الواقع العربي وإصلاح.. الإصلاح

الصادق بنعلال

من حوران هلّت البشائر ...

لعيونك يا شعبي يا ثائر ...!!!

بهذه الأهازيج الوطنية الهادرة صدحت ولا زالت تصدح منذ عدّة أيام ، حناجر أهلنا في حوران الحبيبة ، مؤكدة في ذلك على استمرارية الثورة السورية المباركة التي عمّدتها بدم الشهداء الأبرار من أبنائها ، والتي انطلقت شرارتها  في الخامس عشر من شهر نيسان الجاري ولا زالت مستمرة بفضل الله  ، ومن وحي هذه الثورة المباركة ، وتلك الأهازيج الحماسية المؤثرة ، أضع أمام الشعب السوري الثائر العبر والدلالات  التالية :

أولاً : من جنوب الوطن الحبيب ، ومن حوران العز والشموخ نفسها ، كانت قد انطلقت الثورة السورية المباركة لطرد المحتلين الفرنسيين في بدايات القرن الماضي ( 1925 ) والتي خاض فيها أبناء حوران الأبطال ، مع الفرنسيين المحتلين ، أروع الملاحم الجهادية المباركة في ( معركة المزرعة ) التي كسروا فيها ظهر المحتل الفرنسي الغاصب ، ودوّخوا قياداته ، الأمر الذي أربك الفرنسيين ، وأفقدهم صوابهم ، ودفعهم إلى إرسال كل ما لديهم من قوات وتعزيزات عبر مرفأ بيروت ، مما اضطر الثوار البواسل إلى الاستنجاد بأهلهم في الجبل بقيادة السلطان باشا الأطرش .

وهاهي حوران اليوم تعيد ألق التاريخ وأمجاده ، فتفجّر الثورة المباركة ، وتعمّدها بالدم الطهور من أبنائها لتقوى وتستمر بإذن الله حتى تحقيق كامل أهدافها في الحريّة والكرامة والعيش الكريم

ثانياً : وعندما استنجد ثوار ومجاهدو حوران الأبرار بإخوانهم وأبناء وطنهم في جبل العرب ، نادى سلطان باشا الأطرش ، بأعلى صوته والتاريخ أذنٌ تسمع أن : ( لبّيك حوران )  ، ووضع كل إمكانات الجبل ( الدروز والعلويين ) تحت تصرف إخوانه وأبناء وطنه الحورانيين ، وجهّز جيشاً لجباً قاده بنفسه لنجدة إخوانه متحدّياً بذلك التقسيمات الاستعمارية البغيضة التي فرضها المحتل الغاصب ، والتي قسّموا بموجبها الوطن الواحد الموحّد إلى دويلات فئوية ( حلب + دمشق + دروز + علويون ) بهدف التناحر والتصادم والاقتتال فيما بينها  ، وضرب أروع صور البطولة والوطنية في قتال المحتل الفرنسي الغاصب ...

وهاهي  حوران اليوم ، بل سورية كلها ، ترمق نخوة أهلنا في الجبل ( دروزاً وعلويين ) ليقفوا وقفة القائد سلطان باشا الأطرش والمجاهد الشيخ صالح العلي مع أهلهم وأبناء وطنهم في حوران وسورية كلّها ، ضد الظلم والعبودية والإذلال ، ليثبتوا للسوريين والعرب والعالم أجمع ، بأن سورية الحبيبة هل ملك لكل أبنائها السوريين الشرفاء ، وليست مزرعة لآل أسد وآل مخلوف وأزلامهم ...!!!

ثالثاً : لنقف على دلالات حرق الشباب الثائر الغاضب في درعا لمقرات ( الحزب ، والقصر العدلي ، وشركات الاتصالات ) ...!!!

يا أبناء شعبنا السوري العظيم ...

أيها العرب والمسلمون ...

يا أحرار العالم ...

ماذا يعني حرق تلك الرموز الثلاثة في سورية  .!؟

إنه يعني الغضب والثورة على الظلم السياسي المتمثّل في حكم الحزب الواحد والفرد الواحد والعائلة الواحدة منذ ما يزيد على نصف قرن ، وتهميش كل فئات الشعب الأخرى وطبقاته .

والغضب والثورة على الظلم القضائي المسيّس ، الذي يسمح لأجهزة الأمن المتغوّلة التابعة مباشرة للعائلة الأسديّة ، بأن تعتقل الآلاف من أبناء شعبنا المظلوم ، حتى لو كانوا أطفال مدارس قاصرين ، كما حصل لأبناء درعا الأحرار ، أو طاعنين في السن كما حصل مع المناضل هيثم المالح وغيره ، وتزجّ بهم في غياهب الزنازين ، ولعشرات السنين ، بدون أية تهمة ، أو محاكمة ، وبدون أن يعلم أهلهم وذويهم أو أية جهة قضائية أو منظمة إنسانية أي شيء عنهم ، أو حتى عن مكان اعتقالهم  .

أما ما يتعرّضون له داخل تلك الزنازين المظلمة ، فذلك الحديث عنه يفتت الأكباد الرطبة ، ويقطع نياط القلوب الحيّة ...!!!

أخيراً ، وليس آخراً ، الغضب والثورة على الظلم المالي والاقتصادي ، وسرقات آل مخلوف وفضائحهم التي أزكمت الأنوف ، والتي حوّلوا بموجبها سورية الحبيبة إلى واحدة من أكثر دول العالم فساداً ، كما حوّلوها كما ذكرنا سابقاً إلى مزرعة لهم ولآل الأسد وآل شاليش وبعض العوائل المتنفّذة ، وتركوا الآلاف المؤلّفة ، بل الملايين من أبناء الشعب السوري يتضورون جوعاً ، ويعيشون تحت خط الفقر ، مما اضطر الملايين منهم للهجرة خارج الوطن بحثاً عن الكرامة ولقمة العيش .

يا أبناء شعبنا السوري العظيم من جنوبه إلى شماله ، ومن شرقه إلى غربه ...!!!

من أجل ذلك ، وغيره الكثير ، نرى أن تحافظوا على جذوة ثورتكم المباركة متّقدة ، وتزيدوا زخمها لتعمّ الوطن كلّه ، ولا تتركوا الطغاة يستفردوا بمدينة بمفردها ، كما يحصل الآن في درعا وجاسم الحبيبتين ، وتطوّروا أساليبها ، وتحافظوا في نفس الوقت على سلميتها وتحضّرها حتى لا تعطوا المسوّخ للطغاة والسفاحين والمجرمين لضربها وإجهاضها ، ونحن على يقين تام بأن دم الشهداء الطاهر ، الذي سال على ثرى حوران البطلة سيكون حافزاً عظيماً لتأججها ، وضريبة طاهرة لديمومتها ونجاحها ...

بسم الله الرحمن الرحيم (( إنّ الله يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيانٌ مرصوص )) صدق الله العظيم

بسم الله الرحمن الرحيم ((إن تنصروا اللهَ ينصركم ، ويثبّت أقدامكم  )) صدق الله العظيم

الدكتور أبو بكر الشامي

دمشق : في السابع عشر من ربيع الآخر 1432 هجري

الموافق للثاني والعشرين من آذار / مارس / 2011 ميلادي

       

حول سياسات القمع وسفك الدماء في سورية

بيان

من تجمع المثقفين الأحرار

أيها الأخوة المواطنون أبناء سورية الحرة الأبية..

إلى أبناء أمتنا العربية والإسلامية

إلى أحرار العالم في كل مكان..

وكان ما خفنا أن يكون. كان ما حذر منه كل العقلاء والراشدين والحريصين على أمن الوطن وأمانه واستقراره وازدهاره. لقد ذهبت كل الدعوات التي وجهها قادة الرأي والفكر في سورية لإلى مباشرة مشروع إصلاح جاد أدراج الرياح. ولقد أغمض رجال النظام الحاكم في دمشق أعينهم عن رؤية الحقائق والوقائع والمستجدات، وعطلوا العقل عن التفكر والتدبر، وظنوا أن بمقدورهم ببعض الزخارف اللفظية أن يحجبوا الشمس، أو أن يغيروا السنن، أو أن يوقفوا حركة التاريخ، وأن ينتصروا على إرادة الشعوب..

أيها الأخوة المواطنون في سورية الحرة الأبية..

لقد أزفت ساعة الخلاص. ولقد حُق لشعبنا أن يتقدم على طريق إخوانه في تونس ومصر وبقية الأقطار ليسترد حريته وحقوقه وعافيته، ولينطلق بجد على طريق البناء والعمران.

أيها الأخوة المواطنون..

لنا وعلينا أن نأخذ الكتاب بقوة وبرفق، لنا وعلينا أن نطرح بجلاء ووضوح لا لبس فيه مشروعنا الوطني: سورية دولة مدنية حديثة لجميع أبنائها بلا استثناء ولا إقصاء ولا استعلاء ولا استئثار. دولة كلمة الفصل في قرارها صندوق الاقتراع المعبر بجد عن جميع أبنائها. دولة تكون فيها السيادة للقانون، ويتساوى أمامه الرجال والنساء والصغار والكبار..

مشروعنا الوطني الذي نلتزم في طريقنا إليه العمل الديمقراطي السلمي. نرفع رايات الحب والإخاء والمساواة ونرفض كل دعوة للكراهية أو الاستعلاء أو الطائفية أو التعصب الديني أو العرقي..

أيها الأخوة المواطنون أبناء سورية الحرة الأبية..

يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية..

إن التعبير عن الرأي بالقول أو بالكتابة أو بالخطابة أو بالتظاهر هو من أبسط الحقوق التي تكفلها شرائع السماء وقوانين الأرض. إن الطريقة القمعية التي مورست بحق أبناء شعبنا في سائر المدن السورية، بدأ من تشويه السمعة وتوزيع الاتهامات بالعمالة والخيانة، إلى الضرب والسحل في الشوارع للرجال والنساء، دون أي رادع من حياء، إلى الاعتقال السياسي بذرائع مخجلة وتهم ملفقة، ثم استخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق متظاهرين عزل مسالمين، وانتهاء بما جرى في مدينة درعا من خطف واعتقال جماعي واستخدام للرصاص الحي وقتل وجرح العشرات من أبناء الوطن الأبرياء..إن هذه الأساليب القمعية والوحشية تندرج اليوم في إطار الجرائم ضد الإنسانية التي يحاسب عليها القانون الدولي، وتختص المحاكم الجنائية التي أخذت على عاتقها حماية حقوق الإنسان..

إن توثيق هذه الجرائم بكل الطرق والاستحقاقات القانونية أصبح مدخلا ومطلبا لكي لا يفلت ظالم من عقاب.

أيها الأخوة المواطنون أبناء سورية الحرة الأبية..

يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية..

إلى أحرار العالم في كل مكان..

إن الصمت على الجريمة جريمة وشراكة فيها. وإن الاكتفاء بالإدانة والتنديد وحده لا يكفي، فلا بد من الفعل الإيجابي الذي يدفع عن المظلومين والمستضعفين، ويأخذ على أيدي الظالمين والمستبدين..

إننا في تجمع المثقفين الأحرار الذي يضم نخبة كبيرة من المثقفين السوريين:

نطالب النظام في سورية أن ينزل على أحكام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وأن يكون وفيا للتعهدات التي التزم بها..

ونؤكد تضامننا مع نضال شعبنا السلمي والوطني لإطلاق مجتمعنا من حبائل الاستبداد والفساد الذي أرهقه زمنا طويلا..

كما نعلن تضامننا مع أخواتنا وإخواننا المعتقلين من السابقين واللاحقين والفاضلات العشرة المضربات عن الطعام، ومع جميع المعتقلين والمفقودين من شباب مدينة درعا. ونطالب النظام في سورية أن يفرج فورا عن جميع المعتقلين من السابقين واللاحقين وأن يتم إغلاق ملف الاعتقال السياسي في سورية إلى الأبد..

نستنكر وندين بأقصى عبارات الإدانة والاستنكار جرأة أزلام النظام على الحرائر من صبايا الشام دون مراعاة لدين ولا لقيمة ولا لعرف.

ونستنكر وندين بأقصى عبارات الإدانة والاستنكار الاستخدام الوحشي للرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل والمسالمين. ندعو طالبين الرحمة لأرواح الشهداء.والشفاء العاجل للجرحى والمصابين، ونتقدم بخالص العزاء لأسر الضحايا. ونعلن استعدادنا متابعة أمر كل قضية يصلنا ملفها لدى المحاكم الدولية المختصة لينال الفاعلون جزاءهم العادل..

ننتظر من قادة الرأي والفكر في العالم العربي والإسلامي ومن أحرار العالم تضامنا صادقا مع شعبنا الطامح إلى الحرية والكرامة والعدل والازدهار..

لندن في 21 / 3 / 2011م

تجمع المثقفين الأحرار

ميسر التجمع : زهير سالم

       

الواقع العربي وإصلاح.. الإصلاح

الصادق بنعلال
باحث في قضايا الفكر و السياسة

شهدت الساحة السياسية العربية قبل و أثناء هذه الثورات و الانتفاضات الشعبية الصاخبة و الشجاعة ، اهتماما بالغا بموضوع الإصلاح الذي طالما تبوأ الصدارة ضمن انشغالات المعنيين بشأن الأمة العربية منذ مستهل القرن العشرين . و ما من شك في أن الحديث الهادف و الجاد عن الإصلاح ظاهرة صحية في أي إطار زمكاني مخصوص ، شريطة أن ينطلق ذلك من مقاربة علمية و عقلانية مسؤولة ، تروم استقراء فصول و أصول مواطن الضعف العربي و اجتراح حلول إجرائية قمينة بالمساهمة في التقليل من هذا الهوان العربي المبين ، خاصة و أن الفشل الذي يسم الأقطار العربية برمتها هيكلي .و هكذا يمكن القول دون أية مبالغة أو مزايدة في الكلام إن الزلزال الذي يضرب العالم العربي من الماء إلى الماء ، هو نتيجة حتمية لسلسلة من الانتكاسات و المسلكيات السياسوية الفجة ، و الممارسات الفردية و التسلطية لأصحاب القرار من قبيل الاستفراد بالقرارات المصيرية و الحيوية في السلم و الحرب ، و تفضيل مصلحة الأسرة أو المحيط الحاكم على مصلحة الشعب قاطبة ، و تعليق كل المواثيق و القيم الإنسانية و القوانين الدولية ، و تجريد المواطن العربي من حقوقه السياسية و المدنية و الاجتماعية و الثقافية .. و الاستبداد الذي كان و مافتئ يشكل ديدن الحكام العرب في الغالب الأعم .

و الواقع أنه إذا كانت الثورتان التونسية و المصرية قد أطاحتا بزعيمين اشتهرا بالقمع الممنهج و إحصاء النفوس و نهب المال العام .. و إذا كان الشعب الليبي العظيم يواجه بأدوات بسيطة الآلة العسكرية الجهنية للعقيد الأهوج ، و تمكن من السيطرة على أغلب المناطق الليبية الاستراتيجية : مدينة مدينة و " زنكة زنكة ": حسب تعبيرالقائد الدموي ، فإن ذلك يعني من جملة ما يعني أن الشعب العربي الذي كدنا نشك في قواه العقلية و النفسية و الوطنية و القومية ، كان في الموعد و أزال عن كينونته تلك الصورة المفبركة الزاعمة أن الشارع العربي لم يبق له أي وجود أو إحساس بالحياة و العزة و الأنفة ، و الحال أنه كان سنين عددا تحت سطوة " الحاكمين بأمر الله " . و لما دقت ساعة الحقيقة قلب الطاولة و انتفض مثلما لم ينتفض مثله شعب آخر مذكرا بشاعر العروبة الأبدي

" أبو الطيب المتنبي " :

و إذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تكون جبانا

بيد أن الإصلاح الذي نحن بصدد الحديث عنه لا يمكن أن ينحصر في مجرد إسقاط طاغية من سدة الحكم ، و إدخال بعض التغييرات الجزئية لنعود للسباحة في نفس المياه الملوثة ، و إلا لماذا هذه التضحيات الجسام و القرابين الزكية و الدماء التي تسيل دون توقف ؟

إن الإصلاح الذي يستدعيه الراهن العربي هو التفكير العميق و التخطيط المعقلن لما سيكون عليه الوضع بعد إزالة الأنظمة الفاشلة ، حتى نودع و إلى الأبد تلك الأشكال من الحكامة غير الحكيمة الموغلة في الاستكبار و التجبر و الفساد بكل ألوان الطيف . كيف ذلك ؟ أن ينضوي المثقفون العضويون و أصحاب الضمائر الحية في كل الأقطار العربية و رجال السياسة بحصر المعنى ، من أجل هدف موحد : مأسسة الحياة العامة و طي صفحة الشخصنة و التعاطي الشعبوي و الديماغوجي مع قضايا المجتمع المصيرية ، و الصياغة التشاركية لدستور حداثي يستلهم لحمة و سدى المواثيق و القوانين المتعارف عليها دوليا ، والعمل من أجل أن تكون هناك أحزاب و هياكل سياسية فاعلة و قادرة على تأطير المواطنين و تمثيلهم و اقتراح برامج مجتمعية واعدة و قابلة للتنفيذ و الأجرأة ، و تلبي تطلعات المناضلين و المناضلات نحو عيش كريم و تنمية إنسانية شاملة و مستدامة ، و فصل لا لبس فيه بين السلط و حكومة منفذة و مسؤولة أمام ممثلي الأمة ، و إحداث تغيير جذري في النسق الإعلامي لمجاراة الإيقاع الرقمي الذي تشهده ثورة المعلوميات و تكنولوجيا التواصل ، حيث المنافسة في الحصول على المعلومة و تقديمها بالشكل المناسب و بالصوت و الصورة عالية الجودة في اللحظة المناسبة بعيدأ عن لغة الخشب و النزعة الإنشائية البائدة . أملنا ألا تذهب تضحيات الشباب العربي الجسيمة هذرا ، و أن تكلل بإصلاح محرقي و بناء يدخل بنا إلى نادي الدول الديمقراطية بالمعنى النبيل و الأعمق للكلمة .

|