطاب غريب الشأن..وبين الحين والأخر مراوغات وكأنه يخادع أطفالاً (شعب درعا هو شعب قبضاي جداً) ومنظور غامض للاصلاح لدرجة الجنون (الشعب يريد إصلاحات، الاصلاح شئ جيد،نحن بالفعل مصلحين و بسبب أمور مثل إحتلال العراق واغتيال الحريري لم تترك لنا مجالا لنقوم بكل الاصلاحات التي نريد ولكننا سنقوم بها لاحقاً لكنني لاأستطيع القول متى سنقوم بها بالضبط) وماشابه

كل هذا في مزاج غريب، المتملقين يصفقون في كل فرصة، بشار الأسد يصفق لهم أيضاً، يضحكون ويتمتعون سوياً. يضحك 14 مرة في خطاب لم يستمر حتى لساعة من الزمن، شعبه يبكي دماً لكن بشار وكأنه راض جداً عن حاله، يبدو أنه راض جداً عن حال سوريا أيضاً. على الاقل يظن أنه لامكان للانفعال أليس في يوم الثلاثاء تجمع مئات الالاف في وسط العاصمة دمشق وهتفوا (ارواحنا ودماؤنا فداء لك يابشار) وأظهروا كم هم راضون عن النظام؟

نعم كانت حشود كبيرة، تجار الشام أوضحوا كيف تم جمع هذه الحشود ( قالوا بأنهم سيؤذوننا إذا لم نجمع كل موظفينا ونذهب للمظاهرة، قاموا بالضغط نفسه على المشرفين في البنوك والدوائر الحكومية، قالوا لطلاب المدارس( تعالوا غداً بلباس مدني وليس بلباس المدرسة، سنذهب للمظاهرات معاً)، تم جمع هذه الحشود بهذا الشكل

بطبيعة الحال يمكن أن ألافاً قاموا بالاشتراك طوعياً بالمظاهرة ظناً منهم بأنه سيعلن في ذلك الخطاب بأن بشار أسد ليس (كالاخرين)، لن يتسامح أكثر من ذلك مع (الاخرين) بعدما أسالوا كل هذه الدماء في الايام الاخيرة، أخيراً من أجل الوفاء بالوعود التي أعطاها منذ مجيئه للسلطة - 10 سنوات- سيقوم بتصفية (الاخرين) وسيقوم بالعجل بتلبية طلبات الشعب بالإصلاح، لكن تعالوا وانظروا الى ماقاله الرئيس في الخطاب العجيب الذي لايتناسب قدر ذرة مع شدة الوضع: يقولون بأنني أريد الإصلاحات لكن من حولي يقفون ضد الاصلاحات، هذا ليس بالصحيح، إن من حولي يضغطون علي دائماً لـ(قم بالاصلاحات)، للأسف فإن اسطورة أن الرئيس يريد أن يفعل أشياء جيدة لكن شقيقه ماهر المتحكم بالقوات الخاصة وابن عمه مدير المخابرات وشقيقه رجل الأعمال/الناهب يمنعونه من ذلك قد انتهت، أليس كذلك؟

عندما تذكر ماهر...قبل بضع سنوات تم قتل عشرات من السجناء الاسلاميين في سجن صيدنايا بعدما تمردوا على التعذيب من قبل رجال ماهر أسد وحشية لايمكن تصورها. مؤخراً ظهر تسجيل فيديو يظهر ماهر أسد وهو يصور بكامير هاتفه المحمول الأجساد الممزقة في تلك المذبحة براحة مخيفة-أحدى يديه في جيبه- ربما ليريه لأصحابه وأحبابه ويقول(انظروا انظروا كيف تشوه رأس الرجل)، وإلا لماذا يقوم لتحميل تلك المناظر الى هاتفه؟ إن أمن درعا واللاذقية موكول لهذا السادي! ليس فقط شعب درعا واللاذقية ولكن كل السوريين متروكين لرحمة ماهر أسد ولابناء عمومته ولاوليغاريشية البعث، على يد من؟ من قبل الرئيس بشار أسد! لم يلمح ضدهم حتى بشكل طفيف، على العكس قام بشار أسد بدعمهم بشكل صري مما يعني أنه معهم، للأسف هذه هي الصورة الآن

قام بشار أسد بخطوة جديدة بعد التذمر في جميع أنحاء سوريا من خطابه الذي لم يأتي بأي جديد مع أنه قام بإفساد كل شئ: تم تأليف لجان لتقدم للحكومة الاطر القانونية في ظرف 15 يوماً اللازمة لرفع حالة الطوارئ (لكن بإصدار قانون لمكافحة الارهاب بدلاً عنه) ولتصحيح أوضاع الأكراد الذين لايتمتعون بحقوق المواطنة...نفس الشئ سيعمل لنظام متعدد الأحزاب هو على جدول الأعمال...ياالهي هل بدأ بشار أسد الذي وعد بحل هذه المشاكل منذ عشرة سنوات بالسؤال حديثاً عن كيفية إنشاء البنية التحتية القانونية اللازمة؟ هل جاء إلى ذهنه الأن رسم الأطر النظرية لها؟ ألم يخطر بباله الى اليوم عن ( كيف علينا عمل هذه الأعمال كاملة)؟ ألم يقل (علينا اتمام التحضيرات النظرية لتنفيذ هذه الاصلاحات بدون إضاعة الوقت عندما تسنح الفرصة)تفاهة رائعة

سنقول (على أي حال أخيراً فإن بشار أسد سينقذ الموقف) لكن لا يمكننا بعد الآن قول هذا، كيف بإمكاننا قول هذا؟ بعد خطابه ذلك في مجلس الشعب حدثت مجزرة في اللاذقية، تم قتل طفل صغير في وسط الطريق بالرصاص. بينما تجري الدعاية لـ (سنقوم بالافراج عن السجناء السياسيين) يساق بعضهم كل يوم تحت اسم مخربين أو مخربين محتملين من بيوتهم الى أماكن مجهولة. لاتزال عجلة الاضطهاد تدور بسرعة قصوى. يتم التساؤل إلى أي مدى سيصل بشار أسد بالاصلاحات وهو الذي يبدو بأنه لاينوي فصل طريقه عن أخيه السادي أو أبناء عمه الذين يقومون بظلم الامة أو الاوليغارشية البعثية، حتى لو قام بالذهاب للأخير بماذا ستفيد هذه الاصلاحات؟ لنقل بأنه تم الذهاب الى نظام ديمقراطي متعدد الاحزاب، تم القيام أيضاً بانتخابات رئاسية متعددة المرشحين، ماذا سيحدث إذا لم يلتفت الشعب لحزب البعث ولبشار أسد؟ ألن يتدخل الشقيق-ابن العم في نتائج الانتخابات؟ ألن تقوم القوات الخاصة والمخابرات بانقلاب؟

يخطئ بشار أسد عندما يظن بأنه بإمكانه إدارة الموقف بأقوال (تسقط اسرائيل وتحي المقاومة) في حين أنه يقدم سوريا فداء لشقيقه ولاولاد عمومته ولحزب البعث. إن دعمه لفلسطين لايكفي لتكفير وحشية حزب البعث التي لاتنقص عن الفظائع الاسرائيلية. هذا النظام الذي يعامل شعب سوريا كما تعامل اسرائيل الفلسطينيين أو اللبنانيين لن تجمله ملصقات (بشار أسد-حسن نصر الله يداً بيد) المعلقة يمنة ويسرة. لن بالإمكان نيل إعجاب الشعب بميكياجات تحت اسم إصلاحات. شعب سوريا ليس بأحمق وقد وصلوا بسوريا لهذه الحالة بوضعه في موضع الاحمق، والان وفي محاولة الخروج بسوريا من هذه الحالة يضعون الشعب في موضع الاحمق أيضاً والشعب يتجهز للنظام مع الوقت

أنا في دمشق منذ ثلاثة أيام وإن شاء الله سأكون قد عدت لتركيا حينما تقرأون هذه السطر، وسأقوم الاسبوع القادم بكتابة مارأيت وسمعت في دمشق بإذن الله.

--------------------------------------

* صحفي معروف بأنه من المؤثرين على السياسة التركية مع سوريا، ومقالته نشرت السبت في جريدة يني شفق.

       

ألا في الفتنة سقطوا

د. أحمد أبو الهدى

يا سيادة الرئيس بشار الأسد

انتظرنا طويلاً، وطويلاً جداً، بعد المأتم الدرعاوي واللاذقي، لتحدّثنا حديثاً يطمئننا ويريحنا من وساوسنا، ويوضح لنا حقيقة ما جرى في درعا وفي اللاذقية، فنعرف من هم هؤلاء "المندسّون" الذين يتحدث إعلامك ووزراؤك عنهم، فتكشف لنا حقيقتهم وجنسياتهم وأسماءهم وأسماء من دفع لهم وحرّضهم، وانتظرنا أن تشرح لنا كيف وقع إطلاق النار، وكيف قتل هذا العدد الكبير من الناس وأوامرك واضحة بعدم القتل وبعدم إطلاق النار.

وانتظرنا أن تخبرنا بأن قانون الطوارئ قد ألغي بدءاً من هذه اللحظة، لحظة إلقاء خطابك، وأنك قد أوعزت إلى كلّ السجّانين أن يطلقوا مساجينهم، وإلى كلّ المخابرات أن يعتقوا رقاب أسراهم، وإلى كل اللصوص الكبار، ولا سيما أقرباؤك، أن يكفّوا عن الناس أذاهم وأن يخرجوا من سورية إلى بلدان أخرى ليمنحوها هناك "نعمهم وبركتهم وكراماتهم" وأن يكتفوا بهذا القدر من مئات المليارات التي نهبوها حتى الآن من أفواه الجائعين والمشردين والبائسين من أبناء الشعب في سورية، وأن وأن وأن..

لكنّ شيئاً من هذا لم يتحقق، وعلى العكس كان معظم حديثك عن "الفتنة" وقد أسهبت في شرحها، كما شرحها إعلامك ورجالك من قبلك، وبأنها الفتنة الطائفية، وبأنك سوف تتصدّى لها وللداعين إليها إذا فُرضت عليك معركتها. حسناً، إذن دعنا نرفع صوتنا معا يا سيادة الرئيس لدفع هذه الفتنة الطائفية عن سورية الحبيبة بكل ما استطعنا من قوة:

دعنا إذن نقول للعلوي في سورية إذا أهان سنياً أو شتمه أو ضربه، ومن غير أن يجرؤ السنيّ على الردّ ولو بكلمة واحدة، أن نقول له: ليس من حقك أن تهينه لمجرد أنك علوي وأنه سنّي، فنحن ضد الطائفية،

ودعنا نقول للعلوي إذا اضطهد سنياً وأكل حقوقه غير آبه بالقانون ولا بأحكام الشرع ولا بأحكام المحاكم: ليس من حقك أن تعتدي على حقوقه لمجرد أنك علوي وأنه سنّي، فنحن ضد الطائفية،

ودعنا تقول للعلوي إذا آثر علويا مثله على سنّي في تعيين موظف حكومي: ليس من حقك أن تفضّل العلوي على السنّي لمجرد أنه علوي، فنحن ضد الطائفية،

ودعنا نقول للعلويّ إذا أصرّ على أن يفرض نفسه شريكاً للسنّي في أي مشروع تجاري أو صناعي يقوم به هذا الأخير، وأن يكون له فيه نصيب الأسد: ليس من حقك أن تفرض نفسك عليه أو تحرمه من ثمرة مجهوده الشخصي ومحاولته لتطوير وإنماء الاقتصاد الوطني، فقط لأنك علوي وهو سنّي، فنحن ضد الطائفية،

ودعنا نقول للعلوي إذا فرض إتاوةً على كل مشروع تجاري أو صناعي يحاول أن يقيمه سنّي: ليس من حقك أن تفرض عليه هذا لأنك علوي ولأنه سنّي، فنحن ضد الطائفية،

ودعنا نقول للعلوي إذا سرق أرضا من سنّي وحرمه من حقوقه المشروعة فيها، غير آبه بعرفٍ أو قانونٍ أو شرع: ليس من حقك أن تحرمه من حقوقه فقط لأنك علوي ولأنه سنّي، فنحن ضد الطائفية،

ودعنا نقول للعلوي إذا كان قاضيا، أو إذا اشترى قاضيا، فحَكَم للعلوي ظلماً ضدّ السنّي: لا تفعل هذا فنحن ضد الطائفية،

ودعنا ودعنا ودعنا...

أية فتنة تتحدّث عنها يا سيادة الرئيس؟

أئذا سكتنا عن كل هذه الجرائم الطائفية التي ترتكب تحت مظلتك في كل يوم وفي كل ساعة، في كل بلد وفي كل قرية من قرى ومدن سورية، نكون مخلصين ووطنيين، وإذا اعترضنا وطالبنا بالمساواة بين أبناء وطننا نكون دعاة إلى الفتنة؟

أي فتنة تتحدث عنها يا سيادة الرئيس؟

لقد بدأت الفتنة يوم أخذ العلويون في سوريا كل شيء، ولم يتركوا لغيرهم أي شيء، والويل لمن يقول: لا يا جماعة، لا تجعلوها طائفية،

لقد بدأت الفتنة يوم أهان العلويون في سوريا المسلمةِ كل مظاهر الإسلام ومقدساته: القرآنَ والمسجد والحجاب والمصلين وأعلنوها علوية بكل بجاحة ووقاحة، وكأنهم هم الأكثرية في الوطن والباقي لا شيء، والويل لمن يقول: ليس هكذا يا جماعة، لا تثيروها طائفية،

لقد بدأت الفتنة يوم بدأ بضعة أشخاص من أقارب الرئيس، العلويين، بامتصاص دماء الشعب السوري والاستئثار بكل أرباح البترول والغاز والاتصالات والمشروعات الكبرى، وملء جيوبهم وحساباتهم بالمليارات وكأن الوطن قد غدا مزرعة لهم، والويل لمن يقول: يا جماعة لا تقلبوها طائفية،

لقد بدأت الفتنة يوم بدأت الدولة تعاقب بائع الخضار الفقير، وبائع الفلافل، والموظف الصغير، والعامل البسيط على مخالفات بسيطة، ثم تركت الجرائم الكبرى، والسرقات بالمليارات بلا حساب ولا عقاب، فقط لأن اللصوص الكبار هم من أتباع الطائفة العلوية ومحسوبون على أسرة السيد الرئيس، والويل لمن يقول: يا جماعة أنتم هكذا تديرونها طائفية...

ثمّ إنك تتحدث في خطابك اليوم عن وجود "بعض الفاسدين" في سورية وتقول إنهم "معروفون بالاسم". عجبا يا سيادة الرئيس، إنك أول رئيس في التاريخ، قديمه وحديثه، يعلن أمام شعبه وعلى الملأ، بل في مجلس نوابه – أيّ مجلس للمهرّجين هذا المجلس – أن في الدولة فاسدين وأنه يعرف أسماء هؤلاء الفاسدين، ثم يخرج من المجلس من غير أن يشرح لماذا سكت عنهم حتى الآن، ولماذا لم يصدر الأمر بتوقيفهم، بل من غير أن يعد أبداً بمحاسبتهم وإحالتهم إلى القضاء، لا عاجلاً ولا آجلاً؟

قانونياً وأخلاقيا وشرعياً وعقلياً؛ كيف نفسر هذه المعادلة العجيبة؟

فإمّا أن السيد الرئيس أضعف من أن يكون قادراً على معاقبة هؤلاء اللصوص الكبار لأنهم أقوى منه بكثير، وإذن فأي بلد مسكين يحكمه مثل هذا الرئيس المسكين، وأية مافيا تتحكمّ، من وراء هذا الرئيس، بمصائر شعبه وتمتص دماءه،

وإمّا أنه قادر على معاقبتهم ولكنه ساكت عنهم رغم أنف الكبير والصغير لأنهم من طائفته وعائلته، وإذن فأيّة مصيبةٍ بعد هذه المصيبة، وأية طائفية بعد هذه الطائفية،

وإمّا أنه شريكٌ لهم في المسروقات، ونحن نربأ بك يا سيادة الرئيس أن تصل إلى هذا الدرك الأسفل من الرؤساء الذين علمت لتوّك كيف كانت مصائرهم على يد شعوبهم.

أي فتنة تتحدث عنها ياسيادة الرئيس ونحن نرى الفتنة متمثّلةً في منصبك، وهو منصب لم تنله إلا لأنك علوي، ونرى الفتنة وأنت تتحدث في مجلس قيل إنه مجلسٌ للنواب، ولكن لا كلمة ولا رأي فيه إلا لعلوي، ونرى الفتنة وأنت تقيل وزارة وتشكّل أخرى من غير أن يمتلك وزير، لا في القديمة ولا في الجديدة، أية صلاحية أو قدرة على اتخاذ قرار إذا لم يكن يحمل في جيبه شهادة علوي، ونرى الفتنة وأنت تحتمي بالعديد من أجهزة مخابراتك التي لا يكاد يعمل فيها أو يشرف عليها أو على تعذيب الآدميين وقتلهم فيها إلا علوي؟

ألا في الفتنة سقطت، وعلى فراشها ولدت، وعلى ظهرها ارتفعت، وعلى مائدتها أكلت وشربت، ثم تأتي لتقول لنا: إياكم والفتنة.. إياكم والفتنة..

       

زهير سالم*

[email protected]

ليس خافيا أن الشعب السوري قد انخرط في المشروع التحرري الذي سبق إليه إخوانه في تونس ومصر. ومهما تعرضت حركة الشارع السوري لعمليات المد والجزر؛ فإن الخروج إلى الشارع ليقول الشعب ( نعم ولا ) قد أصبح حالة مألوفة بالنسبة لأبناء درعا وهي الحالة التي ستزحف تدريجيا إلى بقية المحافظات. وسينتج هذا حراكا خارج دائرة السيطرة وستكون له استحقاقاته العملية على مستوى الحياة العامة للمواطنين..

على المستوى الرسمي لا بد أن يلحظ المراقب حجم الفزعة التي يردُّ بها مجندو النظام على مطالب المواطنين؛ لا بد أن يلحظ المرء حجم التناقض والتردد ومحاولة إلقاء التهم فيما يجري، على الآخرين: المندسين – الإرهابيين – العابرين للحدود – والقادمين على ظهر السيارات – والمتسللين من المخيمات – والفلسطينيين – والأصوليين – وعملاء أمريكا وإسرائيل..

إن جملة الجهات التي ذكرت في السياق السابق هي مجرد أسماء بلا مسميات على أرض الواقع. بينما يبقى ذكر الفلسطينيين حين ذُكروا باسمهم وبدون أي دليل مادي أو معنوي على اشتراك أي جهة فلسطينية في حراك الشارع السوري ذو دلالة خاصة. بل نستطيع أن نزعم أن الدور الفلسطيني منذ عقد يلعب دورا سلبيا في الترويج للنظام والتخذيل عن الشعب السوري وقضاياه العادلة. وهو تخذيل احتمله المواطن السوري طويلا اعتبارا لأولوية القضية الفلسطينية لديه، كانت الورقة الفلسطينية بالنسبة للنظام وما تزال الحسنة التي أذهبت الكثير من السيئات.

إن إلقاء التهمة على سكان مخيمات مجهولين تم في سياقين الأول منذ الأيام الأولى لأحداث درعا، ثم مع الإشارة الصريحة إلى سكان مخيم الرمل الفلسطيني في سياق أحداث اللاذقية..

لم يكن استدعاء العنوان الفلسطيني سوء تقدير، ولا تعثرا لفظيا كما ذكر البعض. إنه محاولة ذكية أو غبية كما يحلو لك، للتلويح بورقة الفصائل الفلسطينية على سبيل الوعيد. وربما غفل هؤلاء الذين تعودوا على تقليب الأوراق أن مقاربة الورقة الفلسطينية بسوء في إطار الأحداث القائمة يعني أن يطلق النظام على نفسه رصاصة الرحمة..

أما استدعاء مسميات مثل (الإرهاب والأصولية والمؤامرة الطائفية) فإنما يراد منه العودة بذاكرة المجتمع إلى مجازر الثمانينات التي ظلت تشكل مثيراً للرعب في الوعي الجمعي للمجتمع السوري، والمحاولة من خلال ذلك لتكريس أشكال من المظالم التاريخية..

إن جملة العناوين الإصلاحية التي تم الحديث عنها حتى الآن لا توحي بالتفاؤل بإرادة إصلاح حقيقي. إن استبدال قانون محاربة الإرهاب بقانون الطوارئ، يعني أن هناك محاولة للالتفاف على المطلب الشعبي، واللعب على حبال الصياغات اللغوية.

إن إرادة الإصلاح تنطلق من إقرار موضوعي بأن السياسات في العقود السابقة كانت عدمية وضالة. وأن حصادها كان قهرا وفقرا وتفسخا وتشرذما. إن تقسيم الناس إلى ( تقدميين ورجعيين ) واعطف ما شئت على هذين الوصفين من مرادفات، يؤكد أن قاعدة نحن الأخيار وهم الأشرار ما زالت هي المهيمنة، وأن إرادة الإصلاح ستظل تضرب في التيه.

إن من أبسط متضمنات عملية الإصلاح أن لا تصادر مقدماتها نتائجها. إن الإصلاح لن يتم إلا بالتأسيس العملي والواقعي لسورية دولة مدنية حديثة لجميع أبنائها. دولة مؤسساتية تعددية تداولية. يتساوى أبناؤها تحت سيادة القانون.

بغير هذا المعطى، بغير التأسيس العملي والعلمي المشتق من روح العصر ومعطياته لن يكون هناك مشروع إصلاح جاد يقنع جماهير شعبنا شبابا وشابات الذين أثبتوا أنهم أكثر تفتحا وتألقا مما ظن الكثيرون...

       

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية